أجمل ما في اللغة العربية.. الضياع بين المعاني!
خاص “المدارنت”..
لم أكتب قصائد غزل، ولست بشاعرة، ولكن، لربما يأتي يومٌ اتغزل فيه باللغة الأقرب إلى قلبي، كما تغزّل الشعراء بأجمل المدن والعواصم العربية، حيث الشعوب التي تناقلت وتوارثت أكرم لغة عند اللّٰه تعالى، ألا و هي لغة القرآن الكريم.
يحتفل العالم اليوم بيوم اللغة العربية، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل هو احتفال بجمال اللغة وعمقها؟ أم هو استمرار التذكير بصون اللغة العربية، خوفاً من اندثارها، بعد أن اصبح العربي يجيد لغات أخرى، ويتبجّح بالخلط بينها وبين اللغات التي دخلت جديداً على لسانه.
لا بد أن نجتهد في اتقان لغات العالم المختلفة، لتمكننا من الانفتاح على ثقافات وابتكارات العالم الآخر، ولا سيّما في عصر العولمة، ولكن لا ننسى ان الحفاظ على لغتنا، هو الوسيلة الوحيدة لكي نبني جسور التعايش بين الشعوب العربية أحادية اللغة والعالم الغربي. ما يزيدنا اصراراً على الحفاظ على نعمة لغتنا، هو استماتة بعض شعوب الغرب لتعلم اللغة العربية.
منهم من يودّ ان يعرف مكنونات القران الكريم، بلغته الأصلية، من دون تحريف او تفسير لاعتبارات كثيرة، و منهم الآخر، يتحدى نفسه لتعلم لغة من اصعب اللغات في العالم، والدليل، هو سعادتهم إن اتقنوا كلمة واحدة، نجدهم يرددوها بفرح، وكأنهم يعطونا إشارات ايجابية بجمالية النطق، والتغلب على صعوبة اللفظ.
أما بالنسبة لي، أنا أعشق اللغة العربية، نعم، وأشعر بالفخر والتحدي بانتقاء كلماتي، عند دعوتي الى إلقاء خطاب أو محاضرة خلال مؤتمرات دولية، أو في مناسبات عامة في العالم العربي، (على الرغم من اني المغتربة في الولايات المتحدة الاميركية لاكثر من ثمانية وثلاثين عام)، كيف لا، وهي لغة البلاغة الاغنى بالاشتقاقات والمرادفات.
القي كلماتي باللغة العربية، لأنه يعزّ عليّ أن أرى أياً من الحاضرين يستعمل سماعات الترجمة، وبخاصة خلال القائي كلمة على أرض عربية.
أما خلال المناسبات العربية، والوطنية منها في اي بلد اجنبي، يكون الدافع أولاً، إصراري على أن يحافظ المغترب العربي على لغته الأم، وثانياً، لكي يشعر ويفهم كلماتي كل قادم جديد ومهاجر الى ارض الاغتراب.
نعم، نتقن لغات أخرى، ولكن الشعور الذي يعترينا نحن عشاق اللغة العربية، عند قراءة قصيدة أم رواية، له جمالية فريدة. غريبة لغتنا العربية، حين تأخذنا الى عالم نتيه فيه بحثا عن المعاني المقصودة، في حكمة كتبها احد حكماء العرب، أو الى الضياع في كتب الفلسفة، التي أبدع فلاسفتنا بخطها. لا أعلم إن كنا نحتاج الى عصر نهضة جديد، أم الى حركات تنويرية ثقافية عربية كما حصل في السابق؟! بل ما علينا فعله، هو تنشيط حركة تأليف وطباعة وترجمة الكتب، وتشجيع باحثينا على نشر بحوثهم باللغة العربية، وبعدها ترجمتها الى لغات أخرى. علينا ابتكار الاساليب التي نحافظ بها على لغتنا، لغة الضاد، ليزداد بريقها، ليس ليوم، بل لكل يوم، باستعمالها في مدارسنا وجامعاتنا، لتبدع أجيالنا، وتمتلئ مكتباتنا بمؤلفات جديدة تتفوق على ما كتب من قبل.
وإن كنّا نشعر بالمسؤولية، فإن لغتنا هي أمانة، للحفاظ على أصولنا وجذورنا وانتمائنا.
*رئيس وزراء “مملكة الجبل الأصفر”
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=