الوعي الحقوقي الجزء “5”
//خاص المدارنت//... خامساً: أهمية الوعي الحقوقي
… إن للوعي الحقوقي الإيجابي أهمية بالغة التأثير والأثر، ليس في حياة الإنسان الفرد فقط، بل في حياة الإنسان المجتمع والشعب والأمة، وذلك لما ينتج عنه ويترتّب عليه من نتائج وأثار إيجابية، تنعكس إيجابيا على حياتهم جميعاً.
وكما هو معروف، بأن السلوكيات والأفعال والأقوال الصادرة من أفراد أو جماعات أو مجتمعات أو أمم، سواء كانت تجاه أنفسها أو تجاه الآخر، سواء كان ذلك الآخر فرداً أو جماعة أو مجتمعا أو أمة من الأمم، ما هي إلا نتاج طبيعي، وانعكاسا حقيقيا لذلك الوعي الذي تشكل في عقلية ذلك الفرد أو الجماعة أو المجتمع أو الأمة.
من ذلك الوعي هو الوعي الحقوقي. ذلك الوعي الذي يحدد سلوكياتنا وتعاملنا ونظرتنا إلى تلك الحقوق التي يجب بأن نحصل عليها، تلك الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية وغيرها، وغيرها من الحقوق التي يجب على أيّ سلطة أو نظام سياسي في أي بلد من البلدان بأن تتكفل وتضمن أدائها لمن هي مسؤولة عنهم من المواطنين في ذلك البلد.
ووفقا لذلك، فإذا كان الوعي الحقوقي لأفراد ذلك البلد إيجابيا، بمعنى أن تلك الحقوق في وعيهم قبل سلوكياتهم حقا إنسانيا مقدساّ، لا يجوز لأيّ سلطة، مهما بلغت قوتها وسطوتها وامتلكت منها الشيء الكثير، بأن تخلّ في أدائها تجاه مواطنيها، وبأن تكون شرعيتها الحقيقية وضمان بقائها واستمراريتها هو في مدى إيفائها بتلك الحقوق. وفي حالة الإخلال بها أو التقاعس عن أدائها. سواء قصدا منها أو غير قصد، تكون في هذه الحالة قد فقدت شرعيتها الحقيقية، التي بموجبها وصلت إلى سدة الحكم في ذلك البلد، بما يتوجّب ساعتئذ القيام بتغييرها، وفقا للآليات الدستورية المتبعة في ذلك البلد.
إذا كان ذلك الوعي الحقوقي إيجابيا، وقتئذ وحينئذ وساعتئذ، لن تتجرأ أيّ سلطة على عدم الإيفاء بها تجاه مواطنيها، أو حتى مجرد محاولة المساس بها، لأنها وببساطة شديدة، تكون قد حكمت على شرعية وجودها ليس بالزوال فقط، بل بالمحاسبة القانونية جرّاء ذلك، بما يترتب على تلك المحاسبة القانونية من عقوبات، عندئذ نكون مواطنون.. لا رعايا.
أما إذا كان ذلك الوعي الحقوقي لأفراد البلد سلبيا، بمعنى أن تلك السلطة، في وعيهم وسلوكياتهم وأفعالهم وأقوالهم، هي صاحبة السلطة الحقيقية فيه والآمر الناهي الوحيد، تفعل ما تشاء وتتصرف في البلاد والعباد كيفما تشاء، طاعتها واجبة وأوامرها مطاعة، مهما كانت تلك الآوامر مجحفة وظالمة وقاسية وغير منصفة ولا عادلة.
شرعيتها، في الوعي الجمعي الاجتماعي عموماً، والنخبوي منه خصوصاً. طبعا، مستمدة من السماء وفقا لمبدأ الغلبة، إن الخروج عليها هو خروج عن السماء وكفر به، بما يتوجب على ذلك من عقوبات، إذا أعطت، فتلك الأعطية تفضّلاً منها وكرماً وتكرماً، منّة وصدقة، يجب علينا شكرها الشكر الجزيل على تلك الأعطية، والتسبيح بحمدها والتغني بنبلها وصلاحها، والتفاني في خدمتها والتضحية بأنفسنا في سبيلها، أما إذا لم تقدم تلك الأعطية، ولم تقم بإدائها ومنعها وحرماننا منها وسلبها منا، فذلك حق لها لا يجوز لنا المطالبة به، بل أقصى ما نستطيع فعله وقتئذ، هو التوسّل لها واستجدائها في سبيل ذلك.
وإذا كان ذلك الوعي الحقوقي سلبيا، فإن تلك السلطة لن تتوانى عن منعنا وحرماننا منه، ورمينا إلى قاع الفقر والبؤس والفاقة والتشرد والتشريد، وغيرها وغيرها من المهلكات والطامات والكوارث الإنسانية…رإلخ، لأنها وببساطة شديدة، لا تستمد شرعيتها من الإيفاء بتلك الحقوق، إنما شرعيتها مستمدة من السماء، وفقا لمبدأ الغلبة، الذي أوصلها إلى سدة الحكم، وليس وفقا لعقد اجتماعي بينها وبين رعاياها. عندئذ نكون رعايا… وليس مواطنين.
إذا نظرنا وتمعّنا بعمق لما نحن فيه وعليه، كأفراد أولاً، وكمجتمعات وشعوب عربية ثانياً، بل كأمة في إنسانها وأرضها، لوجدنا بأن ذلك ما هو إلا نتيجة طبيعية وحتمية وانعكاسا طبيعيا وحتميا لذلك الوعي الحقوقي السلبي، المتجذر في الوعي واللاوعي الجمعي الاجتماعي لمجتمعاتنا، عموماً ونخباً، حيث نصبح جميعا كأفراد ومجتمعات وشعوب، أفرادا ومجتمعات وشعوب مقهورة ومهدورة، “أمة مقهورة ومهدورة”.
لا يمكننا الخروج مما نحن فيه وعليه إلا في حالة واحدة ووحيدة، وهي العمل على تفكيك ذلك الوعي الحقوقي السلبي المتجذر في عقول ونفوس ووجدان النخبة أولاً، فهي المسوؤلة بعد ذلك على تجذير ذلك الوعي الحقوقي الإيجابي، في الوعي واللاوعي الجمعي الاجتماعي للمجتمع بأكمله.
إن ذلك، ما كان له أن يكون ويحصل ويتم ويصير، لولا سيطرة الوعي الحقوقي السلبي على الوعي واللاوعي الجمعي الإجتماعي عموما، والنخبوي منه على وجه الخصوص، ولولا سيطرة تلك المقدسات الزائفة التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولولا سيطرة تلك المفاهيم الخاطئة والمقلوبة والسلبية، التي شكّلت جوهرة العلاقة بين الراعي والرعية.
وقبل ذلك كله، والأهم من كل ذلك، فإن ما كان له أن يكون ويحصل ويتم، لولا تخلي تلك النخب عن أداء مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية القييمية، تجاه ذلك الإنسان المهدور والمقهور من قبل تلك الأنظمة، تعاطيا سلبيا مع كل ذلك، عبر السكوت عما تراه وتشاهده وتعاينه وتلمسه، أو عبر مشاركة فعلية وفعالة وفاعلة لتلك الأنظمة، في ما تفعله وتقوم به.
كم هو مؤلم ومحزن وقاسي وموجع كل ذلك؟! كمّ وكمّ وكمّ؟!.. إلخ.
آه ثم آه، على ذلك الإنسان المقهور والمهدور! في بلدي وفي أمتي. آه ثم آه على أمتي المقهورة والمهدورة، وكأن لسان حالهم جميعاً يقول: كمّ نُسامَح لو أننا نُسامِح!
قال الله تعالى:…”فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4).
وقال تعالى أيضاً: … “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38). صدق الله العظيم.
… يتبع