مقالات

 الإنسانية وأبعادها التطبيقية في التشريع الإسلامي..

أديب الحاج عمر/ لبنان

خاص “المدارنت”..
مقدمة
يعتبر الإنسان الفرد، محور الأكوان كلها، والتي تدور في أفلاكها حوله كمحور جوهري لكل ما ينسجه من علاقات على المستوى الدنيوي والاخروي، لا ينازعه أحد من الاكوان والعوالم، لأنه الكائن الذي يقوم بالأعمال والذي يصنع الإنتاج، ثم يبني الأفراد، ماديا ومعنويا، ويوجههم إلى اندماج ذواتهم، أفرادا وجماعات، للانطلاق نحو تكوين المؤسسات والهيئات والمجتمعات والاوطان والأمم، والتي يتوقف، نجاحها أو فشلها، على مدى انصهار جهده الإنساني جراء ما نسجه من علاقات إنسانية، أكانت خاصة بخالقه، أو عامة تتعلق بأفراد محتمعه. هذه العلاقات، إنما تمثل جوهر الارتقاء الإنساني، كوجه حضاري
في مجال العمل الإنتاجي، بكل متفرعاته، المعنوية والمادية، مع التأكيد إلى تجنب الظواهر غير الصحية والسليمة التي تتعلق باتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لدى المسؤولين الاداريين، وايضا يتعلق الأمر بما ينتجه ذلك من تحقق أهداف مثمرة.
لقد خُلِق الإنسان أرقى الكائنات، لذلك من بداهة إنسانيته، أن يتصف بحميد الصفات، أدبًا ولطفًا ورحمة.. الخ.
كما أن تلك الإنسانية قد وضعته مرتبة ما دون الالهة، رغم أنه قد فُطر على الخير والشر، وهذا يعني أنه مُعرض للخطأ والمعصية والفناء. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدين الإسلامي قد شجع تحقق الإنسانية وتشريعاتها داخل ذاتية كل فرد، ومن ثم الانطلاق نحو تحقق علائق اجتماعية واسعة تتناول كافة المستويات الحياتية، من عبادات ومعاملات، تبدأ بمحاكات الذات وتنتهي بعالميتها مرورا بالأسرة والمجتمع والوطن.
فالإسلام، يضع خير الإنسان وصلاحه في مقدمة كل الأعمال، والنص القرآني واضح في تكريمه وتفضيله وتمايزه على كثير ممن خلق الله، أضف إلى ذلك، إنه كتشريع، يساعده ويعلمه كيفية التغلب على مواطن ضعفه الذاتية، وحالات تقصيره.
ومن جهة ثاتية، يدفعه الى البحث عن الحقيقة والأخذ بها، وهذا الدافع يلزم الإنسان ضرورة التعلم والتعليم مع الأخذ بكل تطور تقدمي حضاري.

وهكذا فالنزعة الفطرية الانسانية، إنما تمثل تحقق خير الإنسان، هذا من جهة، وتعبر تعبيرا صادقا عما جاء به التشريع الإسلامي، نصًا وروحًا، من جهة ثانية، فالانسانية تنمو وترتقي، جرّاء مجموعة من العلائق القيمية الأخلاقية التي تعزز التعارف البشري، كما تقوي الروابط التعاونية بين الافراد، إضافة إلى أنها ترشد الناس إلى الأخذ بالتعامل الأمثل بينهم، في مختلف شؤون حياتهم اليومية الإنسانية، مما يعزز تطبيق التشريع الإسلامي ويرسخ تعاليمه.
لقد نظم القرآن الكريم، كدستور لكل إنسان ولكل مسلم، بوجه خاص، أمور حياته اليومية
في الدنيا والدين، وهذا يعني لزوم الرجوع إليه، عندما يريد كانسان، ومتى شاء أن ينتظم ويتقنن. “.. كتاب لا ريب فيه..”، البقرة/2”.. لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها، “الكهف/49. بهذا الخصوص نرى أن الإسلام له الأسبقية في تقرير مبادىء ومفاهيم الإنسانية وعلائقها البشرية، شكلا ومضمونا، نظريا وعمليا، وعليه فإنها وبالكيفية تتلاءم وتنسجم مع الفطرة الانسانية السوية، من جهة، ثم نراها تتوافق والمنهج الإلهي الرباني، من جهة ثانية.
وعليه، فإن القواعد الإنسانية تؤكد مدى الترابط والتلاحم بينها وبين القيم الأخلاقية التي تحدد مسار التصرف والسلوك الإنساني الرشيد، وتعتبر، ايضا، من ركائز بناء البيئة الاجتماعية الحضارية، من حب وتعاون وحفظ الأعراض والكرامات، مع ضرورة تفعيل أساليب ما يجلب الخير والسعادة الإنسان، في دنياه وآخرته.. التي تمثل المعيار الحقيقي لما يجب طاعته والخضوع اليه، في كل زمان ومكان.
الإنسانية، هي التي تنظم علاقة الفرد بمؤسسته (الأسرة، المدرسة، منظومة العمل، المجتمع..)، مهما ضاقت أو اتسعت، بحيث كل فرد يمارس نشاطه الواجب، مع ضرورة المحافظة على مقومات السعادة والاشباع التي يراها منسجمة مع ذاته، إضافة إلى تحقق التوافق والتوازن، بين عناصر المجموعات التي تكون تلك المؤسسة التي ينتمي إليها، وبين أهداف وقوانين ما تريد تحقيقه تلك المؤسسات أو ذلك المجتمع.
وتجدر الاشارة، إلى أن تلك الأنشطة العلائقية، إنما تتعدد وتتنوع بعدد وأنواع الأفراد المتعامل معهم، رغم أنها تفرض ضرورة اتحاد أبعادها العملية ونتائجها في القواعد والقيم. بحيث أنها تقوم على الاحترام المتبادل، وحسن النية، ووحدة المقصد بين الأفراد داخل المنظومة العملية. ونخلص، بعد الإشباع الفكري والمشاركة العملية في الدراسة الموضوعية العلمية والجماعية، إلى أن الإنسانية هي السلوك السوي الذي يقدر الفرد بكليته، انطلاقا من قدراته العقلية ومواهبه وميوله وإمكاناته، التي تعكس ما يقدمه من خدمات تطبيقية وعملية على ذاته وعلى المؤسسة التي ينتمي اليها، على اعتبار أن ذاتية الفرد قيمة عليا، عند بارئها.
لذلك نجد ان العلاقات الإنسانية هي ضرورة حتمية لكل مؤسسة، من الأسرة إلى الامة، ومهما كان نوعها أو لونها، كمؤسسة تشكل مجتمعا انسانيا له آماله ورغباته وخصوصيته، والسبب أن الإنسان، بحد ذاته، مفطور على الانتماء من أجل تكوين جماعة، كما أنه مفطور ايضا، على إقامة علاقات على قواعد من التفهم والتفاهم مع من يعمل ويتعامل معهم، من أجل تحقيق الرضى الذاتي، ويؤمّن الاحترام المتبادل، وكل ذلك يدفعه نحو تحقق الإنتاج المثمر، بعد الشعور بالاشباع والانتماء المستمرين، فيسعى دائما إلى المبادرات الذاتية ثم الاندفاع في التجديد الحضاري.

هنا يمكن القول، إن المؤسسة الفاعلة والناجحة (مهما كان نوعها ) هي تلك التي تحسن معاملة العنصر البشري الإنساني مع التأكيد على وحدة المصلحة بين الرئيس والمرؤوس، مع ضرورة إظهار ما لديهم من الحرص لتحقق المنفعة المتبادلة والمصلحة المشتركة، وليست الخاصة، أو المخصوصة، وانعدامها في مواقع أخرى، لأن الكلّ يبذل الجهد لبقاء المؤسسة واستمرارها في تقدمها المتطور. وأن الضامن لذلك التقدم والنجاح إنما يتوقف على اتباع:
1 — ضمانات إنسانية للاستمرار العملي والوظيفي.
2 — ضرورة المشاركة الجماعية في صنع القرارات.
3 — الاهتمام الشمولي بالعنصر الفرد المكوٍن للمؤسسة أو الجماعة.
4 — التركيز على العمل الفريقي والمسؤولية الجماعية.
وهكذا، فالانسانية وتحقق علاقاتها الطيبة، ما هي إلا انعكاس لايجابية التفاعل الاجتماعي، العلمي والعملي، بين الافراد، ذلك التفاعل الذي يضمن الرضى النفسي (للفرد، للجماعة، على السواء) ويعترف بانسانية الفرد، يعني ضرورة التزام وضوح الرؤية في تحقيق الإشباع المتبادل. وعلى هذه الأسس برز اهتمام التشريع الإسلامي بالانسانبة وابعادها العلائقية بين عناصر مكونات أيّ مؤسسة.
فالمؤسسة الاسلامية، ومنذ صدر الاسلام، ظهرت متكاملة العناصر والمبادئ والرؤى، وبكل وضوح مشبعة بالمواقف الإنسانية، وهذا ما اظهره الرسول (ص) في إدارة دولته في المدينة، فكان التركيز، كله، على بناء الإنسان، الإنسان الصالح المصلح، ثم كان الاهتمام بما هو تنظيمي. فالاساس الأولي هو بناء الضمير الأخلاقي في السلوك والتصرفات. فالبرّ حسن الخلق.
وهذا ما حثت عليه النصوص القرآنية، في التعامل والتكافل والتضامن والتعاون وفعل الخيرات. والآيات بهذا الخصوص لهي أكثر من كثير، ونخصّ في ذلك مؤسسة الأسرة
توجيها وتربية، بخاصة في المحافظة على وحدتها واستقرارها، زدْ على ذلك تنظيم دور الأيتام، وإدارة بيت المسلمين، بالكم والنوع، وبيان مستحقي الصدقات..
وهكذا، فالمهم بمكان، ضرورة اعتماد النصوص القرآنية كمصدر أساسي لإعادة النظر في تطبيق مناهج حياتنا التشريعية في عالمنا العربي والإسلامي، حتى نستطيع تصحيح وتسديد مسار مؤسساتنا، على كافة المستويات
لقيامة نظام دولة حقة إنسانية، متاصل ومُقنن، بحيث يتوافق مع منطق العقل والفكر، فيعكس صورًا حية لمبادىء القيم السامية وتراث أمة الإنسانية الحقة.
انطلاقا مما أمر الله تعالى، ونهى عنه، من تكريم للانسان، وجب تحرّي الصدق والموضوعية وبيان أبعاده الانسانية، وأدبياتها على مستوى الامة العربية الإسلامية، ومن ثم على مستوى عالميتها، حيث تتحقق ثوابت التشريع الإسلامي، مع المحافظة وصون ذاتية الأمة وهويتها المميزة الخاصة.
وهكذا تتميز الانسانية جرّاء بداهة التشريع الإسلامي، في أن الإنسان كائن اجتماعي، يمثل علاقة تجانس وانسجام، إضافة إلى حاجة ميول وإشباع، تتناسق في ما بينها بترابطها وتفاهمها وتحقق مصالح شراكتها.

(يُتبع)
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى