“إسرائيل” تبكي المتحدث باسم الإبادة في غزة: لماذا أقالوا “رمز إنسانيتنا”.. هاغاري؟

“المدارنت”..
لقد سقط تاج رأسنا، أزيح (الإرهابي الصهيوني الجنرال) دانيال هاغاري من منصبه، امتلأت الشبكات بالنحيب والرثاء على ذهاب صاحب الغرة الجميلة. كتبت عنه آية كوريم قصيدة اشتياق. حتى نجم رئيس الأركان الجديد إيال زمير، الذي لمع للحظة، خفت بسرعة في نظر نصف الشعب، لأنه أخذ منه هاغاري. الجميع تحدثوا عن نزاهته واستقامته وظهوره. كيف حمانا في الحرب، وكيف ظل للتعزية والتشجيع. بعد أسبوع على تعيين رئيس “الشاباك” في منصب منقذ الديمقراطية، جاء دور المتحدث بلسان الجيش ليعين في منصب المخلص الوطني. هكذا هو الأمر في معسكر اليسار الصهيوني المتنور.
الشخص المعزول لعب الدور بشكل جيد. كان دوره الكذب والطمس، والتخفي، والخداع، والنفي، والتنصل، وإخفاء الجرائم عن عيوننا وعيون العالم. أمير النزاهة والاستقامة، هاغاري، تميز في وظيفته. لقد طمس وخدع وكذب بدون أن يرف له جفن، وظهر نزيهاً وإنسانياً جداً. حتى إن حنجرته اختنقت ذات مرة، هو شخص حساس جداً.
الشخص المعزول كان دوره الكذب والطمس والتخفي والخداع
والنفي والتنصل وإخفاء الجرائم عن عيوننا وعيون العالم
لذلك، أحببناه. لولا هاغاري لم نعرف شيئاً، ولم نسمع ولم نشاهد. بفضل هاغاري وأمثاله، ما زال هناك إسرائيليون على قناعة بأن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم. ليس غريباً أن تثير إقالته موجة كبيرة للاعتراف بالجميل. أيضاً لم يرق هاغاري لرئيس الحكومة نتنياهو، خصوصاً عندما بدأ يكبر ويصبح الأم القومية. منذ كؤوس مياه نحمان شاي، لم نملك أماً كهذه في الحرب. هل هذا من أقالوه؟ هاغاري الذي أراحنا جداً في وقت كان كل العالم قد أبادنا وعزلنا.
يمكن التأثر من شخصية هاغاري، من تهذيبه وظهوره – لكن بينه وبين النزاهة والاستقامة فجوة كبيرة من الظلام. لم يقل الحقيقة يوماً حول ما يفعله الجيش الإسرائيلي في غزة، ولم يقل الحقيقة عن الذين قتلوا الصحافية شيرين أبو عاقلة في جنين. كانت هذه وظيفته، ودور كل متحدث بلسان الجيش الإسرائيلي – التغطية على جرائم الجيش.
منذ عشرات السنين وأنا أطلب ردوداً من المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي عن أخطاء الاحتلال اليومية. ولم أحصل ذات يوم على رد حقيقي واحد. تتراوح الردود العامة بين “تم فتح تحقيق”، الذي مشكوك فيه إذا تم فتحه ولن ينتهي إلى الأبد، مروراً بـ “الحادثة معروفة لنا”، وانتهاء بـ “يعرض الحياة للخطر” (ولد يمسك حجراً أو فتاة على نافذة بيتها). ، المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي لم يسمع طوال حياته عن الألم وعن الخطأ، عن الاعتراف بالذنب وتحمل المسؤولية أو القليل جداً من الندم. كان هاغاري المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي في السنوات الأكثر ظلامية للجيش، والآن هو رمز النزاهة. تحدث عن الإبادة الجماعية، وهو الآن رمز الإنسانية في إسرائيل. من يصدق ذلك؟
إن الحزن والنحيب على إقالة هاغاري تبلغنا عن الذين ينتحبون أكثر بكثير مما تبلغنا عن هاغاري نفسه. في نهاية المطاف، لا يجب علينا توقع أي شيء منه في وظيفة التي جوهرها الخداع والدعاية. من يتأثر من هاغاري يقول في الحقيقة: اكذبوا علينا مرة أخرى، بقدر استطاعتكم. أعطونا المزيد من هذا خداع لطيف للجيش الأخلاقي، قولوا لنا المزيد عن مدى جمالنا وجمال جيشنا، ومن الأفضل أن يأتي ذلك على لسان ضابط بليغ. هكذا بالضبط كان هاغاري، كم كان معزياً أن نسمع منه بأنه لا توجد مشكلة في تدمير برج سكني في قطاع غزة؛ لأن نائب المسؤول المالي في حماس يعيش في إحدى الشقق. وكم هو جيد أن نعرف من فمه بأن جنودنا لم يقتلوا ذات يوم أطفالاً أو نساء، وأن العالم هو من يفتري علينا.
الرغبة في الظهور بمظهر جيد والشعور بالرضى عن أنفسنا وجيشنا، هي رغبة شديدة إلى درجة أن إسرائيلياً وسيماً مثل هاغاري قادر وحده على إشباع رغبتنا. هو ليس بن غفير أو عوفر فنتر، هو أرض إسرائيل الجميلة، البلاد التي استقبلتنا بالترحاب، البلاد الأخلاقية والقيمية والتي أخفت عنا كل جرائمها بلطف. الآن تخيلوا، تم طرده.