الروائي محمد الهرادي يُرافق “دانتي” إلى الدار البيضاء
كتبت إيمان بنيجة/ المغرب
“الدار البيضاء/ خاص “المدارنت”..
نظم “مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية” بنمسيك، الدار البيضاء، الندوة العلمية الثانية عشرة (12) لطلبة الدكتوراه في تكوين تحليل الخطاب السردي، يوم الخميس الواقع فيه 11 نوفمبر 2022، بمكتبة الكلية، في موضوع: «قراءات بمناهج مختلفة في رواية “دانتي” لمحمد الهرادي”.
نسقت أشغال الندوة العلمية عائشة المعطي، التي أشارت في البداية، إلى أهمية الندوة التي تتمثل في الانفتاح على منهجية جديدة تهدف لتقديم دراسات شاملة للأعمال السردية، مؤكدة أن قراءات هذه الندوة، نشؤها المختبر، بعد التحكيم، ضمن مجلة”دفاتر الكتوراه”،العدد الحادي عشر-2022، هي استكناه للعوالم العجائبية والغرائبية التي ميزت أسلوب محمد الهرادي منذ أولى إصداراته.
استُهلت سلسلة المداخلات بورقة عبد العالي دمياني الموسومة بـ «السيناريوهات التناصية وتداخل الأطر، مقاربة سيميائية». قارب فيها اشتغال نص “الكوميديا الإلهية” لدانتي في الرواية ودوره الأساس في هندسة شكلها وتشكيل بنائها بالاعتماد على مفهومي السيناريوهات والأطر، مقسما مداخلته إلى قسمين: تطرق في القسم الأول إلى السيناريو بنوعيه وفي القسم الثاني لتداخل الأطر.
انطلق الباحث من العنوان بوصفه مؤشرا موضوعاتيا يركز الانتباه على موضوع معين يحتمل شروط التوسع الدلالي ويفتح أفق التلقي على الموضوعة الأساس المرتبطة باسم دانتي وبالكون التخييلي لعمله.تبعا لذلك، عمل على استجلاء العناصر المشكلة لـ”محكي دانتي”التي تتمثل في مكونات التفضية النصية والحكائية: وهي الجحيم والمعبر والفردوس، باعتباره سيناريو أول، والفواعل المستمدة من عالم “الكوميديا الإلهية”: دانتي وفرجيليو وبياتريس. ثم العناصر المشكلة لـ”محكي الخطابي”، باعتباره سيناريو ثاني، محددة في فواعله: محمد بن عبد الكريم الخطابي، والفقيه بولحية، وأزرقان، مشيرا إلى تفاعل هذه السيناريوهات والأطر المرجعية مع العناصر التخييلية للرواية.
وتطرق في القسم الثاني لتداخل الأطر بين الدنيوي والأخروي، والواقعي والتخييلي، والحسي والروحاني وتشابكها الذي أفرز بناء فنيا خاصا شيد دلالة النص وأسهم في انسجامها.
وتحدّث يونس الإدريسي في المداخلة الثانية،«الأسلوب والدلالة في رواية “دانتي”»، من فرضية أساس مفادها أن النص الروائي نص يستعين الكاتب بأدواته الفنية والجمالية لبناء عالم فكري يبث فيه أفكارا وقضايا تستجيب لرؤيته الخاصة اتجاه الواقع. مستندا إلى إطار نظري ركز فيه على إبراز تمظهرات أسلوبية رواية “دانتي” بالمعنى العام للأسلوب، باعتباره طريقة معينة يلجأ إليها الروائي لتشييد نصه الروائي عبر بناء لغوي محكم يستثمر مختلف التقنيات والاستراتيجيات التي تسمح بها الكتابة الروائية، طرح الباحث الأسئلة التالية: كيف صنع الهرادي نصه “دانتي”؟ ما هي أبرز السمات الفنية المميزة لهذه الرواية؟ ما هي الاستراتيجيات التي وظفها الهرادي في هذا العمل؟ وهل الرواية تهدف من وراء تمردها المطلق وأجوائها الغرائبية والعجائبية والعبثية تجريد العالم من أي معنى أو أية قيمة؟ أم هي رؤية الكاتب الخاصة للوجود ماضيا وحاضرا؟
وقسم، إثر ذلك، مداخلته لثلاثة محاور بعد المدخل النظري؛ تطرق في القسم الأول لبنية الرواية وعالمها المنقسم بين الفردوس والمعبر والجحيم، وفي القسم الثاني لأسلوب الراوي وتعدد الأصوات بين السارد المجهول وإيقاع الشخصية البطل، ثم خصص القسم الثالث لتمظهرات الأسلوبية الحوارية في الرواية المتمثلة في التهجين والأسلبة والحوارات الخالصة.
قدم المداخلة الثالثة محمد أعزيز بعنوان «الذات في عالم اللامعنى أو في مساءلة الإرادة الإنسانية»، وعمل من خلالها على مساءلة الإرادة الإنسانية باعتبارها منطلقا للتفكير في سلوكات الشخصية الإنسانية في عالم اللامعنى الذي أفرزه العقل الحداثي، بما يتيحه نص “دانتي” من إمكانات قراءة تأويلية، مشيرا إلى إمكانية إسقاط رحلة الذوات البطلة على رحلة الإنسان في الواقع المعاصر بما تشمله تلك الرحلة من شقاء، باعتباره قدرا حتميا للإنسان؛ قدرا ناتجا عن اختياراته بمختلف أبعادها سواء في الحب أو الحرب.
تبعا لذلك، انطلق الباحث من استنطاق الجنة باعتبارها الفضاء النصي المركزي الذي تتحرك فيه الذوات البطلة (دانتي، إلياس)، مركزا عليهما بين سمتين أساسيتين لهذا الفضاء؛ أولهما الجنة فردوس التناقضات وثانيهما الجنة بين القيد والانعتاق. وانتقل من خلالهما إلى الذاكرة بنوعيها الجماعية، التي تعيق الذات أو تجرها إلى نقيض إرادتها، والفردية بما تتضمنه من قوى نفسية وتجارب تساهم في رسم آفاق الشخصية ومستقبلها.
وقارب نورالدين بلكودري رواية “دانتي”، في المداخلة الرابعة، بالاعتماد على المنهج الاجتماعي، في ورقة بعنوان «الريف الثائر والمخزن المتجبر في رواية “دانتي”»، منطلقا من فرضية أساس مفادها أن النص الأدبي بنية داخلية مشكلة لمجتمع لساني متضمن لآثار اجتماعية وإيديولوجية. وقُسمت المداخلة، استنادا إلى ذلك، لثلاثة محاور:”التخييل الروائي وسوسيولوجيا الأدب”، “الريف الثائر بين الأمس واليوم” و”المخزن المتجبر والسلطة الفاسدة”.
قدم في المحور الأول تصورا نظريا حول المنهج المعتمد. وتطرق، بعد ذلك، للدلالات السياسية والاجتماعية والإيديولوجية التي مررتها الرواية بوصفها خطابا منفتحا على البنية الاجتماعية، هي خطاب ينقسم إلى قسمين؛ الأول يعبر عن الذات الريفية الثائرة وما يرتبط بها من أبعاد سوسيولوجية وإيديولوجية، والثاني يعبر عن صورة المخزن المتسلط الذي يمثله القائد والجنرال والشرطة العلنية والسرية.
في المداخلة الأخيرة قارب محمد عبد الصمد الإدريسي رواية “دانتي” من وجهة نظر الدراسات الثقافية في ورقة معنونة بـ«خلخلة المقدس.. دراسة في النسق الثقافي لرواية “دانتي” لمحمد الهرادي»، تعرض في محورها الأول”بين الجمالي والثقافي” لمسوغات استناده إلى الدراسات الثقافية باعتبارها محاولة لاستكناه الشروط الكامنة وراء إنتاج النص وعلاقات التأثير والتأثر داخل عوالمه.
أكد في المحور الثاني “رواية دانتي ثقافيا” أنها رواية تبني عالمها على غرار “الكوميديا الإلهية” وتُحول كاتبها إلى شخصية أساس في عالمها المختلف عن الدنيا والآخرة، مشيرا إلى كونها مونولوجا يشكل معجما للمغرب المعاصر. ومنه انتقل في المحور الثالث “النسق الروائي بين البناء والهدم” للكشف عن أنساق النص، وانتقل في المحور الرابع لـ”دوائر السلطة والهيمنة” وقسمها إلى قسمين؛ أولهما: سلطة الحكم والاستبداد التي يمثلها المخزن، باعتباره سلطة سياسية قاهرة تمارس أنواعا مختلفة من القوة،وثانيهما: سلطة الآباء والقبيلة التي تمثلها الأسرة المغربية التي يمارس فيها الأب دور الحاكم بينما يكون على البنية المصغرة الخضوع. واختتم مداخلته بالمحور الخامس”دوائر الهامش والخضوع” الذي تتمركز فيه المرأة.
وقد أثارت المداخلات في نهاية الندوة، مناقشة واسعة تتصل بإشكالات القراءة والنصّ، وأبرزت أهمية التجربة الروائية للهرادي، وخصوصيتها الفنية وجدية موضوعاتها، وموقعها في السرد الروائي المغربي.