مقالات

أورتاغوس لا تتحدّث في بيروت عن التطبيع!

مورغان أورتاغوس

“المدارنت”..
تطالعنا في لبنان والمنطقة العربية عموماً، آراء تحذّر من تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، ومن ضرورة التصدّي لهذا المشروع، منطلقين من قراءة ترى أن الغاية من خلف ما تقوم إسرائيل به على الساحة العربية عموماً، لا سيما في البلدان التي لم تتطبّع بعد، لا يتخطى هذه المسألة.
يطرح هؤلاء معادلات ترى أن المطلوب مجموعة من الأمور التي تكرّس وجود إسرائيل في المنطقة من بوابة تطبيع العلاقات والاعتراف العلني بها من دون قيد أو شرط. لكن الكلام بمجمله بات يترافق مع أمر واقع يختلف ويتخطّى التي يُبنى التطبيع عليها. بل لعل المنطقة أصبحت تحت مجموعة شروط موضوعية وواقعية جعلت من هذا الكلام مسألة أكل الدهر عليها وشرب.
يعزّز هذه القراءة أن زيارة الموفدة الأميركية (مورغان) أورتاغوس إلى لبنان لم تتضمّن أي كلام عن التطبيع، وهو ما تؤكد عليه من ناحيتها، كما يؤكده رئيس مجلس النواب اللبناني (رئيس حركة أمل) نبيه بري. إلا أن عدم ذكر الأمر هو لأن الأحداث قد تخطت، على ما يبدو، أي كلام عن التطبيع والاعتراف، فإسرائيل، بكل ما تمارسه منذ تأسيسها، وما توظفه من اعتماد خطاب المظلومية والأحقية التاريخية المزعومة، وما عملت على تكريسه منذ 7 أكتوبر (2023).
ويبدو أنها ستستمر في ممارسته، جعلها في مكان آخر مختلف تماماً عن الاكتفاء بمجرّد اعتراف، ولا سيما أنها تسلك بطريقة لا يمكن ترجمتها إلا في إعادة رسم مجمل خريطة المنطقة. خريطة تناسبها إلى درجة أن الاعتراف بحدودها السابقة فوق الأراضي الفلسطينية التي تحتلها، كقاعدة متقدّمة للاستعمار، كما منذ لحظات تأسيسها، أصبح بمثابة تحصيل حاصل، إذ تنوي اليوم احتلال وقيادة مجمل المنطقة، بعدما عملت على تجيير واستخدام كل ما يخدم هذا المشروع، بالإضافة إلى تصفية كل ما يمكّن أن يشكل عائقاً حقيقيّاً أو مفترضاً أمامه.

الأحداث قد تخطت، على ما يبدو
أي كلام عن التطبيع والاعتراف

الخطر الكامن في سير الأحداث اليوم، وفي خطاب الموفدة الأميركية، والذي لا تريد أن تراه ولا أن تعترف هذه الأصوات به، وكثير غيرها من أصوات تتموضع على الطرف النقيض، يُذكّر بما قاله سيرفانتس في رائعته “دون كيشوت”:
“لن تكون طيور هذا العام في أعشاش السنة الماضية”، فالطيور تغيّرت كما أن أعشاشها اختلفت، ما يعني أن التسويات التي كانت ممكنة ومتاحة البارحة، وعلى رأسها التطبيع، لم تعد هي ذاتها التي من الممكن أن تقبل إسرائيل بها اليوم. ناهيك عن أن كل يوم إضافي يمرّ يزداد التعنّت الإسرائيلي جرّاء فرض أمر واقع جديد يفتح شهيتها على ما كان مستبعداً في الأيام القليلة الماضية. فإن كرّست الحرب التي تخوضها إسرائيل في ظل الإبادة التي تمارسها أي شيء، فهو معادلة الصراع مع الوقت والتخطي المستمر لما كان يمكن أن تكتفي البارحة أو اليوم أو غداً به.
فبأي منهجية يمكن قراءة حربها المستمرة والمتنقلة في الأراضي الفلسطينية، ناهيك عن احتلالها المناطق والتلال في جنوب لبنان أو في الجنوب السوري، بعدما أحكمت القبضة عليها بعد “7 أكتوبر” وبعد هرب الأسد؟ وكيف يمكن تفسير غاراتها وطلعاتها الجوية في سورية ولبنان، والمتمثلة باستهداف قيادات ومراكز ومواقع ومخازن أسلحة للدولة السـوريـة، ولحزب الله، ليس في جنوب سوريا وجنوب نهر الليطاني فحسب، بل في عمق الدولتين، والتي عملت على تكريسه في اتفاق الهدنة مع الدولة اللبنانية من أمام حزب الله نفسه؟
هل هناك من يستطيع أن يرى في ما تقدم إسرائيل عليه، في حربها المستمرّة، وبعد الهدنة التي بات واضحًا أنها على مقاسها، من إمكانية مختلفة عن الهيمنة المباشرة؟ ما الذي قد تريده إسرائيل، أو أي احتلال مشابه، في ظل منطق قوّة وغلبة تكنولوجية ساحقة محسومة في صالحها، غير إحكام قبضتها على الشروط السياسية، ناهيك عن شل وتقويض أي ضغط معاكس قد يجرّ اسرائيل إلى تسويات تعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل “7 أكتوبر”؟

من المستبعد تفسير غياب كلام أورتاغوس
في بيروت عن التطبيع
بادرة أميركية و”إسرائيلية” إيجابية

المطروح على الطاولة اليوم، وما يتعزّز جرّاء الضوء الأخضر الدولي الذي تتمسّك إسرائيل به وتستخدمه بكل صلافة وغطرسة وإجرام، وآخرها التغطية الشاملة التي نالتها من الإدارة الأميركية لاستكمال حربها على غزة، والحصار المحكم المترافق مع الإنذارات الدولية المتتالية والسريعة للبنان في مسألة مصادرة سلاح حزب الله، هو المحاولة المستمرة للتصفية التامة للقضية الفلسطينية واحتلال الأراضي التي لم تحتلها بعد، كما واحتلال أجزاء في لبنان وسورية، وفي بقية المنطقة، بهدف الهيمنة التامة وتكريس العصر الأميركي الإسرائيلي بشكل مباشر وليس عبر وسائط، بما يخدم إحياء حلمها بدولة إسرائيل الكبـرى.
في ظل هذه الحالة، من المستبعد تفسير غياب الكلام عن التطبيع بأنه بادرة أميركية وإسرائيلية إيجابية، كما يحلو لبعضهم تفسيره. كما ولا يمكن تفسيره بأنه ورقةً يمكن استخدامها لمفاوضة إسرائيل بشأنها وجرّها إلى تقديم تنازلات بالتالي. بل يبدو أن الواقع الجديد، وما يرافقه من شللٍ سياسيٍ عربي، وغياب أي قدرة على إنتاج تسوياتٍ قد تردعها، لا يعني إلا تكريس سيطرتها على المنطقة بالترافق مع إمعان تكريس شروط الهزيمة التي تطاول مجمل القوى الموجودة فيها.

العربي الجديد”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى