تربية وثقافة

التعقّل.. ومصداقية تفكر الأضداد.. الجزء “2 ـ 2”

أديب الحاج عمر/ لبنان

خاص “المدارنت”..

انطلاقا مما خلص به الجزء الأول، من عمليات تعقل العقلاء، وما اظهرتها من تناقض مناهج تفكّر الأضداد بين مذهب تفكر الحق والايمان، ومذهب تفكر القوة والتضليل، الذي يذهب إلى تحقيق منافع ذاتية فردية، وأمام هذه الصورة التي تبين أن كل طرف من أطراف التعامل _ (قوى الثورة الشعبية، والمنظومة السياسية)، لا يقدم نفسه بسهولة لمنهجية تفكيره كي يستطيع تحقيق ذاته من خلال استيعاب الاخر، انما يعمل على مقاومته، ثم يفرض عليه إجراء تعديلات على فعالية حركته، ومنهج تفكيره كي يقوى لديه ما يحمله في طيات نفسه حتى يستطيع مواجهة المشكلات التي تعترضه، كي يجد الحلول المناسبة بعد تذليلها.

هكذا تتولد أوجه مقاومة المواجهة، بل يخلق صراع القوى المتفاعلة المقابلة، “قوى الثورة والمنظومة السياسية”، اي صراع منهج التفكر لكل منهما، حيث ينتج من ذلك، مصداقية تعقل عقلاء كل طرف، فيطفو صراع بين الحقوق والواجبات، بين موضوعية الواقع المسلوب ومنطقية الذات المتكيفة، بين الوجود واللاوجود، بحيث أن هذا الصراع، يعتبر الأساس لحركة الوعي لدى الإنسان السوي الذي يحوله، هذا الصراع، من شاهد منفعل إلى كائن فاعل (قوى الثورة)، الذي يؤثر ويتأثر فيما يحيط به ويعيش، ثم يعمل وباصرار على تغييره، محاولا التلاؤم مع عملية التغيير التي ستؤدي لإتمام عملية الاستيعاب .

لا شك، أن مناهج التفكر لدى فئات المجتمع في تتمايز وتعارض فطرة الاختلاف لديهم، الذي يؤدي بدوره إلى اختلاف وخلاف الأضداد، وعلى سبيل المثال: تمايز بين الهدى والضلال، بين اليقين والخيال، بين الصدق والافتراء… الخ، وهذا ينتج اختلاف بين الامن والامان مع الصدق العلمي، من جهة، وبين الاضطراب والخلل العلمي مع الضياع الظني وضبابية الصدق، من جهة ثانية .

داخل هذا الضياع، وذلك الاضطراب، تتعطل عملية التفكير، بل يتعطل العقل نفسه، وهذا يؤدي إلى شدة فعل الصراع، وإلى توسع سلبية دائرته، حتى يصيب عمق الحياة الاجتماعية والاقتصادية داخل مجتمعاتها، فينطمس الحق ويضيع، ويتحول منطق الواقع إلى عبودية الأهواء والنزوات، وهذا يؤدي إلى تسارع عمليات الانحطاط نحو هوة انقلابية على الحق، فتشوٌه جوهره، بعد الباسه ثوب الحديد والنار، وتخرجه إلى هيأة جديدة، محولة اياه إلى ما تريد، وهكذا يتولد ويصبح (قوة) قوة بصورة الحق، الحق الذي خسر جميع عناصر مكوناته، وبهذه الحالة التعطيلية، تستطيع فرض ذاتية وجود جماعات متفلتة، مع تزيينها بدافع عدواني، مميز بالشذوذ والانحراف، إلى جانب العنف والترف، تحت عنوان ما يسمى (الحق). وهذا ما أنتجته عقول تلك المنظومة السياسية اللبنانية .

للبيان، نذهب إلى جلاء معنى (الحق) فقولنا:(حق، يحق) يعني لزم، يلزم ، اي ضرورة أخذ السنن والقوانين الثابتة التي لا تقبل التبديل ولا التغيير، سنن بها نهتدي، بنعمة العقل، إلى بيان ما للإنسان من حقوق وواجبات، إضافة الى توضيح سبل تحقق عيش كريم، وحفظ كرامته، إلى جانب كل ما يحقق العدالة الانسانية من قيم وأخلاق.

ولكن، وعلى الرغم من معرفة العارف العليم، يبقى الصراع قائما دائما بين منهج تفكر اهل القوة على منهج تفكر اهل الحق، حيث يضيع الحق بالقوة، وهذا ما هو الا انعكاس لما يعرف بحقيقة الأمر الواقع، وموضوعية هذه الغلبة انما هي تغييب لمفهوم الحق، الحق، ثم تزيد وتعزز كثرة المفاهيم وتعدد الحقائق، إضافة الى الأرقام والبيانات والإحصاءات، وهذا ما يؤدي إلى انعدام العدالة، وإلى فقدان المساواة، وهذا ما يولد الفوضى العارمة، وتزيد من الوان الفتن والشغب، كل ذلك، يظهر النزعة الحزبية التي تتجه إلى طمس الحق ونحره بالقوة، قوة الصراع والشغل، قوة المشاكسة والتضليل، حيث يتجلى، البعد الفكري لمنظومة لبنان السياسية، بما يدل ويرتبط بالواقع المحسوس الملموس، الذي يتجه إلى فرض حالة انعدام الوعي لحقية الاخر بالوجود، إلى قتل فكر حق المشاركة في الحياة العامة، وهذا ينتج فكر حق التملك، المعنوي والمادي، من خلال سيطرة الفردية والشخصانية، التي تعطي أصحابها حق اغتصاب السلطة إلى جانب، حق نهب أموالها، وسرقة ثرواتها، ثم تذهب الى تشريع ما يناسب اهواءها، وما يعزز زعامتها، من خلال شرعنة عزل الإيمان والحق والحب والعدل والإيثار.. عن الحياة الاجتماعية العامة، بما تمثلها من حياة الاخر،(اهل الحق) وعيشه ووجوده، لأن هذا الاخر، انما يمثل الفئة الاجتماعية المتمسكة بصفات قيمية ثابتة، كالمحبة والصفح والسلام والأمن.. الخ. هذه الفئة التي تتعارض وتتناقض مع تلك المنظومة السياسية، التي زرعت شعار: الحق هو القوة.. ونحن القوة.. فنحن الحق .

أمام هذه الصورة، صورة صراع منهج تفكر الأضداد، بين كل من منهج تفكر اهل الحق (اهل الثورة)، ومنهج تفكر اهل القوة، (المنظومة السياسية)، التي تعرضنا إلى تصنيفها جراء منطق البحث والاستدلال، نؤكد إلى أن منهج تفكر اهل الحق، يعتبر الفصل في رسم خريطة صناعة الأخلاق والقيم، مع ضرورة التزام الأخذ بها، بعيدا عن كل مواربة وتضليل، وعليه فهذا المنهج يعتبر اساس انبعاث عموم القيم الإنسانية، بدليل ارتباط وتلازم نشأة الإنسان وتخلقه فطريا بها، كأفضل السجايا والطباع التي ابدعتها يد خالق عظيم، حيث تتمثل الأهداف الاعتقادية، بضرورة التمسك بها ثم تنفيذ جميع انواع السلوك الإنساني التي فطر الله الناس عليها، والتي من خلال نموها تتولد صفات الطهر والعفاف، والرحمة، والصفح، والنجدة، والإيثار.. الخ. هذه الصفات، بلا شك، تتواءم مع العقل، مع الحق، مع الإيمان.

اما ما يمثله منهج تفكر اهل القوة، انما يظهر تشتت الأفكار واضطرابها إلى جانب، هبوط المستوى القويم للسلوك الإنساني، حيث يذهب إلى تحقيق ما يسمى (علم الأخلاق)، الذي لا يعني ابعد من تشريع قواعد قيادة الاخرين، من خلال بيان الكيفية، للسلوك والتصرف تجاههم، لضمان منفعة خاصة، اي انها تمثل مجموعة من الممارسات الأدبية التهذيبية، والمتحركة على محور من المفاهيم الواهية المضللة.

خلاصة القول، إن منهج التفكر الحق، انما ينتج اخلاقا ثابتة، لا تتغير في قيمها وقيمتها، وهذا ما تتمسك به، وتنسجه قوى الثورة اللبنانية، أما منهج تفكر القوة، انما يمارس أسلوب تحقق المنفعة الخاصة، في إطار تطبيق قواعد قيادة الاخرين، يعني أنه منهج متغير متحرك، لأنه مرتبط بحوادث التاريخ وظروف الواقع، وهذا ما تميزت به منظومة لبنان السياسية، التي انقلبت في جوهر ممارساتها، على منابع القيم والاخلاق، ممثلة بكل ما هو سماوي. فهل يعود اهل السياسة إلى صوابهم، إلى ذواتهم؟ هل يعترفون بالحق واهله؟ هل يعودون إلى الثابت من الأخلاق والقيم؟ هل يعودون إلى خالقهم؟ هل يعترفون أنهم اموات وإلى زوال؟

واخيرا، نوضح مؤكدين، على انهزام وفشل منهج تفكر المنظومة السياسية اللبنانية، داخل دهاليز التناقض والتعارض، وهذا دليل غباء وجهل ذلك المنهج، منهج القوة، قوة السلاح، قوة المال، فالرد بقولنا أنه لا يصح إلا الصحيح، ولا انتصار إلا للحق واهله، ولا يدوم إلا ما ثبت من قيم واخلاق، ومنهج تفكر اهلها، جراء ما يمارس ويطبق من تحقيق يقين العلم، وبرهان التطبيق، وايمان المعتقد.

=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى