تربية وثقافة
ألـــقـــــاك عــلـــــى خـــيـــــــر..
خاص “المدارنت”..
جاءني يتوكّأ على عصا الستين. المرض يمتصّ عافيته، ويرخي ظلاله على معالم وجهه الشاحب المتغضّن. متعباً بدا. في نظرته ملامح توجّع واكتئاب.
تهالك على مقعد الى جانبي، ثمّ قال:
– أهكذا تنتهي بي رحلة الحياة بعد مسارٍ شاقّ، لم تجنِ منه هذه اليد غير اليسير من الثمار والكثير من الأشواك المؤذية.
أما كان الألطف بذلك الزائر المخيف، أن يرأف بآلامي المضنية، فيلحقني بذلك الرفيق الأعلى حيث تبلسم لديه الجراح النازفة؟!
آلمتني شكواه، وهزّني وقع كلماته ونبراته، فقلت:
– ما كنت لأعهد فيك هذا اليأس. لقد عرفتك صلباً في مواجهة الشدائد؛ فما بالك تتساقط مستسلماً تناشد رحمة الموت؟!
لا يا صديقي. الحياة أثمن من أن نضحّي بها في فورة يأس. قد يطعنك الداء في رأسك، في قلبك، في جارحة من جوارحك، قد يثور في جرحك الألم، قد تعصف بك المعاناة، قد يحملك الضيق على ما تكره؛ ولكنْ… ولكنّ لك في الصبر سلاحاً، ولن يكون بعد العسر غير اليسر.
لم يكن هذا الكلام على عقلانيته، ورصانة منطقه، ليبدّد يأسه، ويزرع في سوداويّة أفقه أملاً.
هزّ برأسه وقال:
– كلام سمعته وأسمعه كثيراً؛ ولكنّ الجمرة يا صديقي، لا تكوي في غير محلّها. ولقد اكتويت وأكتوي بصمت. ولو كان لصمتي صوتًا، لسمعت صراخاً تقشعرّ له النفس والبدن.
لم يكن كلامه لينزل في مسمعي منزل ارتياح. لقد أثار هدوئي، فصحت:
– هذا منطق المستسلمين الضعفاء. أنت لست الصديق الذي عرفته وأحببته، ونسجت معه علاقة الثقة والتقدير. أين ما عرفته فيك من الصبر والعزم والأمل؟! كم مرّة سمعتك تردّد على مسامع بعضهم تلك المقولة المأثورة.. “لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة”!
إصحَ أيّها الصديق، وتنبّه لما أنت فيه؛ فاستسلامك لضعفك وانهيار آمالك قاتلك؛ فحرام أن يفقدني الموت بك أعقل وأعزّ صديق.
أعارني أذن سمعه، متلقّياً صياح مشاعري بكثير من الإنتباه، ثمّ نهض، وعلى وجهه ابتسامة ناطقة ليغادر جلستنا، قائلاً:
ألقاك على خير.
======================
======================