اسماعيل هنية والنخب السورية!
“المدارنت”..
على الرغم من دور التعرية البارز والمؤثر الذي أدته الثورة السورية، تجاه النخب السياسية والثقافية التي تصدرت المشهد في الفضاء السياسي الثوري.. الا ان ردة فعل هذه النخب حيال هذه التعرية لم ينم عن تأثر او تغيير ما، قد أصابها حتى الان…
ولا اعتقد ان اي احد من المهتمين بالشأن العام وبحيثيات الثورة السورية… لم يثبت لديه ان موقف الهزيمة الذي لحق هذه النخب بسبب دورها في الثورة وعدم تمكنها من تجاوزه ومن الخروج من مطب التشرذم والتناحر القاتل الذي وجدت نفسها فيه… لا يزال يفرض نفسه عليها، الامر الذي منعها ولازال من التوافق لإنتاج قيادة للثورة وادارة لشؤون الوطن حتى المرحلة الراهنة، على الرغم مما يطغى على الوطن من تقسيم واحتلال وبسط نفوذ..
ويفرض بالتالي، حالة الضعف الذي يهيمن على قدرات شعبنا الثورية ويحول بينها وبين الانتقال من حالة الانفعال بالأحداث ودور القوى الاستعمارية الحديثة في صنعها. الى حالة استعادة زمام المبادرة والفعل ومتابعة مسار الثورة حتى التحرير وتحقيق اهداف الثورة العظيمة.
وقد جاء مقتل اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إثر حادثة الاغتيال التي تمت في إيران في اواخر الشهر الماضي، تأكيدا لما ذهبنا اليه وذلك من خلال مواقف هذه النخب والتصريحات المتباينة والمتناقضة التي صدرت عن ممثليها تجاه حادثة الاغتيال.. الامر الذي يدل على انه لا يزال هناك ما يكرس حالة التناحر المميت بين هذه النخب.
بمعنى اخر، ان حالة التخندق التي حكمت مواقف هذه النخب المتمثلة بأيديولوجياتها التي تنوس بين الاسلاموية والعلمانية الديموقراطية.. والتي مارستها طوال فترة تاريخ ما قبل الثورة حتى وصل بها الحال الى مستوى الاقصاء والافناء.. لا تزال تهيمن على ذهنيتها في التعامل مع الاحداث وتقييمها وفي تصدير المواقف حيالها وكذلك في نظرتها لنظرائها وكيفية التعامل معهم….
ففي الوقت الذي اعتبر البعض من الاسلامويّين ان مقتل هنية يعتبر حالة استشهادية مكتملة الاركان لا غبار عليها شرعا.. رآها البعض الاخر من الاسلامويّين أنفسهم ان هذه الميتة لا ترقى الى مستوى الشهادة كون المقتول كان يدين بالولاء لعدو الامة والمذهب.. مع عدم الخوض بحيثيات عملية الاغتيال ومن هو الطرف المنفذ او المدبر لها..
وبالمقابل فقد تباين ايضا رأي الفريق الاخر من النخبويين العلمانيين الديمقراطيين.. حول الحادثة.. بين كونها حالة استشهاد في سبيل القضية والوطن من دون التوقف عند حالة الارتهان لعدو الامة والقضية الى اعتبارها حالة استشهاد لكن مع التوقف والتمحيص في هذا الاعتبار.. كون الطرف المعادي للامة كان هو من دعمه وتبناه بل وفرض الولاء عليه..
وعليه. نرى كيف ان هذه الواقعة كشفت بوضوح لا لبس فيه كيف ان العامل الايديولوجي كان له الدور الفاعل والمؤثر في تحديد موقف هذه النخب. المتعدد والمتناقض والمتناحر من هذه الواقعة. وإذا اضفنا الى هذا العامل… الفهم التاريخي والأكاديمي ربما الذي نشأت عليه هذه النخب والذي يقول بواقعية ومشروعية صراعها فيما بينها في سبيل الوصول الى السلطة حتى التناحري منه وحتى درجة الافناء…دون الاخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا للوطن والمستقبل الواعد لهذا الوطن..
عندها تتضح لدينا الصورة التي تشير الى السبب المتجذر والمستحكم في خلق حالة التشرذم والتشتت والتناحر التي تحكم قبضتها على مواقف هذه النخب….
أخيرا ما تقدم.. يتيح لنا ولمن لمس مثلنا هذا العري الذي مارسته الثورة بحق نخبنا السياسية والثقافية… وهذا العجز الذي لازال يطبق على هذه النخب.. في الوقت الذي يمارس النظام الدولي المعولم بحقنا كشعوب مستضعفة اشد الممارسات الوحشية والبربرية حتى درجة الابادة…ان ندعو ونحث هذه النخب على العمل في سبيل التفاعل الجماعي وفق مبادئ ومفاهيم عمل سياسي وثقافي مختلف…يضع معايير المستوى الايديولوجي جانبا ويقدم مكانه معايير الثورية والوطنية والتحرر من الاستعمار كمعيار وحيد في سبيل انتاج اجسام جماعية تنتج مفاعيل قوة ومواجهة وقيادة لثورتنا ولشعبنا. ولا محيد عن ذلك وهو ما أثبتته تجاربنا الثورية التي قاربت على ولوج عامها الرابع عشر.