إتهامات متبادلة بين السودان والإمارات في مجلس الأمن ورئيسة المجلس تتدخل!

“المدارنت”..
شهدت الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن الدولي حول السودان، اليوم الجمعة، تبادلاً حاداً للاتهامات بين السفير السوداني الحارث إدريس الحارث والسفير الإماراتي محمد عيسى أبو شهاب، ما دفع رئيسة المجلس، سفيرة الدنمارك، إلى التدخل لإنهاء الجدل.
الجلسة، التي تحدث فيها ممثلو جميع أعضاء المجلس، بالإضافة إلى المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، والأمين العام لمنظمة “أطباء بلا حدود”، كريستوفر لوكيير، ركزت على الوضع الإنساني المتفاقم في السودان والانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون، خاصة النساء والأطفال.
وفي ختام المداولات، أُعطيت الكلمة للسفير السوداني، تلاه السفير الإماراتي، حيث تبادل الطرفان سلسلة من الردود الحادة، مما اضطر رئيسة المجلس إلى التدخل وإبلاغ كل منهما بأنها ستنهي قبول حق الرد لإنهاء الجلسة.في كلمته أمام مجلس الأمن، أكد السفير السوداني الحارث إدريس الحارث أن الجيش السوداني يعمل على حماية المدنيين، مشيرًا إلى أن الدولة وضعت خارطة طريق متكاملة لحماية المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، وقدمتها إلى رئاسة وأعضاء مجلس الأمن.
كما شدد الحارث على الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، متهمًا إياها بجرائم حرب تضمنت الاغتصاب الجماعي، والاستعباد الجنسي، وبيع الفتيات والنساء. وأوضح أن الدولة أنشأت وحدة لمكافحة العنف ضد المرأة بهدف حماية النساء، وتأهيلهن، وتوفير سكن آمن، وإنشاء لجان حماية ومراكز إيواء، لافتا إلى أن هذه الوحدة تتعاون مع منظمة اليونيسف لتدريب المتطوعات، والحماية من التحرش، وتسهيل الوصول إلى نظام العدالة.
واتهم السفير السوداني قوات الدعم السريع بارتكاب عمليات اغتصاب جماعي للرجال بهدف إذلالهم وكسر كرامتهم، مشيرًا إلى أن هذه الجرائم ارتُكبت بمساعدة مرتزقة وأفراد أجانب بدعم من “الراعي الإقليمي”، في إشارة ضمنية إلى جهات يُعتقد أنها تدعم هذه القوات.
أوضح السفير السوداني أن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة وثّقت أكثر من 1138 حالة اغتصاب استُخدمت وسيلةً لكسر كرامة الأسر، بالإضافة إلى 36 حالة استعباد جنسي.
ودعا السفير مجلس الأمن إلى تقديم الدعم اللازم لضحايا العنف الجنسي، مطالبًا بتوفير الرعاية الشاملة، والإجهاض الآمن، وإنشاء مراكز آمنة لحماية النساء، إلى جانب دعم المنظمات المحلية العاملة في هذا المجال.قال السفير الإماراتي محمد عيسى أبو شهاب إن الشعب السوداني تعرض خلال 699 يومًا للهجمات القاتلة التي استهدفت المدنيين، وخاصة النساء. وقدم في كلمته توصيات من بينها اعتبار حالات العنف ضد النساء كأحد المعايير التي تستدعي فرض العقوبات على مرتكبيها. كما شدد على ضرورة محاسبة كل من ارتكبوا جرائم الاغتصاب، خاصة ضد الأطفال، داعيًا إلى تقديم الدعم للضحايا بما في ذلك الدعم النفسي.
قال السفير الإماراتي محمد عيسى أبو شهاب إن بلاده قدمت مساعدات إنسانية بقيمة 600 مليون دولار منذ بداية الصراع، لكنه أشار إلى أن المطلوب هو مزيد من الدعم. كما طالب مجلس الأمن بضمان دخول المساعدات عبر كافة نقاط الدخول. وأكد أن الإمارات لا تزال ملتزمة بدعم الشعب السوداني. وفي النقطة الأخيرة من مداخلته، دعا السفير المجلس إلى إجبار الأطراف المتحاربة على وقف أصوات البنادق.
وطلب السفير السوداني حق الرد على نظيره الإماراتي، قائلا إن الإمارات تمارس دورا شريرا في بلاده “وإن لم يتوقف دورها في دعم ميليشيا الدعم السريع وحكومتها الموازية وعلى المجلس أن يكون واضحا في تحديد اسم الإمارات بدل قول العناصر الخارجية. العنصر الخارجي في هذه الحرب هي دولة الإمارات. يقولون إنهم يريدون أن يسيطروا على السودان لأن لهم مصالح فيه، وهل لا تحمى المصالح إلا بالحرب ودعم الميليشيات وقصف دارفور 188 مرة وعن طريق محاولة إنشاء مطار في نيالا وعن طريق المسيرات؟. ألا يخجل مندوب الإمارات حين يقول إنه يدعم الشعب السوداني؟”.
رد السفير الإماراتي محمد عيسى أبو شهاب قائلاً: ” السفير السوداني يتهرب من تحمل المسؤولية ويحاول إلقاء اللوم على الآخرين. نحن نؤكد أن الإمارات لم تكن طرفاً في هذا الصراع وهي ليست طرفاً الآن، ولا تأخذ موقفاً مع أي طرف. الكذب سيظل كذباً. الحقيقة هي أن الأطراف المتحاربة هي المسؤولة عن وقوع الضحايا، وعن استخدام الأسلحة الكيميائية، وعن استخدام العنف الجنسي كوسيلة في الحرب. هم المسؤولون عن عدم الحضور إلى طاولة المفاوضات. فقط أطراف الصراع هم من يستطيعون إيقاف هذه الحرب. لا حل عسكرياً لهذا الصراع”.
طلب السفير السوداني الرد مرة أخرى، فنبهته رئيسة المجلس إلى أن هذه ستكون المداخلة الأخيرة. وقال السفير السوداني: ” الحرب ستتوقف عندما تتوقف الإمارات عن التدخل في شؤوننا. والإثباتات موثقة في تقرير الكونغرس الأمريكي والبحوث الكثيرة، وقد قدمنا وثائق من 74 صفحة لمجلس الأمن لإثبات التدخل الإماراتي الذي يهدف إلى سرقة مواردنا”. وأضاف: “هناك وثيقة تثبت أن الإمارات تشتري السلاح الأمريكي وتحوله إلى الميليشيات، وسيأخذ الكونغرس الأمريكي قراراً في هذا الشأن”.
رد عليه السفير الإماراتي مجدداً، وتلقى أيضًا تنبيهاً من الرئيسة أن هذا سيكون الرد الأخير، قائلاً: ” السفير السوداني يدعي أنه ملتزم بالسلام. إذا كان كذلك، فلماذا يرفض المشاركة في أي مبادرة تدعو إلى السلام؟ الجيوش تقام لحماية شعوبها، ولحماية النساء والأطفال من أي ضرر، لا لقتلهم وإلحاق الأذى بهم. الجيش يحمي الحدود ويحمي الشعب. فلماذا لا يأخذ هؤلاء هذه المهمة بجدية؟ مرة أخرى، أدعو إلى وقف إطلاق النار و الانخراط في مفاوضات سلام بدلاً من توجيه الاتهامات لبلدي”.
اليونسيف: الانتهاكات الجنسية للأطفال غير مقبولة
وكانت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسيل، قد بدأت الجلسة وتحدثت عن التقارير التي تلقتها والمثيرة للقلق عن انتهاكات جسيمة ضد الأطفال المحاصرين في هذا الصراع، بما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم من قبل الجماعات المسلحة. وقالت إنه بين حزيران/ يونيو وكانون الأول/ديسمبر 2024، تم الإبلاغ عن أكثر من 900 حادثة انتهاك جسيم ضد الأطفال، لكنها أكدت أن هذه الأرقام ليست سوى جزء بسيط من الواقع.
وأضافت أن الاستخدام واسع النطاق للأسلحة المتفجرة له تأثير مدمر على الأطفال وسيستمر تأثيرها على المجتمعات بعد انتهاء الحرب. وقالت راسل إن الصراع يشهد أيضا انهيارا لسيادة القانون وإفلاتا تاما من العقاب على الأذى المروع الذي يلحق بالأطفال.
وأضافت مديرة اليونسيف: “في السودان اليوم، ينتشر العنف الجنسي. ويُستخدم لإذلال شعب بأكمله والسيطرة عليه وتفريقه وإعادة توطينه قسرا وإرهابه. وفي الوقت الحالي، يُقدر أن 12.1 مليون امرأة وفتاة وعددا متزايدا من الرجال والفتيان معرضون لخطر العنف الجنسي. هذه زيادة بنسبة 80 في المئة عن العام السابق”.
ووفقا للبيانات التي حللتها اليونيسف، تم الإبلاغ عن 221 حالة اغتصاب ضد الأطفال في عام 2024 في تسع ولايات. وفي 16 من هذه الحالات، كان الأطفال دون سن الخامسة وأربعة رضع دون سن عام واحد.
وقالت راسل إن البيانات لا تقدم سوى لمحة عن أزمة أكبر وأكثر تدميرا، حيث لا يرغب الكثيرون أو لا يستطيعون الإبلاغ،
أطباء بلا حدود: فشل المجلس تخل عن مسؤولياته
من جهته، قال الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود، كريستوفر لوكيير، إن دعوات مجلس الأمن المتكررة لإنهاء النزاع وحماية المدنيين ليس لها أثر على إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق.
أضاف: “بينما تُدلى البيانات في هذه القاعة، يظل المدنيون مغيبين عن الأنظار، بلا حماية، يتعرضون للقصف والحصار والاغتصاب والتشريد، محرومين من الطعام والرعاية الطبية والكرامة. تتعثر الاستجابة الإنسانية، حيث تشلها البيروقراطية وانعدام الأمن والتردد، وبسبب ما يمكن أن يصبح أكبر سحب للاستثمارات في تاريخ المساعدات الإنسانية. بالنسبة لزملائي في الخرطوم، وفي طويلة، وفي نيالا – ولمرضانا في جميع أنحاء السودان – فإن فشل هذا المجلس في ترجمة مطالبه إلى أفعال يبدو تخليا عنهم في مواجهة العنف والحرمان”.
وقال لوكيير “إن إعلان جدة كان ينبغي أن يكون لحظة فاصلة، لكنه أصبح أكثر بقليل من مجرد درع خطابي مناسب يُستدعى للتعبير عن القلق فيما يعفى المسؤولون والمؤثرون من اتخاذ إجراء حقيقي”.
ودعا إلى ميثاق جديد يصون بقاء الشعب السوداني وكرامته، ويخضع لمراقبة مستقلة، تدعمه آلية مساءلة قوية تضمن التزام جميع أطراف النزاع بتعهداتها. وقال إن الأزمة في السودان تتطلب تحولا جذريا عن نهج الماضي الفاشل. ملايين الأرواح تعتمد على ذلك.