استباحة غزة! استباحة العالم!
“المدارنت”..
كشف الإعلام العبري، أمس، الأربعاء، أن الجيش “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) يستعد لضم منطقة رفح، التي تشكل خمس أراضي قطاع غزة «إلى المنطقة العازلة التي تحظر إسرائيل على الفلسطينيين الوصول إليها»، وبهذا الإجراء الذي يضم 75 كيلومترا مربعا من القطاع ويقع بين معبري صلاح الدين (فيلادلفيا) وموراج سيمنع جيش الاحتلال سكان المنطقة الفلسطينيين، الذين يبلغ عددهم ربع مليون غزي، من العودة، وينظر في هدم جميع المباني فيها.
جاء ذلك بعد أيام من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حربا تجارية على 180 دولة في العالم، مما دفع الأسواق العالمية إلى «حافة الانهيار». ردّت الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بإعلان أنها «ستخوض الحرب حتى النهاية»، وبإعلان رسوم مضادة فردّ ترامب برفع التعرفة عليها إلى 104٪. قام الاتحاد الأوروبي، الذي تمثل مجموعة دوله الكتلة الاقتصادية الثانية بعد الولايات المتحدة، أيضا بفرض رسوم جمركية مضادة تتراوح بين 10 و25 بالمئة على الواردات الأمريكية، وكذلك فعلت كندا. لجأت باقي دول العالم إلى التفاوض مع إدارة ترامب، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي للقول إن «زعماء العالم يقبّلون مؤخرته» لتخفيض الرسوم الجمركية!
التقى ترامب برئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بعد أيام من قراره الآنف، ليعلمه بأن واشنطن ماضية نحو «مفاوضات مباشرة» مع إيران، وهو ما يمثّل خيبة لحكومة المتطرفين العنصريين في إسرائيل الطامحين للدخول مع أمريكا في حرب تدمير لإيران، وليأمره بـ «التفاهم» مع تركيا بدل تحدّيها على الأراضي السورية، وليؤكد له بأنه لن يقوم بتخفيض الرسوم الجمركية على إسرائيل.
لكنّ ترامب، المنهمك في استباحة العالم، صمت عن آخر مجازر إسرائيل التي قتلت 15 من عناصر الدفاع المدني، واستهدفت مركزا صحيا للأونروا، ومدارس ممتلئة بالنازحين، ومنعت، منذ استئناف الحرب على القطاع، دخول أي مساعدات غذائية، والنتيجة أن نتنياهو اعتبر، محقا، أن حليفه الأمريكي الأكبر، قد أطلق يديه ليستكمل إبادة الفلسطينيين كما يشاء، ومن دون أي قيد أو شرط.
تحدّى نتنياهو، منذ 7 تشرين أول/ أكتوبر 2023، العالم، وتابع حرب الإبادة والتطهير العرقي والتجويع وتدمير البنى التحتية وقتل الصحافيين والأطباء والمسعفين وموظفي الوكالات الدولية، وشنّ الهجمات على الأمم المتحدة، ومنظماتها، وأعلن منظمة غوث ومساعدة اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) منظمة إرهابية، وتحدّى محكمتي العدل والجنائية الدوليتين، وبنى سمعته في إسرائيل باعتباره الزعيم الذي يتحدى الإنسانية.
إضافة إلى «رخصة القتل» التي أصدرها ترامب لنتنياهو، فإن هذه الاستباحة للاقتصاد العالمي، والنابعة بالتأكيد من اعتقاد ترامب أنه قادر على فعل أي شيء ما دام يملك الجيش الأقوى والاقتصاد الأغنى، تشكّل المثال الذي تنفذ فيه حكومة نتنياهو جرائمها عبر فرض «مناطق عازلة» للقتل في غزة، وإفلات قطعان المستوطنين على فلسطينيي الضفة، والتوغلات وأشكال التدمير والقتل في سوريا، والإصرار على احتلال مناطق في لبنان، والتهديد، بشكل مباشر أو غير مباشر، للأردن ومصر وبقية البلدان العربية.
يعمل نتنياهو، في هذه الأثناء، لاستغلال هذه الفرصة التي وفّرتها قرارات ترامب ضد دول العالم، فأوروبا، التي يفترض أن يكون لها تأثير ما على مجريات الشرق الأوسط، منهمكة في تدبير شؤون الرسوم الجمركية، ورفع ميزانياتها العسكرية نتيجة ضغوط ترامب أيضا، ويمكن اعتبار زيارة إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي لمصر قبل أيام، آخر المحاولات الأوروبية، واجتماعه بالرئيس اللبناني جوزف عون، واتصاله بالرئيس السوري أحمد الشرع، آخر محاولات أوروبا للقول إنها موجودة إذا أراد العرب مراكمة بعض الضغوط قبل أن تستكمل إسرائيل المذبحة الشاملة.