“إسرائيل” تعترف: فشلنا إزاء “حماس”.. تجويع مليونيّ إنسان لم يردعها!
“المدارنت”
نحو ثلاثة أشهر من منع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، لم تحرك ما تبقى من قيادة حماس عن موقفها المتصلب في مسألة المخطوفين، بل صلبته، كما اعترف رئيس الولايات المتحدة ترامب مؤخراً. من ناحية إسرائيل، فإن القرار “إغلاق المساعدات” لغزة كان بائساً وغير ناجع وغير أخلاقي. فقد استند إلى مفهوم مغلوط انكشف في 7 أكتوبر، أي أن بوسع وسائل اقتصادية، إيجابية أو سلبية، التأثير على سلوك منظمة إرهاب إسلامية متطرفة. ليس للاقتصاد قوى تأثير كهذه.
طوال السنين التي سبقت 7 أكتوبر، ادعت محافل التقدير الأمنية – السياسية الأعلى، وإلى جانبها معاهد بحوث غير حكومية، بأن الطريق الصحيح لتعطيل عدوان حماس هو تحسين الوضع الاقتصادي للسكان الذين تعمل في أوساطهم. واستناداً إلى هذا التقدير، أدخل إلى قطاع غزة المال من قطر – نحو 500 مليون دولار في السنة. وبالتدريج، سمح لمزيد من العمال من غزة بالعمل في إسرائيل. بدأت غزة تعيد بناء نفسها، وارتفع مستوى المعيشة وظهرت بوادر طبقة وسطى ميسورة نسبياً. أصحاب القرار في القدس أعلنوا: طريقة ترويض المارقة بواسطة المال، تبدو ناجحة: حماس الآن تحرص على رفاه الغزيين، وتنأى بنفسها عن الحرب مع إسرائيل.
غير أن هذا المفهوم المتعلق “بترويض المارقة” لم يكن واقعياً؛ فالتجربة المتراكمة في العالم في القرن العشرين والحادي والعشرين تظهر أن حركات راديكالية كحماس، غير معنية بتحسن اقتصادي في مناطق سيطرتها. هي معنية بالفقر، والعوز، والجوع– وستعمل على إحباط أي تحسن. صاغ الفكرة زعيم ثورة أكتوبر البلشفي لينين، بقوله الشهير “كلما كان أسوأ، كان أفضل”. كلما كان وضع السكان الداخليين لمنظمة ثورة متطرفة أصعب، يسهل على المنظمة نفسها العمل داخلهم والسيطرة عليهم. لا يوجد للجوعى والبؤساء قوة أو عقل للتمرد؛ فهم يلاحقون لقمة العيش.
حتى آذار من هذا العام، نجحت إسرائيل في تصفية القيادة القتالية لدى حماس، وكانت في الطريق إلى النصر المنشود. ابتعد الإنجاز واختفى عندما ولدت مطالبات بن غفير وسموتريتش ورفاقهما بإسناد من رئيس الوزراء نتنياهو، الخطوة الهدامة لإغلاق المساعدات على غزة، وتقليص توريد الغذاء إليه لدرجة التجويع التدريجي. ومع أن كبح المساعدات أشعل احتجاجات محلية ضد حماس في بدايته، فإنه كلما تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني والصحي في القطاع، يضعف الاحتجاج ويختفي. أدرك الجيش الإسرائيلي بأن طريقة العقاب الجماعي “لا تنجح” وأوصى بوقفها. لكن الائتلاف الذي يسيطر عليه الوزراء المسيحانيون ورئيس الوزراء الذي غير جلدته وانضم إليهم، أصبح المفهوم المغلوط سياسة. وكما هو متوقع، لم يحقق شيئاً غير تصعيد المعاناة.
لطرد حماس من غزة، المطلوب هو مبادرة سياسية – استراتيجية واسعة، تتضمن إعادة السلطة الفلسطينية للسيطرة على القطاع. “هذا خيار غير واقعي”، أوضح نتنياهو لسامعيه حين قال إنه لا فرق بين حماس والسلطة الفلسطينية في تطلعهم المشترك لإبادة إسرائيل. لذا، يرى حكم السلطة كحكم حماس. وتجاهل، على عادته، الحقائق (السلطة الفلسطينية اعترفت بإسرائيل، وألغت الميثاق الفلسطيني، ووقعت على اتفاقات معنا) ويتمسك بعالم وهمي خلقه بهراء لسانه.