أفيوني يحذر ويدعو الى تأمين الدعم: السعر الرسمي للدولار اليوم نظري ولم يعد واقعياً
أكد وزير وزير الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات السابق عادل أفيوني، أنه “إذا ما حسبنا كلفة خطة شاملة للإنقاذ اليوم، نحتاج أقلّه إلى 25 مليار دولار دعماً لتمويلها: جزء منها لرسملة المصارف، وجزء لدعم ميزانية الدولة، وجزء لتحفيز الاقتصاد، وجزء لتأمين شبكة حماية إجتماعية للطبقات الأفقر. وهذا المبلغ لا يمكن الحصول عليه إلّا من الخارج، وتحديداً من المؤسسات المانحة والدول الصديقة، وصندوق النقد هو إجمالاً الوحيد المخوّل قيادة مثل هذه العملية”. هكذا يوضح لـ”نداء الوطن”، وزير الدولة السابق لشؤون تكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني موقفه من مسألة لجوء لبنان إلى صندوق النقد الدولي.
وقال في حديث الى “نداء الوطن”: “ليس هناك أي مصدر آخر لتوفير الدعم للبنان سوى صندوق النقد ولا حلّ آخر، وهذا ما يحصل في كل الدول التي واجهت أزمات مماثلة”. ويوضح أن “هذا لا يعني أن نخضع لشروط الصندوق بلا مفاوضة، بل على العكس، يجب أن نضع خطة شاملة ومقنعة أوّلاً، والاتفاق مع صندوق النقد والهيئات المانحة على دعمها والتفاوض على الشروط المطلوبة للحصول على هذا الدعم”.
وأكد أنه “إذا لم نواجه الازمة بخطة شاملة شجاعة ونؤمّن الدعم الضروري لتطبيقها، فسنواجه موتاً بطيئاً، على غرار ما تشهده فنزويلا مثلاً، وكلفته باهظة اقتصادياً واجتماعياً وستؤدي الى عقد ضائع يدفع ثمنه جيل كامل من اللبنانيين. لذلك، على الحكومة التحرّك سريعاً لوضع الخطة الشاملة للانقاذ والحصول على الدعم الخارجي لتنفيذها”.
وعن إعادة جدولة الدين، يشدّد أفيوني على “ضرورة مواجهة الازمة بشجاعة وأمانة ومنهجية وتجنّب النكران، فسياسة ربح الوقت لم تعد مجدية”. ويلفت الى أن “الحقيقة المرّة أن حجم الدين العام وكلفة خدمته السنوية بلغت نسباً لم يعد لدى الدولة إمكانية لتحمّلها، وبخاصة الدين بالعملات الأجنبية، وأن المستثمرين وكذلك الأسواق غير مستعدة لتمويل الدين وكلفته، ما انعكس انخفاضاً حاداً في أسعار السندات السيادية في الاسواق العالمية وانعدام الطلب عليها”.
وتابع: “أما أن تتّكل الدولة على المصرف المركزي لتمويل خدمة الدين بالعملات فهذا لا يجوز وغير سليم، خصوصاً في هذه المرحلة حيث شحت التحويلات من الخارج التي كنا نعتمد عليها. فاحتياطي البنك المركزي دوره تمويل الاستيراد وحماية استقرار العملة، ومصدره أموال المودعين، واستنزاف الاحتياطي لتمويل دين الدولة لا يجوز”.
وأشار الى أنه “لا مفرّ من مواجهة هذه الحقائق ومعالجة مشكلة الدين العام، عبر التفاوض مع المستثمرين لاعادة جدولته وتغيير هيكليته، حتى تصبح نسبة الدين العام وكلفة خدمته مستدامة ومقبولة. مثل هذه العملية لا يمكن أن تنجح إلا ضمن خطة شاملة تتضمن خطة مالية متوسطة المدى وتخفيض للعجز وإعادة رسملة المصارف، وتحفيز الاقتصاد وتوفير شبكة حماية اجتماعية للطبقات الأفقر، وتأمين الدعم الخارجي المطلوب لتمويل هذه الخطة. الحلول بالقطعة لا تُجدي، وحدها خطة شاملة يمكن أن تقنع المستثمرين ليوافقوا على إعادة الجدولة فأنصاف الحلول لم تعد ممكنة”.
الدين والودائع
وأوضح أن “فكرة شطب الدين المحمول من البنك المركزي لا تحلّ المشكلة الاساسية، التي هي الدين بالعملات الأجنبية. فالبنك المركزي لا يملك سوى 5.7 مليارات دولار من اليوروبوند من اصل نحو ٣٣ ملياراً إجمالي الدين العام بالعملات الأجنبية، وشطبها يستنزف الاحتياطي وهذا لا يجوز ولن يكفي بأي حال. أما محفظة البنك المركزي الاساسية من الدين العام فهي بالليرة وشطب هذا الجزء من الدين يجب دراسة انعكاساته بدقة، خصوصاً أنه سيؤدي عملياً الى طبع المزيد من الليرة وبالتالي الى تضخم ومزيد من الإنهيار في العملة”.
ولفت الى ان “موضوع القطاع المصرفي حسّاس وعلينا معالجته بالأرقام وتجنّب التهويل واعتماد العدالة كمبدأ أساسي في إيجاد الحلول. الخطوة الاولى هي أن تعالج المصارف ميزانياتها وتحسب الخسائر المترتبة عليها. إن تدهور أسعار السندات اللبنانية وإعادة هيكلة الدين العام سيؤديان مباشرة الى خسائر في القطاع المصرفي الذي يحمل نحو 15 مليار دولار من سندات الدولة بالدولار فقط ونحو 18 مليار دولار بالليرة”. ويشير إلى أن “هذه الخسائر تضاف اليها خسائر القروض المتعثّرة في القطاع الخاص التي ازدادت بسبب الازمة الاقتصادية. وتقديري أن الخسائر الإجمالية ستبلغ ما بين 10 و15 مليار دولار في هذه المرحلة الاولى، ناهيك عن أن هناك إيداعات المصارف بالدولار في مصرف لبنان وقيمتها الفعلية انخفضت كذلك. إذاً كل هذه الخسائر ستحمل المصارف على زيادة رسملتها”.
وذكر أن “زيادة الرسملة يجب ان تتمّ عبر تراتبية واضحة وعادلة. أولاً يتحمل زيادة الرسملة وتعويض الخسائر المساهمون الحاليون وإن لم يكفِ ذلك، فالحلّ الأنسب برأيي ثانياً هو صندوق استثمار بدعم خارجي يقوم بإعادة رسملة المصارف ودمج بعضها، في إطار عملية إصلاح شاملة للقطاع المصرفي. أما المسّ بالودائع لاعادة رسملة المصارف وهو ما يسمى الـ bail in فيجب ان يأتي في المرتبة الثالثة برأيي، إذ لا يجوز ان نبدأ بالمودعين. بكل الأحوال يجب ألا نتعرض وبأي شكل لصغار المودعين، بل يجب حمايتهم مهما كلف الثمن وبالقانون”.
سعر الصرف
وعن رأيه بأسعار صرف الدولار وما اذا كان ذلك يشكّل خطراً على الودائع وتحويلها الى الليرة اللبنانية، أوضح أن “سعر الصرف يأتي نتيجة العرض والطلب في الاسواق وهو يعكس الطلب القوي على الدولار في الاسواق والشحّ في توفره، والأسباب عدة، منها ضعف الاقتصاد المحلي وضعف الثقة والعجز البنيوي في الميزان التجاري، وضعف السياحة والتوقف المفاجئ والجذري للتحويلات من الخارج”، معتبراً أن “معالجة هذه العوامل مسألة تتطلب وقتاً وتحوّلاً جذرياً في النموذج الاقتصادي، لكنها ممكنة وضرورية. أما المعالجة التي تعتمد على استخدام احتياطي البنك المركزي واستقطاب التحويلات بالفوائد العالية فلم تعد تجدي. إذاً السعر الرسمي اليوم هو سعر نظري ولم يعد واقعياً ومن غير العادل تطبيقه لتحويل الودائع بشكل قسري. والدولة يجب ان تدعم السلع الاساسية لحماية الطبقات الأفقر ولكن من غير العدل تطبيق سعر صرف رسمي نظري لتحويل الودائع بشكل قسري، هذا شكل آخر من الاقتطاع”.
أولوية الاولويات
ووشدد على أن “الازمة بوجوهها المالية والاقتصادية والمصرفية والاجتماعية هي الاولوية. والحلول بالقطعة لا تجدي والمطلوب خطة شاملة لأن الازمة متشعبة ومعقدة، ولكن لا شك أن هناك استحقاقات تحكم على الحكومة معالجتها سريعاً وأهمها استحقاقات الدين العام بالدولار. هذا العام هناك حوالى 4.5 مليارات دولار إستحقاقات على الدولة اللبنانية وأولها 1.2مليار دولار في آذار. تمويل هذه الاستحقاقات من احتياطي البنك المركزي وفي ظل الشحّ الذي نعانيه في العملات الأجنبية نسبة لحاجاتنا غير مقبول، ولم يعد ممكناً أن نستنزف الاحتياطي لتسديد الدين العام لأن هذا سيتم على حساب استيراد السلع الاساسية وعلى حساب المودع اللبناني”. من هنا يجب على الحكومة اللبنانية أن تعالج موضوع خدمة الدين العام وحجمه وكلفته في أسرع وقت وهذا أهم أولوية على المدى القصير.
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=