مقالات

أوروبا.. إذا فاز ترامب..!

د. كمال بلهادي/ تونس

“المدارنت”..
يرفع مرشح الحزب الجمهوري الأميركي للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، سلاح الرسوم الجمركية في وجه الدول الحليفة والصديقة، وهو سلاح قديم كان قد استخدمه أثناء ولايته الأولى، وبلغ به الأمر حدّ الوصول إلى حرب تجارية مع الصين وأوروبا الحليف القوي للولايات المتحدة. ويبدو أنّه عازم هذه المرة على إعادة ذات السيناريو من جديد، مع وضع مختلف في أوروبا المنهكة من ورطة بايدن في أوكرانيا..
الأوروبيون منزعجون جداً من فكرة عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لأنهم يدركون أن عودة الجمهوري إلى الحكم ستعني أزمات اقتصادية وأمنية كبيرة جداً وخطيرة على مستقبل الاتحاد الأوروبي، بعد أن ورطهم الرئيس الديموقراطي (جو بايدن) في الحرب الأوكرانية، وجعلهم يدفعون أثماناً باهظة جداً، على المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
قد لا تعترف النخب السياسية الأوروبية الحاكمة بخطئها الجسيم، عندما سارت في مسار معاداة روسيا وفرض عقوبات عليها، وعندما سارت في الركب الأمريكي غير المتضرر من حرب أوكرانيا، فيما كانت النتائج أكثر وبالاً على الشريك الأوروبي الذي خسر الطاقة الروسية، وتكبد أموالاً كثيرة من أجل تعويضها بمشتقات الطاقة من أمريكا نفسها أو من دول أخرى.
لغة الأرقام تقول: إن أوروبا أنفقت خلال العام 2022، قرابة الـ800 مليار يورو (بحسب تحليل أجراه مركز أبحاث بروغيل)، وذلك بهدف مساعدة شعوبها من أجل التغلب على ارتفاع تكلفة المعيشة ومعدلات التضخم غير المسبوقة ربما منذ عقود. ففي بريطانيا على سبيل المثال، فإن أسعار البنزين والكهرباء والغاز لم تعد تُحتمل من قبل الشعب البريطاني، وأصبح المواطنون يضطرون لركوب المواصلات لتجنب دفع فواتير الطاقة، ويتجنبون حتى المبالغة في التدفئة لتوفير الطاقة. كما أن أسعار المواد الغذائية تضخمت لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ العام 1977، وكان ذلك في ديسمبر/كانون الأول من العام 2022 بنحو 17.6%.
أما فرنسا، فقد كانت هي أيضاً واحدة من أبرز الدول الأوروبية التي تأثرت بشدة بالحرب في مختلف القطاعات، وهذا ما تظهره بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي الذي كشف عن أن معدل التضخم السنوي في فرنسا بلغ 5.2% لعام 2022، بعد 1.6% في العام 2021. وارتفعت أسعار الطاقة وحدها بنسبة 23.1% سنوياً، علاوة على 6.8% ارتفاعاً بأسعار المواد الغذائية و3% بالنسبة للسلع والخدمات المصنعة. أما المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، فقد قال إن التكاليف الاقتصادية التي ستتحملها ألمانيا بعد عامين من الحرب في أوكرانيا من المرجح أن تكون أعلى بكثير من 200 مليار يورو.
وهذا ما يؤكد أنّ أوروبا المثقلة بأزمات اقتصادية ومالية منذ العام 2008، إنما تساق إلى مستقبل مظلم نتيجة خيارات قادتها التي جعلتها لا تواجه أزمة اقتصادية خانقة فحسب بل أزمات أمنية، غير قادرة على مواجهتها والتصدي لها، بخاصة في ظل استمرار قادة أوروبا في توريط أنفسهم في حرب مباشرة مع روسيا، وهو ما يدفع الروس إلى التهديد باستخدام السلاح النووي في قلب أوروبا.
وإذا ما رحل بايدن وجاء ترامب إلى الحكم، فإنّ أوروبا ستصبح مكشوفة الظهر، لأن ترامب لا يؤمن بنظرية حلف “الناتو”، ولا يؤمن بضرورة الدفاع عن أوروبا، وهي مواقف تعود إلى السنوات الماضية، وقد سبق له أن اعتبر الحلف قد عفا عليه الزمن، وامتنع عن حماية الأوروبيّين وطالبهم بدفع الأموال مقابل الحماية، وأوروبا الآن غارقة في وحل الأزمة الاقتصادية، وستضاف إليها الأزمة الأمنية.

في مقال نشرته جريدة «لوموند» الفرنسية، حذّر الدبلوماسي الأمريكي السابق جيفري هوكينز، من تداعيات فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، على الأمن الأوروبي والعلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن ولاية ثانية لترامب قد تُحدث تغييرات جذرية في المشهد الأمني الأوروبي، وتؤثر في العلاقات الاقتصادية بشكل سلبي. وأكد هوكينز أن انتخاب ترامب مرة أخرى سيضع الاتحاد الأوروبي في موقف صعب في مساعيه لتعزيز الديمقراطية، وسيؤدي إلى تدهور التحالف الأمني عبر الأطلسي، خاصة من خلال إضعاف التزامات الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو). ما قد يفضي إلى سيناريو «ناتو خامد»، حيث ستظل المظلة النووية الأمريكية وبعض القوات الجوية والبحرية في أوروبا، بينما ستنسحب القوات البرية الأمريكية إلى حد كبير، ما يترك أوروبا وحدها في مواجهة التهديدات العسكرية.
ولكن الأخطر على أوروبا هو إغراقها بالمزيد من الديون وفرض الرسوم الجمركية على بضاعتها، ما سيجعل السوق الأمريكية سوقاً مغلقة في وجه الحلفاء، ذلك أن ترامب يتعهد بفرض رسوم عالية على الشركات الأجنبية تصل إلى حد 200% على السيارات المنتجة في المكسيك، كما يواصل ترامب في حملته الانتخابية الترويج لفرض الرسوم الجمركية، فقد دعا إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على جميع الواردات، ما سيجعل المنتجات الأوروبية أغلى بكثير في الأسواق الأمريكية. وهذه تحديات لن تستطيع أوروبا المنهكة أن تواجهها.

المصدر: “الخليج” الإماراتية
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى