مقالات

الإسلام منهج قوام البشرية/ توطئة/ الجزء (1)..

أديب الحاج عمر/ لبنان

خاص “المدارنت”..
الإنسان الذي سيطر على الطبيعة وما يحيط بها من اكوان، غفل كليا عن خالقها وخالق الاكوان كلها، كما ابتعد عن قواعد وأصول ما ينظمها ويدبرها، إضافة لذلك، فقد السيطرة على نفسه، فغشتها سحب الغموض والأوهام، فزعزعت أسس تفكيره. وعلى هذا يكون قد خرج على كل القيم والأخلاق والمثل العليا.
من هنا كان لزوم العودة إلى ادراك وفهم النظرية العلمية الإسلامية، من خلال أصول واسس منهجها في التطبيق العملي والمعرفي، وانعكاس ارتباطه بسلوك الافراد، وايضا بأثرها البنائي وابعادها التكوينية للاسرة والمجتمع، علاوة لقيام نظام الدولة والامة، ومن ثم استقرار أمن البشرية على قواعد انسانية،وعلمية عالمية.
ونلفت النظر إلى أن تلك الأصول متلاحمة متلازمة، لا انفصال بينها، الواحد يتمم الآخر، يبينه ويوضحه، وجوهر كليتها إنما يتمحور حول هدف وغاية التشريع الإسلامي في تحقق بناء منهج قًوام البشرية كما أراد الله وامر.
يهدف الإسلام إلى قوام البشرية في إطار منهجها الالهي، في كل زمان ومكان، فيذهب في تطبيقه بطريقة تجعله لا يقف أمام الاختلافات العارضة المؤقتة لدى النوع الانساني، والتي هي بعيدة ،ولا صلة لها، بما فطر عليها، من حيث كامل استعداده للتوجه إلى الملأ الأعلى، جسدا وروحا، انطلاقا مما يشعر ويحس به، ومما يستهويه من جمال،وما يرضيه من ميل إلى الارتقاء، ومن بحث عن أسرار حياته وما يحيط به من قوانين كونية.
ومما لا شك فيه، التشريع الإسلامي الإلهي يقدم للانسان منهجا علميا يستجيب لكافة تساؤلاته، كما يستجيب لكافة تطلعاته، عند إرادة الارتقاء، وعند الاستشراف لافاق علاقاته، مع الكون ،ومع ما يحتويه، ومع ما يتعلق به. وعلى هذا الأساس يتولد الفكر ويتسع، متنوعا بعلاقاته واستنتاجاته، على قدر ما انطلقت به عقيدة الإسلام ومنهجها، والتي من خلالها تغني الفكر الإنساني وتفتح افاقه نحو كافة مجالاته، والتي على أساسها تقوم المجتمعات وتنمو في أحضان قوام فكر ناضج يعبر عن خصائص تلك المجتمعات، ثم يبرز ذاتيتها، ومن ثم ينطلق بها نحو آفاق من العلاقات السليمة العادلة، متدرجة على سلم التكامل البشري.
وهكذا، فالعبادة الصحيحة، التي أرادها الله، هي تلك التي تعني، تزكية النفس الانسانية، عن طريق تطبيق التشريع الإسلامي، كمنهج قويم في حياة الناس، مع التأكيد اللازم لأداء واجباتها الحقة والمحقة وفق ذلك المنهج. لقوله تعالى:
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۝ قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [سورة الشمس:1-10].
وقوله تعالى: “.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
وهذا حديث الرسول (ص) :” كلكم راع وكلكم مسؤول…” رقم 2009- البخاري.
لقد جاء التشريع الإسلامي كي يحقق مصالح الناس، ثم يضمن تقدمهم، فكل ما استهدفه، باحكامه، إنما يصب داخل المصلحة الانسانية. وعلى سبيل المثال،: حكم القصاص في جرائم الاعتداء على النفس. لقوله تعالى:
..”ولكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”/ البقرة/ الآية: 179.
إضافة لذلك، فقد أوجب إقامة التعامل على اساس من الاحترام المتبادل لارادتهم الانسانية، فاقر الرضى كاصل، واستبعد، أو حرّم، كل من الظلم واكل الأموال بالباطل. وبلا شك أن مثل هذه الاحكام، إنما تمثل قيما اخلاقية يتجه إليها الإنسان ويطلبها. فالقواعد من الأوامر والنواهي، إنما جاءت لارتباطها بفطرة الإنسان اولا، ثم لأنها دليل قيمة عليا في ذاتها، لذلك يضمن تحققها مصالح الناس والمجتمع الإنساني.
وعليه، فقد جاءت أصول منهج قوام البشرية على درجة واسعة من المرونة في الصياغة، كما تنوعت في صور التطبيق، تجاري مؤثرات الفهم البشري، إضافة لمؤثرات الزمان والمكان، مع التأكيد لعدم التهاون أو التساهل بالحكم القرآني، إنما يفرض الالتزام به. فالشورى، على سبيل المثال، فإنها في ذاتها ،وسيلة لضمان مصلحة المجتمع، بينما حكمها مميز في قيمته الذاتية، وفي ما تمليه المصلحة العامة.
لقد شرع الإسلام، حدودا وادابا وعقوبات رادعة، والهدف منها وقاية الجماعة العادلة،وضمان تحقق المصلحة العامة. لذلك نرى الخطاب القرآني يدفع الإنسان نحو التعلق بما فطر عليه، فترى الإنسان يعشق السمو والكمال، ويحب التمسك بالفضائل والقيم الأخلاقية الجلية. لقوله تعالى:
“.. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ..”/ الحجرات/13.
وقوله تعالى: “.. وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى..”/ المائدة.. 2.
فالقرآن العظيم يحمل رصيدا واسعا لقوام الإنسانية ونموها، فكانت اصولا واسسا لبناء منهج قويم، حيث اقام الرسول (ص) نظام دولته، وحيث انعدم فيها كل ما يشير إلى نزعة الاستعلاء أو التسلط بين افرادها، على اختلاف اديانهم أو أصولهم العرقية. لقد تساووا في الحقوق والواجبات والمسؤوليات ايضا. وهكذا فمفهوم الدولة، في التشريع الإسلامي، وممارساتها، لم يكن للمسلمين فقط، إنما هي حقوق يتمتع بها الجميع، وأن كانت الأغلبية الساحقة ممن تؤمن بالاسلام، عقيدة ومنهجا وتشريعا، فالصحيح أن أصول التشريع الإسلامي وقوامه، إنما يتسع للبشرية جمعاء، كما أنها صالحة للانسانية كلها، لأن التشريع الإسلامي قد احتواها وقدمها للعالمين، حقيقة موضوعية، من حيث أنها، وضع الهي. وتبقى قواعدها واصولها، ميزة اسلامبة، يرى فيها مواطنوها ضمانا لتماسك اداراتها ومؤسساتها ، وايضا نموها وتقدمها، ثم يرى فيها قيما بذاتها.
وهنا ننوه إلى أن ما وصلنا اليه من انهيار أخلاقي ومظالم وفساد وإفساد، على كافة الصعد والمستويات، دولا ومجتمعات، إنما تنحصر أسبابه في التخلي عن تلك الأصول الإلهية، ثم ذهبنا إلى ما تمليه علينا تلك الطبقة الحاكمة المتكبرة المتجبرة، والتي تولت زمام الأمور البشرية على المستوى العالمي، فإنها تمثل شبكة من تحقق المصالح الشخصية، تقودها تفرد الراس المتحكم عالميا. وتشير إلى امكان تغير الأصول، شرط عدم المس بجوهر التشريع وما يحمله من قيم واخلاق، لأن الحاجة لهذه القيم إنما تماثل الدين ذاته، بل هي جزء جوهري منه. وأن حصل ذلك، كما هي حال أمتنا وامم العالم، فيكون على جانب كبير من الخطورة التي لا يستهان بها، إذ ذاك، يأخذ المجتمعات إلى فوض عارمة، تحكمها قواعد وقوانين غاب.
فالاخلاق الإسلامية إنما تمثل البناء الحقيقي للانسانية،ولاصوله المنهجية،حيث تمزج عالم المثل بالواقع، وتجعله لازما ضروريا لبناء منهج أخلاقي يقوم على تثبيت الممارسات الحياتية والمعيشية بين أفراد المجتمع، كما تثبتها لدى المؤسسات الإدارية على مستوى الدول والأمم.
سنتناول تلك الأصول في ضوء منهجها القرآني، وسنبيّن ما لها من تعدد الجوانب والأهداف.
(يتبع)

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى