مقالات

إيران والنظام السوري.. تخادم وتماهٍ ظاهراً ومقاصد مُضمرة..!

“المدارنت”..
هل هناك مخطط لهيمنة إيرانية على المنطقة عمل به وعليه لعقود لخلق نسق تدخل من خلاله القوى المتداخلة في الصراع؟ أعتقد أن هذا السؤال بات متلبسًا بغباء وسطحية، الأمر الذي جعلنا نجري خلف ما يظهره الإعلام في كل مكان، والتحليل السياسي الذي كان أساسًا منطلقه عمى عقائدياً، ويتمنى في غالب الأحيان أكثر مما يتعقل ويتبصر.
والآن، هل في المشهد غير إيران؟ إيران التي سميتها “أطروحة أميركا من أجل إسرائيل وشرق أوسط حداثي” على طريقة حصص توزع بحسب مآلات الصراع، ولكن سيكون حتماً تأسيسًا لمرحلة تمضي نحو قطيعة كاملة مع أي منتج أو سياق تاريخي وجغرافي وثقافي في المنطقة.
باعتبار أن كل الخطط تبدو غير حاسمة في نقل الشعوب نحو المطواعية أو المرونة في تقبل سياسات وخطط تضمن فرض شروط الغرب وغير الغرب عليها، شروط تعيد تشكيل وتنميط كل شيء.
وفي المنتصف، كانت إيران المتداخلة مع المنطقة عبر بوابة العقائدي والتاريخي والجغرافي. إيران التي يختزن ضميرها الجمعي جرح القهر الوجودي الذي عانت منه مرتين في تاريخها مع العرب؛ قبل الإسلام مرة وبعد الإسلام مرات أخرى.
علينا أن نقر ونعترف أننا تلقينا “الزخ الإيراني” كشعب بنيّة طيبة، فالشعب السوري على وجه الخصوص يمتلك قدرة فائقة على استقبال الوافد الديمغرافي والثقافي. هذه الخاصية استغلها المستبد الحاكم والمتداخل الخبيث، إيران. وكانت أساليب الزيارات الدينية والاهتمام بالمقدسات المشتركة وفتح الحسينيات تحت مسمى مراكز ثقافية أو تبادل ثقافي قد هيأت الواقع لخلق مستهلكين وخلق مجموعات تتقبل القيم الوافدة.
ومن انتبه منا كان كمن يصرخ في واد، وإذا سمع كان صوته يُكتم خنقاً أو تعذيباً أو اغتيالاً. ومع بدء مرحلة الأسد الابن، ظهر الأمر لذوي الألباب أنه ليس خياراً وإنما هو استراتيجية تُفرض قسراً، وستظهر مفاعيلها على المدى القريب والبعيد.
الأسد غفل تماماً أن اليد التي ستساعده في تثبيت كرسيه لها أثمان غالية جداً. ويبدو أنه قد فاته تشريح الموقف الإيراني الوظيفي في المداخلة السورية.
ولست أدري إن كان لدى الأسد خيار يخص إرادته وقيمه وتوجهاته، أو أنه كان ملتبس الرؤية حول إيران المختلطة المعالم. ولما كانت سياسة التعمية برسم الجمهور والقيادات “الحكيمة”، لم يتم تصنيف مداخلة إيران الكلية في سوريا أو الإمساك بأحد أطرافها، لكن الأمر مضى وكأن عملية التلقي كانت جاهزة.
لماذا لا؟ لقد مهد القائد الأب (حافظ الأسد) لإيران التي بغت عليها العراق في حربها، وخسرها العرب كقوة إسلامية لها وزنها وفعلها في القضية المحورية: فلسطين. وكانت أبواب دمشق قد فتحت على مصاريعها مرة للحج ومرة للسياحة ومرة للمتع ومرات ومرات تمهيداً للمشهد التالي.
المشهد الذي أعقب ذلك كان منتظراً من إيران، فقد دأبت على خلق شروطه وبواعثه واتضح تماماً موقعها في ظل تشابكات ودلالات القضية السورية.
بشار الابن كان جاهزاً، وهو بطل المشهد التالي الذي حضن الجذور حتى صارت فروعاً، وعرشها عبر كل الأنْساق في الدولة التي أزمن فيها الإنهاك والتهالك. الأسد كان يعتقد أن كل التوليف الأمني سيكفيه شر عدوى الثورات القريبة أو البعيدة، وأن الأمر لا يستغرق سوى بضعة أيام بقدر أيام مجزرة حماة أو أكثر قليلاً، وسيعود منتصراً كما دأب النظام في سردياته، منتصراً على شعبه الذي أصيب بلوثة الإرهاب، ويتابع مطمئناً حكم سوريا.
الأسد غفل تماماً أن اليد التي ستساعده في تثبيت كرسيه لها أثمان غالية جداً. ويبدو أن الأسد قد فاته تشريح الموقف الإيراني الوظيفي في المداخلة السورية، أو قد يكون استوعب ذلك بعقل مفكك، فالمتن لديه، بل الوجودي، هو أن يكون حاكم سوريا المتفرد والمورث كما ورث. أما الوطن، فلقد قال مرة: “سوريا ليست للسوريين فقط”، وترك التفسير يذهب عبر كل تأويل. وقد تكون مقولته كل المعنى الذي يعرفه عن الوطن، وكم يبدو هنا متوهماً، متخلياً لدرجة يبدو شخصية غير مفهومة لنا.
وأما بالنسبة للقوى المتداخلة، فهو إنجاز عمل عليه طويلاً، وسلفاً كانت النتائج مضمونة. والمتتبع سيرى سلسلة الاغتيالات وأساليب القمع والسياسات الإدارية والاقتصاد والإعلام والثقافة، فهي روافع لحمولات التجربة السورية الثقيلة بكل المعايير.
“الأب الرمز” تكلم عن الجميع ووقّع عن الجميع ووزع الأدوار عن الجميع. “الابن الرمز” أكمل ضمن متغيرات سياسات المورث، لكنه كان متعثراً وسقط.
أما الراهن جداً، فقد أفصحت دلالات التداخل عن نفسها، وما كان مضمراً بدأ يفرض صيغه الصريحة. إيران التي ورطت جميع أذرعها وتخلت عن حزب الله ولعبت كما ينبغي لها في مصير المنطقة، وقدمت أريحية لإسرائيل وفتحت المجال لتعميم الخراب والدمار في العمق أولاً، ثم أتت على الظاهر من بنى وعمران.
وهنا لابد أن أربط بين القدوم المشبوه للضابط الأقلوي حافظ الأسد لحكم سوريا عبر بوابة التخادم الذي طلبته القوى الكبرى، وما كان مخفياً اليوم تكشّف وأصبح لا يخضع للتأويل، بل هو صريح لدرجة أن ما شوهد من إثباتات وبراهين يفوق التصور ويدمغ سيرة من كان يحكم سوريا تحت أسماء مخاتلة ومخادعة ومنحرفة، وتذهب متوجهة عمداً نحو انعطافة تغيير ذهني وثقافي قام فيه الحزب، أقله بعد الحركة التي سميت تصحيحاً.
كل ذلك كان برعاية فائقة، وكانت الأيرنة في مضمر أي مشروع، ومن باب الثقافي والديني كما أسلفنا. تدخل إيران بخطاب يستغل فوضى الأنْساق والتوجهات لدى الأسد في كل ما هو متن أو هامش.
ومن هنا، ترتحل القضية المحورية، فلسطين، ابتعاداً ميدانياً وذهنياً وثقافياً، لكن يستمر الإعلام ومناهج الحزب وبعض مؤسسات التعليم في طرح القضية الفلسطينية كمتن.
الذي حدث فعلاً هو انكشاف بل تعرية لكثير من النابهين والمناضلين. ورغم إعداد قوة ردع أمنية عاتية، بدأ تسريب ما أُسس له وما يحدث وسيحدث يظهر من الأبواب المواربة، ومن المظاهر التي عملت على تغيير وجه المنطقة. وقد بلغت هذه المظاهر أوجها في عهد الوارث، فلم تتوانَ قوافل الحجيج الإيراني إلى أماكن المقدسات عن القذف والشتم العلني، ومن اعترض كان عدواً مبيناً لسلطة الحاكم والنهاية تصفية.
وبرعاية إيران مضت سنوات الثورة، ومن حقنا اليوم أن نسأل: أي جمهورية أسس الأسد؟ وعلى أي أساس ورث الأسد؟ وبأي حق فتح المصاريع لإيران وغيرها؟
“الأب الرمز” تكلم عن الجميع ووقّع عن الجميع ووزع الأدوار عن الجميع. “الابن الرمز” أكمل ضمن متغيرات سياسات المورث، لكنه كان متعثراً وسقط.

المصدر: إيمان أبو عساف/ موقع “تلفزيون سوريا”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى