إيران وأميركا في مسقط.. النووي باعتباره عقارًا!
“المدارنت”..
عباس عراقجي، دبلوماسي (إيراني) محترف. كان نائبا لوزير الخارجية للشؤون السياسية في عهد وزير الخارجية محمد ظريف. تولى قيادة فريق المفاوضين من 2013 حتى عام 2015، حين أبرم أول اتفاق نووي مع أمريكا والغرب. لعب دورا محوريا في المفاوضات اللاحقة، بعد إلغاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاتفاق عام 2018، بهدف إحياء الاتفاق النووي.
جاء عراقجي إلى الديبلوماسية من عالم البحث حيث شغل منصب المدير العام لمعهد الدراسات السياسية والدولية، ومستشارا لكلية العلاقات الدولية قبل أن يصبح سفيرا في فنلندا ثم اليابان، ثم قائما بأعمال بعثة إيران في منظمة المؤتمر الإسلامي في السعودية، وهو الآن، بصفته وزيرا للخارجية، يرأس مفاوضات بلاده مع أمريكا بـ«صلاحيات كاملة»، حسب تأكيد علي شمخاني، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي.
ستيف ويتكوف: ملياردير ورجل أعمال متخصص في العقارات. من يهود نيويورك وصديق شخصي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يلعب معه الغولف كثيرا في منتجعه جنوب فلوريدا. مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط رغم أنه لم تكن لديه خبرات أو معرفة قوية بملفات المنطقة أو العالم. عند سؤال ديبلوماسي أمريكي عريق، ديفيد ماك، عنه قال: هو شخص معروف للدوائر الأمريكية المهتمة بالشرق الأوسط. مؤهلاته الرئيسية ربما لهذا المنصب هي ولاؤه الشخصي لترامب.
تناول «بورتريه» مطوّل نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» عام 1998 مرحلة مبكرة من تاريخ ويتكوف وكان حينها أحد الملاك الصغار للعقارات في منطقة برونكس يتولى تحصيل الإيجارات في الأحياء الخطيرة من المدينة مزودا بمسدس مرخص كان يثبته على كاحله.
ويرى مقال للرأي في صحيفة «إندبندنت» البريطانية أن تاريخ ويتكوف يثير القلق مشيرا إلى ارتباط صعوده العقاريّ بشخصيتين مثيرتين للجدل، الأول هو مدير تنفيذي في مصرف «ليمان براذرز» اتهم لاحقا بأنه أحد المتسببين بانهيار المصرف الذي أطلق حركة كساد عالمية عام 2008؛ والثاني جو لو، الملقّب بـ«بلاي بوي ماليزيا» الذي قدم له تمويلا بقيمة 654 مليون دولار عام 2013. انهارت الشراكة بعدها واتهم المموّل بإدارة إحدى أكبر عمليات غسل الأموال الدولية على الإطلاق!
في اجتماع الرجلين، اليوم في مسقط، وبدلا من المسدّس على خصره، ستحضر مع ويتكوف التحشدات الأمريكية بالقاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى في قاعدة دييغو غارسيا، ومعها التهديدات بضرب إيران عسكريا في حال عدم التوصل لاتفاق بشأن برنامجها النووي.
من جانبه، سيحضر عراقجي خطوط طهران الحمراء، المتمثلة برفض أي اقتراح أمريكي يهدف إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني أو إيقافه بشكل دائم، فإيران تعتبر البرنامج النووي أحد أعمدة أمنها القومي، وسترى في مطلب التفكيك الشامل تهديدا وجوديا قد يؤدي إلى نسف أي جهد دبلوماسي.
بين الرجلين، توجد أطراف العالم اللاعبة الرئيسية، ومنها روسيا، التي زارها ويتكوف أمس، والصين المشغولة برد الصاع صاعين لترامب في حربه التجارية ضدها، وهناك إسرائيل، التي طالب رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في لقائه الأخير مع ترامب قبل أيام بتطبيق «نموذج ليبيا»، أي التفكيك الشامل للبرنامج النووي، كما طالب بتدمير نظامها الصاروخي، وإنهاء نفوذها الإقليمي، وهي مطالب المقصود منها، بالأحرى، إفشال المفاوضات والتمهيد لتوريط واشنطن بحرب ضد إيران.
هناك أيضا أوروبا التي تفضّل أغلب دولها حصول اتفاق نووي، والدول العربية، التي ستميل بين اتجاهين، الأول، والأكبر، هو الذي يرفض أجندة إسرائيل في جر الأمور نحو حرب شاملة تؤدي لسطوة كبرى للدولة العبرية، ولتداعيات في الخليج لا يمكن توقّع نهاياتها، والثاني، وترجح لديه الرغبة في انكفاء النفوذ الإيراني عن العراق واليمن (والسودان) بعد تراجعه بشدة في سوريا ولبنان، بغض النظر عن الهيمنة الإسرائيلية المتوقعة، وربما بأمل التحالف معها!
ضمن هذه المعادلات، سيلتقي ويتكوف، الذي سيتصرّف باعتبار المشروع النووي الإيراني صفقة عقارية ممكنة لأمريكا، بعراقجي، الذي سيحاول من جهته عقد اتفاق، ولو مؤقت، توافق فيه إيران على تقليص أنشطة نووية معينة مقابل حوافز اقتصادية أمريكية، والأغلب أنه سيقترح استخدام الأموال في شراء سلع أمريكية، لمنح ترامب وويتكوف الدعاية التجارية المطلوبة!