الغضـب يطفـىء نـور العقـل
سـميرة الغالـي
خاص “المدارنت”
فجأة تدرك أن رحيلهم أعظم نعمة، فلا تمنح الوضيع شرف الخصومة، فيكون لك نداً.
الغضب، هو النار المشتعلة في ثوان، والتي تحرق الإنسان ومن حوله، لان الغضب يطفىء نور العقل، والحقد يطفئ نور القلب، كما قال أنيس منصور وكان فعلا محقاً في قوله هذا.
هو انفعال انساني طبيعي وصحي، إن تدارك المرء عواقبه، ولم يتحوّل إلى أداة مدمرة ،حيث ضياع الحق والمستحق.
ببساطة، رد فعل عاطفي تلقائي حيال موقف أزعجك، وأثار صورتك الداخلية، فلا تجابه بشكل غير مدروس، فهذه القوة المشتعلة لا تنهيها نار أقوى، فلا تعطي الخصم شرف الخصومة، وتجعل منه نداً لك، الغضب يذهب العقل لثوان، نتيجة ازدياد افراز هرمون الادرينالين، وهذا أمر بيولوجي طبيعي، لكن الإنسان الواعي يدرك هذا التغير ويتدرب على التحكم بما يضمن سلامة مكانته، تجاه نفسه اولا ومحيطه بدرجة تالية.
الإدراك قوة، والاستسلام لفخ الاستفزاز ضعف، لا يورث سوى الحسرة والندم، من دون حلّ للمشكلة الأساس، فالغضب السلبي هو إيذاء لفظي وحسي وتكسير، ما يزيد الأمر تعقيدا، فلا تركن للعنف كردة فعل السفهاء، وتتساوى مع السفيه، ويجعلك تزيد عنه مستوى جهله جهلا، ويصبح ضحية ردة فعلك، نعم، ضحيتك، فتتحول إلى المذنب السفيه في ثوان قليلة، فيكسب المستفز وينال منك، فأنت من جنيت على نفسك، لان كنت مخدرا، لكن مجرد وعيك التام لنفسك ولمحيطك، يجنبك العديد من المشكلات، خصوصاً، إن كنت تعاني من ضغوط شتى، ومن منا لا يعاني منها.
الحل بسيط، أولاً ادراك تام للتغيرات البيولوجية، ثم معرفة سمات شخصية المستفز، الذي هو في الأصل شخص ضعيف الثقة، ومغرور، يرى نفسه الأفضل، فله مرآته، ولك الخيار ان تعامله كما يريد، وينجح في إثارة غضبك، أو تعامله كما أنت تريد، لأنك الاقوى على أيّ حال إن ضبطت نفسك.
كثيرا ما نصادف هؤلاء في حياتنا اليومية، وقد تكون شخصية قيادية، لكنها مريضة مستفزة، فلا ضرر في التعامل معها على اساس انها مريضة خاوية، وغالبا ما يكون التماس بها صعب، ويتطلب الكثير من الحذر، دعه يقول ما يقول، ولا تكثر الكلام مدحاً ولا ذما، فلا تكن كالكتاب المفتوح، لا أسرار شخصية، لا خطوات لاحقة تريد أن تنجزها، لا تقل شيئا، هذه الشخصية ترتدي أقنعة عدة، وتبدلها بين الدقيقة، والاخرى اعمل عملك بشكل صحيح، وإن بدر منك خطأ، فلا تتهور عند استفزاز، لان ضياع حقك هو النتيجة النهائية.
لا تجعل الغضب عادة كما هو متوارث، ففي كل مرة تقع ضحية الغضب، تأكد انك تسمم نفسك بنفسك، فلم يخطىء من قالوا ان الغصب “سمّة بدن”، فهناك من يجرك لتظهر اسوأ ما عندك، ويقول هذا انت، منطقتك هي لك، محظورة على هؤلاء مهما علا شأنهم أو دنا.
لا تعني إدارة الغضب السكوت التام طوال الوقت، فلا ضرر في قراءة الكتب، والالتحاق بدروات تنمي لنا الذكاء العاطفي، في زمن يسعى فيه كل منا إلى جودة الحياة، ليخفف عن نفسه متاعب رحلته الحياتية، والتوازن نتيجة الإدراك، فالبطل الحقيقي هو من يقهر غضبه لا العكس، فإن نار الغضب تجعل منك هشاً، تنهض بعدها تلملم بقايا نفسك من دون انصاف، ولا أدنى حلّ للمشكلة الأساس.
أثبتت الدراسات، أن أكثر المشكلات والحوادث تحدث في عشرين ثانية، اي شرارة الغضب الأولى، فإمساك النفس خلالها نجاة. الحل يكمن في ادراكك ان دماغك يرسل الإشارات، وارتفاع نسبة هرمون الادرينالين هو سيد الموقف.
التنفس بعمق، شرب الماء هو حل بسيط وسريع، حينما يندفع الدم الى الاطراف، فلذلك نجد القوة قد تركزت في اليد أو الرجل واللسان، كلام عنيف، وأذى، وربما تكسير، الماء اي البرودة، اخماد للحريق، وإرجاع المستفز خائباً، فلا مانع من سؤاله وبجدية ما نيّتك؟ ما سبب قولك؟ ماذا تقول؟ ارباك المستفز في تجاهله المتقن، الابتسامة، وعينك في عينه، أنت سيد نفسك وقرارك بيدك لا بيده.
تجنب معرفته لاسرارك الشخصية والعادية حتى، لأن هذه الفئة مريضة تستغل إلحاق الاذى عند أقرب فرصة، اقبلهم وواجه على أي حال، حياتنا ملكنا وليست ملك الآخر، فالبعض لن يفهمك ليس لصعوبتك أو غموضك، فقط لأنك حقيقي، وهم تعودوا على المزيفين.
لا تلم نفسك على تصرف صحيح تجاه تصرف خاطئ، وحده قياس الصواب هو شعورك بالرضا عما فعلت، لا ردة فعل الآخرين، اشياء لا تفعلها، لا تشتم، لا تضخم الموقف بطريقة خاسرة تخسرك حقك، لا تتفوه بقرارات سريعة تجاه المستفز.
يقول جورج برنارد شو: يستفزونك ليخرجوا اسوأ ما فيك ثم يقولون هذا انت. لا يا عزيزي لا تجعله نداً. حاول أن تحزم أمرك منذ البدء، فكلما زادت المسافة زادت تكلفة العودة، فمن أطاع غضبه أضاع أدبه.
أخيراً، لا تطمح الى ان تكون أفضل من الآخرينن اطمح ان تكون أفضل من نفسك في الأمس، فالعقول تصغر حين تنساق لاستفزازات الآخرين، الجولة تحددها أنت، في وقتك أنت، باسلحتك أنت، تكبر عندما تنشغل بتنمية قدراتك مهما أرادوا تحطيمك وسخروا، تجاهل، قف، اثبت لهم بنجاحك، إنك المنتصر وتفوق قوتك العقلية والنفسية تصرفاتهم المريضة.
الحديث مع النفس وتقويمها دلالة نضوجها، والجنون، هو الانسياق الى بشر رؤوسهم حجر، وألسنتهم نار، إنهض، إنهض نعم في كل مرة، فالسقوط في نارهم لا يليق بك، ورحيلهم أعظم نعمة.