مقالات

الإسلام منهج قَوام البشرية.. أصل العدالة.. الجزء (5)..

أديب الحاج عمر/ لبنان

“المدارنت”..
الأخذ باصل العدالة والإنصاف في التشريع الإسلامي حق واجب، حيث يقرّ مؤكدا إنسانية الإنسان، وعدم الإجحاف بحقه، على كافة الصعد، كما ويفرض التشريع تسليمه اياه له ،كاملا غير منقوص، ودون تفرقة أو تحيّز، بين شخص وآخر. لقد جعل الله هذا الأصل أو المبدأ، أساسا لممارسة التعامل بين الناس والبشر، مع أنفسهم اولا، ثم مع الاخرين، بغض النظر عما هم عليه من الانتماء، وأينما صٌنٍفوا ،اعداء أو اصدقاء، أغنياء أو فقراء. لقوله تعالى:

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا…”..” النساء/ 135.
وقوله تعالى:  “إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ..”. النحل/90..
وقوله تعالى: “.. واذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل”. النساء/ 58″ … ولا تبخسوا الناس أشياءهم….” الاعراف/ 85.
هكذا تمسك الإسلام باصل العدالة الذي يوجب ضرورة انعكاسه على تصرفات الناس وأعمالهم واقوالهم، وعلى كافة تفاعلهم وعلاءقهم بالآخرين. والعدالة الانسانية، إنما تقوم على ركنيين جوهريين، يتمثلان بـ:
١– الضمير الذي يتداخل ويتقاطع مع النفس الانسانية.
٢– التكليف الشرعي والعمل به في محيط العمل وداخل المجتمع. انطلاقا من تطبيق أبعاد دلالات الضمير وما يتوجب على التكليف من مسؤوليات، يبرز التأكيد على ضرورة مراعاة اصل العدالة كي يتمكن الإنسان من الترفع عن المظالم، والبعد عن القسوة، ثم كي يتم الرضى لدى المرؤوسين من العامة، مما يدفع هذا الأمر بقوة نحو كفاءة الإنتاج والعطاء والجهد ،بما يتطلبه العمل الدؤوب.
وننوه ايضا، إلى أن العدل اسم من أسماء الله الحسنى، وصفة من صفاته، سبحانه وتعالى. فتطبيق العدالة بين الناس من اقرب القربات إلى الله، كما أن تطبيقها لا يتطلب تخصيص نوع دون الاخر، ولا مذهب أو طائفة أو لون، دون اخر، فالقوامة علاقة متينة وواجبة بين أفراد المجتمع بأكمله، كما وانها تظهر من خلال السلوك الإنساني وتصرفاته السوية.
هكذا يتحقق الشرع الإسلامي في إقامة العدل وقول الحق مع احتمال الظلم والمظالم . لقوله تعالى:” ….لا يجرمنكم شنان قوم على إلا تعدلوا. اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله…..”المائدة/٨. فالإسلام دين العدل والعدالة في الأقوال والأفعال، وإقامة الموازين القسط في الحياة الدنيا
وبهذا جاء التبليغ الإلهي الرسول (ص) أمره تحقيق الإقامة بالقسطاس المستقيم، حيث نفذ الرسول (ص) الامر، وعمل تبليغا بما امر، فانتشل البشرية من مهاوي الظلم والطغيان، ثم رفعها من براثن العبودية إلى مراتب الاستواء عدالة ومساواة، على كافة الصعد الحياتية، تعاملا وتفاعلا، إذ ذاك تحقق الضمير والتكليف فاحيا الكرامة الانسانية وعالميتها البشرية. وعلى هذا تم بيان أسس التشريع الإسلامي ومبادئه العامة، كما أراد الله تعالى وكما جاءت به النصوص القرآنية، إضافة لذلك، فقد جاء التأكيد على أن إلتزام تطبيق اصل العدالة في عمل المؤسسات، بانواعها وتعددها، ما هو الا السبيل الرفيع في تحقق الغايات النبيلة الفاضلة امتثالا لقوله تعالى: “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون”… الانسان/153.. “أن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع اهواءهم…”. المائدة/ 49″… واشهدوا ذوي عدل منكم واقيموا الشهادة …” الطلاق/ 2
“… وامرت لاعدل بينكم….”. الشورى/15.
وتجدر الاشارة الى ان الرسول (ص) يوصي ويوجه، بشكل دائم ومستمر: “ولكم في رسول الله أسوة حسنة….”.. كل قائد وكل مسؤول، الحديث: كلكم مسؤول وكل مسؤول راع…”أن يقيم اصل العدالة ففي إقامتها فوز وانتصار. كما أن إقامتها اساس الملك، وأساس كل العلاقات والروابط الإنسانية وأساس رقي أنظمتها الإدارية، على كافة المستويات العلمية والعملية. إضافة لذلك على القائد القدوة، في أي موقع مسؤول ،أن يتصف بالعدل حتى يكون عادلا ، ويمكنه ذلك تحري العدل في المسائل والقضايا المشكل عليها.
العدل الإسلامي عدل مطلق، وجب تحققه بين جميع الناس، حتى لدى الاعداء والخصوم. إذ الخصومة والعداء ليست مبررا لإطلاق وقيام الظلم والمظالم، ولا تعني ترك تحقيق اصل العدل في التعامل، إلى جانب ذلك، فالعدل كاصل تشريعي، شامل كامل، يحيط بجميع جوانب الحياة اليومية والعملية، قولا وعملا وتصرفات، انطلاقا من تحقق العدالة القانونية والاجتماعية، إضافة لتقرير الحقوق والواجبات.
فالعدل المطلق، عنوان ورمز وتمايز في الاسلام، وسمة بارزة من سمات نظمه وتشريعاته، فكان وغدا شعار يعمل به ويرفع فوق قوس المحاكم الدولية: العدل اساس الملك، لذلك يلزم الأخذ به، فلا تحيّز ولا تحامل، والكل سواء. ويوصي التشريع الإسلامي متمنيا: أيها الإنسان، خذ ثمرة عملك، واحمل تبعة خطأك، فكن عادلا ولا تغتصب ثمرة عمل غيرك ،ولا تلق تبعة أخطائك على الاخرين، اللهم نجنا مما نحن فيه…
(يتبع)

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى