عربي ودولي

اليمين “الإسرائيلي” يعتبر الإعتراف بحقوق الفلسطينيّين خيانة!

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

“المدارنت”..
آلة السم لم تعد تكتفي بتشويه رؤية “الإسرائيليين” للواقع على خلفية ما يحدث في البلاد، بل تتوجه الآن إلى السياسة الخارجية. رغم الإغراء الذي تحمله تغريدة غاضبة ليئير نتنياهو بأنها عفوية، ومضطربة وصبيانية، لكن يجب الفهم بأنها جزء من آلية كاملة، لها منطق داخلي وهدف واضح، هو تقويض فهم أساسي لدى المواطنين الإسرائيليين فيما يتعلق بخريطة العالم، من معنا ومن ضدنا، ما هو شرعي وما هو غير شرعي، من الذي يجب أن نحبه ومن الذي يجب أن نكرهه.
ما أثار غضب نتنياهو الابن، هو تغريدة الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون)، التي طلب فيها العمل على عقد اتفاق يجلب الأمن والسلام لإسرائيل وتحرير جميع المخطوفين وإقامة دولة فلسطينية بدون حماس. في عهد دبلوماسي متميز، رد الابن الذي يعيش في المنفى بشتيمة وجهها للرئيس، “اذهب إلى الجحيم”، وتحديد المناطق الجغرافية بالتفصيل، والأقاليم التي تسيطر عليها فرنسا. في المنطق القائل “كل شيء لك”، دعا نتنياهو أن يمنحها الاستقلال، وكأن هناك تشابهاً بين سكانها المواطنين الفرنسيين المتساوين في الحقوق، والفلسطينيين.
لكن الحقائق غير مهمة أصلاً. التصريحات التي تصدرها صناعة التمويه والتشويش لا تعمل في مجال اختير وفقاً للحقيقي والمزيف. لو كان هذا هو الوضع، لكانت محاربته أسهل بكثير. مقولة نتنياهو الابن، هي ما سماه الفيلسوف اللغوي جون أوستن بـ “عملية كلام”، وليست مقولة يمكن القول بأنها حقيقية أو كاذبة، بل تعبير يشكل فعل في العالم. هذا الإجراء يعتبر بمثابة تصنيف لماكرون، زعيم الدولة الديمقراطية، الذي أعلن عن اعترافه بالدولة الفلسطينية، بأنه عدو.
 في الوقت نفسه، هذه الآلية تصنف زعماء يمين شعبوي فاشي في العالم كأصدقاء لإسرائيل، رغم أن كثيرين منهم يغازلون أفكاراً لاسامية بأشكال مختلفة، رغم أن الجاليات اليهودية في دولهم تشمئز منهم، على الرغم من أنهم يعتبرون مخربين للديمقراطيات في دولهم. هكذا احتفلوا هنا بفوز ترامب المشوش، الذي يهدد الديمقراطية واقتصاد الولايات المتحدة والغرب كله- وكأنه إنجاز لإسرائيل.
إن نجاح هذه العمليات الخارجية يستند إلى حقيقة أنه استكمل نشاط آلة التشويه الممنهجة في الجبهة الداخلية كلياً. بعد عمل دؤوب وجهود استمرت لسنوات، نجحت هذه الآلية في ترسيخ، حتى في أوساط معارضي نتنياهو، الاعتقاد بأن الاعتراف بحقوق الإنسان للفلسطينيين يشبه الخيانة، وأن التعاطف معهم يشبه في قيمته كراهية الشعب اليهودي، وأن “السلام” كلمة فظة، وأن اليسارية عكس الوطنية.
عند وضع الأسس المنطقية لهذه الرؤية المشوهة، ليس أمامنا إلا استكمال المهمة بتوسيع المعادلة. تكرار الرسائل إلى أن تتسرب ويتم استيعابها جيداً: معارضة إهمال المخطوفين، وتخليد الحرب والانقلاب النظامي، جميعها تعادل اليسارية، التي كما قلنا تعادل خيانة الدولة. المأساة أنه بدلاً من معارضة من يعارضون سياسة الحكومة، نرى ـن الافتراضات الأساسية للمعادلة التي تطبق عليهم بقوة آخذة في التزايد، التي تبدو اليسارية بحسبها معادلة للخيانة. هم يعارضون كل ما يشخصهم كيساريين. على سبيل المثال، صيغت رسالة الطيارين كدعوة لإعادة المخطوفين “حتى بثمن وقف الحرب”، رغم أن إنهاء الحرب -كما يرى الجميع- لا يعتبر تنازلاً من أجل المخطوفين، بل هدف جدير بحـد ذاتـه.
ترياق السم لن يرتكز إلى قبول آلة السم ورفض جزئي فقط لأعراضه، بل علينا معارضة منظومة الدعاية التي خدعت حواسنا، وحجبت منطقنا البسيط، وأضعفت معايير الأخلاق التي يجب أن ترشدنا.

نوعا ليمونا/ “هآرتس” العبرية
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى