المجزرة الكبرى بين حلب والموصل وصنعاء!
“المدارنت”..
إتفاق مصالح دولي على تدمير المكون العربي ىالسنّي
تغيير هوية المدن والدول وهوية المنطقة وهوية السكان
ايران تدشن خط الاتصال البري بين طهران وسواحل المتوسط
ترامب ينضم الى المشروع ويتحدث عن امارة سنية بين العراق وسوريا!
ما يجري على مسرح الشرق الاوسط أحداث تراجيدية وتاريخية لا سابق لها منذ مئات السنين, ومن النوع الذي لا يحدث إلا كل الف سنة مرة، كالغزو المغولي والغزو الصليبي مثلا. وهي أحداث معدة اعدادا محكما. وثمة قرائن لا تخطئها العين الخبيرة تؤكد أن الدول الكبرى في الشرق والغرب ضالعة ومتواطئة. ولكل منها دور يتكامل مع الأدوار الاخرى, وإذا لم تكن مشاركة فهي على الأقل مباركة!
هذه الاحداث المهولة يمكن وصفها بورشة اجرام عابرة للحدود مع سبق الاصرار, هدفها إبادة شعب أو جنس بعينه ابادة تامة, وبسرعة قياسية, بكل وسائل القتل والابادة والتطهير العرقي والديني والتهجير, كما لو أن هناك سلطة كونية أصدرت حكم اعدام على هذا المكون وإلغائه من أرشيف العالم السكاني.
ما نراه, ويراه العالم عيانا, ليس له شبيه في وقائع العالم المعاصر منذ حروب البلقان بعد انهيار السلطنة العثمانية. مجزرة بشرية جماعية كالتي تجري في حلب, وسوريا, من حيث الحجم والاسلوب, وكذلك من حيث التواطؤ أو التجاهل الدولي لها. عملية اعدام منظمة لكل السكان في حلب الشرقية, وهم حسب مصادر (المجلس المحلي) يزيدون على الثلاثمائة الف نسمة, جميعهم مدنيون باستثناء 1000 – 2000 مقاتل مسلح, غالبيتهم الساحقة من أبناء المدينة. وتوحي المؤشرات بأن محافظة ادلب مشمولة بالخطة الاجرامية, وبدأت الضربات الجوية من طيران الروس والاسد تطالها بلدة بعد بلدة, وتطال بعض قادة المقاومة بواسطة الطائرات. وكذلك يجري الاجهاز على ما بقي من بؤر للمعارضة و(السكان السنة) في حمص, وريف حماة, وصولا الى القلمون وريف دمشق. وبصورة اجمالية فالعملية الجراحية تطال المكون الرئيسي من الشعب السوري الذي يمثل الغالبية (75 %).
وينبغي علينا لرؤية مسرح الأحداث بأبعاده وتفاصيله الكاملة توسيع زاوية النظر لتشمل ما يجري في غرب العراق بين الموصل وتلعفر والانبار وسهل نينوى.. إلخ. وهو أمر لا نفتعله بل سبقنا اليه الساسة والمحللون في العالم مؤخرا, منذ أن أعلن عن بدء (معركة استعادة الموصل) من تنظيم الدولة – داعش, إذ تحدث الجميع عن الصلة المباشرة بين معركتي حلب والموصل وتلازم العمليات العسكرية, رغم اختلاف التحالفين العسكريين بدرجة غير قليلة في البلدين واختلاف الأطراف التي يجري القتال ضدها هنا وهناك.
الجريمة والشركاء:
هذه الجريمة الدولية الموصوفة والمزدوجة تتقاسم الأدوار فيها:
– روسيا, ثاني اكبر قوة في العالم.
– ايران التي توصف عالميا منذ خمس وثلاثين سنة بالدولة الاولى الراعية للارهاب في العالم, والتي تزداد تورطا في الصراع الدموي في العراق وسوريا واليمن كل يوم , وتقود خلفها حشدا هائلا (يبلغ حسب قائد الحرس الثوري مائتي الف مقاتل) من فصائل مرتزقة باكستانية وافغانية وعراقية ولبنانية ذات لون مذهبي واحد (شيعي) موالية ولاء دينيا وسياسيا وعسكريا للولي الفقيه في طهران, وتلتزم بتعليماته وأوامره حتى ولو تناقضت مع قوانين دولها.
– وتشارك في المجزرة الولايات المتحدة, اقوى قوة في العالم, وتتواجد في السماء وعلى الارض في سوريا والعراق, وتقود تحالفا غربيا يضم دولا اوروبية واقليمية وعربية, ولها هيمنة على قوى محلية, كردية وسورية.
– كما تشارك تركيا في العمليات العسكرية في البلدين ولكن لاهداف خاصة بها, وتستثمر نفوذها العميق في أوساط القوى المسلحة والاجتماعية في البلدين وتحالفاتها المتشعبة في عموم المنطقة. ولها اعداء كثر أيضا بين الكورد وداعش, فضلا عن ايران, والنظامين السوري والعراقي.
أهم سمات هذه المروحة الواسعة من الاطراف والدول هو الاختلاط الى درجة استحالة التمييز بين الأصدقاء والاعداء, فالانقسامات والتبدلات والمواجهات تشملها جميعا باستمرار الى الحد الذي يجعل تصنيفها متعذرا.
وعلينا ملاحظة أن روسيا تقود التحالف الواسع ضد الثوار السوريين, والعمليات الحربية لابادة المكون الرئيسي من سكانها, بينما تقود الولايات المتحدة التحالف العسكري الموازي على الجانب العراقي الذي يضم قوات عراقية موالية بالكامل للسياسة الايرانية, وتأتمر بأوامرها, اضافة لقوات كوردية, وقوات التحالف الدولي تشارك فيها بريطانيا وفرنسا. وبهذه الطريقة يتعاون الطرفان الروسي والاميركي في ادارة التحالفات المحلية التي تضم ايران واتباعها وتركيا والكورد العراقيين والسوريين في أوسع وأضخم عمليات حربية تتماوج فيها التحالفات والاصطفافات كما اسلفنا.
الاميركيون لهم قوات في سوريا, إلا أن الطرف الفاعل على الارض روسيا, وهذه لها تنسيق وتعاون ممأسس مع السلطات العراقية وايران ولكنها لا تشارك في القتال على الساحة العراقية, والقيادة هناك لأميركا. ومن السذاجة الاعتقاد أن ما تقوم به الدولتان العظميان والاطراف الاقليمية والمحلية يتم بلا تنسيق محكم بينهما, سيما وأن اجراءات التنسيق والتفاهم أكثر من واضحة ومنتظمة, منذ أن بدأت (الثورة السورية) رغم التباينات والاختلافات الكثيرة في بعض الملفات. وهناك طواقم عسكرية وديبلوماسية ومخابراتية من الدولتين تعملان بانتظام من جنيف وعمان وانقرة. وفي الاسبوع الماضي لاحظت (الواشنطن بوست) أن كلمة السر في تجديد الحملة العسكرية على حلب الشرقية كانت المكالمة الهاتفية التي اجراها بوتين مع ترامب مساء الثلاثاء 15 نوفمبر لـ( مناقشة الازمة السورية) إذ تجددت الحملة الجوية على حلب بعد المكالمة فورا!
ويؤكد هذا التفاهم والتنسيق أن الدولتين ورغم ضخامة الجرائم المرتكبة على امتداد ما يسمى في الجغرافية السياسية السابقة (المشرق العربي) وأصبح الآن بحسب التسميات الايرانية (المشرقية) فقط فالاعلان عنها يجري على رؤوس الأشهاد في العالم , وكأنها مباراة كرة قدم دولية مثيرة يعلن عنها وعن موعدها سلفا, يقوم اللاعبون بتدريباتهم النهائية, وتتجهز اسلحة الفتك جهارا بلا حياء ولا قلق من تبعاتها من مؤسسات النظام الدولي. ويملك سيرغي لافروف القدرة على القول دائما: نحن لم نقصف ولم نقتل, وأن المعارضة هي التي تدمر المشافي وتقصف قوافل الاغاثة الاممية!. بل قال بحضور كيري في اليوم الثاني لبدء الحملة الجديدة: طائراتنا وطائرات الجيش السوري لا تقوم بأي عمليات في سماء حلب منذ أكثر من شهر. (هل ثمة وقاحة أكثر ؟!) وفي نفس اليوم اعلنت حكومته انسحابها من نظام محكمة الجنايات الدولية الامر الذي وصفته مجلة (فورين بوليسي) بالهروب الاستباقي من المحاسبة المؤكدة على جرائمها في سوريا. وعندما توثق طواقم الامم المتحدة والمنظمات الدولية المختصة هذه الجرائم, ومعظمها جرائم حرب يقول الروس: إن التحقيقات مسيسة وليست مهنية ولا محايدة!
مارست روسيا منذ تدخلها السافر في سوريا قبل 14 شهرا أقصى درجات الارهاب والاجرام مستهدفة المدنيين, ثم المعارضة المعتدلة, ولم تستهدف المنظمات الارهابية إلا عرضا. وهي تزداد تورطا في الحرب, وتحشد أسلحة متقدمة لا تحتاجها في حربها ضد المعارضة السورية التي لا تملك سوى أسلحة تقليدية خفيفة ومتوسطة, فقد استقدمت اقوى ما في ترسانتها من صواريخ (كاليبر) و(SS300) وطائرات سوخوي لميغ وهلوكبتر ودبابات تي 92 وحاملات طائرات وسفن وطرادات وغواصات تحمل صواريخ مجنحة عابرة للقارات, ورؤسا نووية.. إلخ, ولا يعني هذا أن روسيا تستعد لمواجهة نووية أو تقليدية مع دول كبرى ومتوسطة, ولكنها على تريد تنبيه العالم الى قدراتها وصناعاتها, وتجريب فعاليتها على الشعب السوري.
وأما حشود ايران وجماعاتها فتزداد أيضا عددا وعدة, وبات (حزب الله) يقدم نفسه جيشا أمميا أو قوة اقليمية كبرى يمارس مهامه القتالية على اتساع الاقليم – باستثناء اسرائيل! – ويستعرض قواته (في مستوطنته في القصير) كما تفعل روسيا أمام السواحل السورية, وكما تفعل قوات الحشد الشعبي حول الموصل وتلعفر متعهدة بالانتقال الى سوريا بدون انتظار لموافقة سلطة بغداد, بحجة مطاردة التكفيريين, وكلا الطرفين الحشد العراقي والحزب اللبناني يعلنان تصميمهما على زيادة انخراطهما في سوريا, كأن الهدف التقاؤهما في نقطة وسطى هي حلب بقيادة الجنرال قاسم سليماني, بعد المرور بالرقة ودير الزور.
الهدف الاستراتيجي للقيادة الايرانية في حلب والموصل وتلعفر والقصير واحد هو تدشين المعبر الجغرافي بين طهران والساحل السوري – اللبناني لملاقاة القوات الروسية الحامية الكبرى للمشروع.
هذه الخريطة الجغرافية لم تعد غامضة ولا ضربا من الافتراضات بل باتت قيد التداول على المستوى العالمي كتطور حاصل, ويمكننا الرجوع الى تصريحات رئيس جهاز المخابرات الفرنسية الذي قال منذ 1984 إنه من المستحيل عودة الشرق الاوسط القديم, وكررها رئيس المخابرات الامريكية قبل شهور قليلة. وبينما كان يتم تدمير وتفتيت الخريطة القديمة كان العمل يجري على قدم وساق لتشكيل ورسم الخريطة الجديدة وتشكيل مكوناتها البشرية والهوياتية البديلة, بواسطة آلات الحرب والدمار الكبرى الروسية والاميركية والايرانية.
الخريطة الجديدة التي تتشكل حاليا هي وظيفة الحرب الاجرامية الممتدة على طول المسافة من ايران, مركز الامبراطورية الشيعية – الفارسية الناهضة بشراكة روسية, ومباركة اميركية الى نهايتها الطبيعية على ساحل البحر المتوسط على حساب وعلى أجساد ملايين العرب السوريين والعراقيين من (المكون السني تحديدا) ويتضمن تهجير الملايين وقتل أو اخضاع ملايين اخرى هنا وهناك, وتنفيذ هندسة ديموغرافية عملت أجهزة المركز في ايران على اعدادها وفق مصالحها واطماعها التوسعية, وكلفت “الحرس الثوري” بتنفيذها, وهذه هي التي تقود وتوزع الادوار على جميع العاملين في المشروع من “حزب الله” الى الحشد الشعبي الى الحوثيين في اليمن, وأما الزينبيون والفاطميون فهم مجرد مرتزقة وادوات خردة.
الى اين يمضي هذا المشروع ..؟
من المنطقي القول إن هذا المشروع التدميري لا يمكن أن يقتصر على سورية والعراق أو على اليمن ,لأن المخططين يدركون بطبيعة الحال استحالة نجاحه إذا لم يشمل المنطقة بأسرها, ويبلغ مداه الطبيعي. أي لا بد من تدمير المكون العربي في عموم المنطقة, لكيلا تقوم له قائمة, وهذا يفترض استطرادا شموله الخليج والسعودية, والاردن وفلسطين. وهناك مؤشرات لا تحصى في سلوك الدولتين الكبريين على مباركة هذا المشروع. فسلوك الولايات المتحدة المريب تجاه ايران منذ بدأ التخطيط لغزو العراق عام 2003, تكرر في سورية ولبنان خلال سنوات الثورة السورية, وفي مفاوضات (5 زائد 1) حول البرنامج النووي. وفي سلوكها حيال الصراع الحالي في اليمن, حيث يتضح أن الولايات المتحدة تسهل للايرانيين تمددهم وتوسعهم, وتحمي جماعاتهم في المنطقة, وتمنع الحسم العسكري في سوريا واليمن بحجة التمسك بالحلول السياسية, وتمنحهم الرخصة لانتاج السلاح النووي لتمكينهم من وضع تاجهم على عموم (المشرق الجديد) ودويلاته الممزقة الضعيفة.
السلوك الروس لا يقل عن السلوك الاميركي ريبة, خصوصا وأنها عمقت علاقاتها الاستراتيجية مع ايران خلال ربع القرن الماضي, حين كانت هذه محاصرة ومعزولة وخاضعة لعقوبات غربية ودولية , ووقفت معها كحليف استراتيجي ضد (الاسلام السني السلفي) الذي هزمها في افغانستان, ولا زال يهدد بقاء الاتحاد الروسي عبر الشيشان والقوقازوفي الفضاء الاقليمي. العقيدة الروسية التي نشأت اثر التحولات التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو عقيدة قومية مسيحية معادية للاسلام السلفي, وللعالم العربي السابق من ناحية, ولمشروع الوحدة الاوروبية, ولحلف الناتو بشكل رئيسي. وهذه العقيدة التي تترجمها سياسة بوتين مبنية على اعادة روسيا الى امجادها السابقة ومركزها الدولي, وتسعى الى انهاك العالم العربي – الاسلامي منبع الاصولية والسلفية , وانهاك اوروبا لافشال وحدتها, وانهاك الولايات المتحدة لدفعها للانسحاب من اوروبا وتفكيك حلف الناتو. ولكن روسيا هذه تتعاون مع الولايات المتحدة في محاربة المكون الاسلامي السني – الاصولي السلفي الذي انبثقت منه الحركات الجهادية العابرة للحدود والقارات التي ضربت نيويورك وضربت مصالحها في عدد كبير من الدول, ويتم هذا التعاون تحت عنوان (محاربة الارهاب الاسلامي) وتجفيف منابع التطرف والتكفير, واستطاعت ايران حجز دور لها في هذه الحرب كشريك اقليمي فاعل ضد المكون العربي الاسلامي السني, لاضعافه وتغيير هوية المنطقة وتركيبها كحل جذري – في نظرهم – للمشكلات البنيوية التي تولدت عن المكون المذكور خلال العقود السبعة السابقة, أي منذ “الحركة الناصرية”, وحركة التحرر العربية, ومشروع الوحدة والنهضة, والثورة الفلسطينية.. إلخ.
ولا بد من الاشارة الى الدور الصامت لـ”اسرائيل” في هذه (الورشة الاجرامية الكبيرة) لكونها أحد أعلى مرتكزات الاستراتيجية الغربية في الشرق الاوسط, وهي تلتقي مع الاطراف الثلاثة حاليا في مشروعها, لأن المكون المذكور رفض التطبيع معها والتسليم لها بفلسطين واغلق ابواب المنطقة امام اطماعها الشرهة, ورفض مشروعها (الشرق الاوسط الكبير) وتعتقد أن (المشرق) الجديد الذي سيتولد من خلال المجازر الواسعة في غضون 10 الى 20 سنة القامة هو عالم يتكون من دويلات ذات هويات عرقية ومذهبية, يناسبها أكثر من المشرق العربي القومي بمضمونه الاسلامي الاصولي التحرري. وهي تأمل أن يتسع لها جنبا الى جنب مع الايرانيين والكورد, والمسيحيين الانعزاليين, وبعض الدروز والعلويين .
هذا التحول يشكل اتجاها تاريخيا تقوده الاطراف الاربعة للقضاء على النسيج القومي العربي ودوله التي ظهرت قبل مائة سنة, وتتداول مشاريع وتصورات متعددة لما بعد ذلك, فالرئيس الاميركي المنتخب يتحدث عن (كيان سني) يتألف من جزء من العراق وجزء من سوريا, وجون كيري تحدث مرارا عن الخطة (ب) البديلة عن ابقاء الدولة السورية على حالها وتغيير النظام, ويبدو أن الخطة البديلة هي ابقاء النظام واسقاط التركيبة السكانية والسياسية للدولة. وروسيا تتصرف كراعية للاقليات: العلوية, والمسيحية, والكوردية في المنطقة. وايران تريد تغييرا ديمغرافيا أعمق وأكثر تفتيتا لتضمن وضع السلطة في العراق وسوريا ولبنان واليمن (ثم البحرين والسعودية) بأيدي المكون الشيعي الموالي لها, حتى ولو تضمن ذلك تهجير وتبديل السكان توطين ملايين الشيعة الفرس والافغان والباكستان في سوريا بديلا عن المهجرين الذين زاد عددهم حتى الان عن سبعة ملايين سوري, جميعهم من المكون المغدور !
وبالتأكيد لا ترى “اسرائيل” ضررا ولا خطرا في هذه التصورات والمخططات طالما أن الدويلات التي ستنشأ هي دويلات طائفية عاجزة ومتصارعة فيما بينها دينيا, ومتخلفة وفقيرة اقتصاديا, مما يمكنها من لعب دور القطب والمركز الصناعي والمالي والسياسي وقناة الاتصال مع الغرب والشرق .
نتيجة ترسخ هذا الاتجاه تعرضت تركيا طوال الاعوام الثلاثة الاخيرة لضربات موجعة من داعش والكورد وضغوط من أميركا وروسيا وايران لمنعها من التدخل لاحباط المخططات المطبقة, وقد أعطت الضغوط السابقة بعض نتائجها واجبرت انقرا على الانكفاء, وشراء استقرار علاقاتها مع روسيا بتخفيف دعمها للمعارضة السورية, وغض نظرها عن مذبحة (حلب) والتخلي عن حليفتها السابقة جبهة النصرة, والاكتفاء بموطىء قدم غربي الفرات, وابعاد شبح الكيان الكوردي عن حدودها الجنوبية, ولكنها في نفس الوقت لم تتردد في توجيه الاتهامات الصريحة لايران بالسعي لتفتيت وتدمير المكون السني في المنطقة وتغيير تركيبة العراق وسوريا, وارسال قواتها لى تلعفر لحماية المكون السني وتحذير الحشد الشيعي والسلطة العراقية وايران من وقوفها بالمرصاد لمخطط تهجير المكون السنة من الموصل وتلعفر واستعدادها للتدخل العسكري إذا كررت الميليشيات الشيعية سياسة التطهير العرقي والتهجير في الموصل ومحيطها التي ما زالت تضم اكبر كتلة سكانية سنية وعربية في العراق والتي تتناظر ومكانة حلب في سوريا وتركيبتها الكبرى, أو إذا حاولت التدخل في سورية بحجة مطاردة داعش!.
الصراعات في نطاق ورشة الاجرام الاقليمية الكبرى تلازمت لا بين معركتي حلب والموصل فقط, بل اتسع نطاق الترابط والتلازم بين المعارك والحروب المشتعلة في سورية والعراق واليمن ولبنان. ولا شك أن قول الرئيس أوباما انه غير متفائل بمستقبل المنطقة صحيح لأنه يعلم أن المخطط ما يزال في مرحلة العنفوان والصعود ولم يقترب من نهايته, لا سيما وأن التغييرات الاقليمية والدولية تتطور لصالح المشروع السابق, ووتميل موازين القوى لصالح القوة العمياء والهمجية, التي تحدثت عنها صحيفة الغارديان مؤخرا, وقالت إنها تستهدف تدمير (المدن التاريخية) في الشرق الاوسط, وادانت التغاضي الدولي عن هذه الجريمة, من دون أن يسعف الوعي هذه الصحيفة لتدرك أن الهدف هو تغيير هوية المنطقة لا المدن فقط, وهو مخطط بدأ بتغيير هوية حيفا ويافا عام 1948 ثم القدس عام 1967, وتغيير هوية بغداد في العقد الماضي, وهوية بيروت, ثم دمشق وحلب والموصل والحويجة وكركوك ونينوى والرقة والحسكة وحمص وصنعاء .. والحبل على الجرار .