مقالات

بشار الأسد.. سقوط متأخر!

“المدارنت”..
انتهى العمر الافتراضي للحكم الأسدي القائم على بعض حطام الطوبوغرافية السورية منذ عام 2011، اما انتهاء صلاحيته “الديموغرافية”، فقد كانت أبعد زمنا، وهي مرتبطة بالطور الثاني للحكم وانطلاقته في ربيع دمشق عام 2000، حيث وعود الأسد الابن بالتغيير، وإنعاش الآمال بالإصلاح، وانتهى بانكشاف زيفها عام 2001، وبعدها تكشير الأسد الابن عن أنياب مستعارة، اثبتت أنها أكثر فتكا من أنياب أبيه، وإذا كان الطور الأول الذي قاده الأب حافظ الأسد منذ عام 1971 قد تميز بتكريس حكم العائلة وحاشيتها للجيش والحزب والدولة، فإن الطور الثاني الذي قاده الابن بشار الأسد تفوق عليه بالسمسرة على مصير الوطن وما عليه، ورهنه بمصير حكمه المتهالك.

أسد في لبنان أرنب في الجولان
كان البيان التبريري لانقلاب الأسد عام 1970 الذي وصفه بحركة تصحيحية لفساد الحكم وضعفه المؤدي لضعف الجيش، ومن ثم هزيمته في حرب 67 واحتلال إسرائيل للجولان، يحمل في طياته ما يبطله، لأن الطاقم الانقلابي ذاته هو من كان يقود الجيش، فحافظ الأسد كان وزيرا للدفاع، ومصطفى طلاس، كان رئيسا لأركان الجيش، وعندما انتهت حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 خطب حافظ الأسد قائلا:
«إننا انتصرنا.. لم تحرر الأرض، ولكن حررنا ما هو الأساس، وما لا بد من تحريره أولا، حررنا إرادتنا من كل قيد!»، وفعلا بعد طيّ صفحة حرب أكتوبر، وتقمص الأسد لدور المنتصر مع إيقاف التنفيذ راح، بحجة البحث عن التوازن الاستراتيجي، يستعرض عضلاته في أرض أخرى غير الجولان، فكان تدخله كطرف ثالث في لبنان في الحرب الأهلية اللبنانية، فزج جيشه عام 1976، لقطع الطريق على تقدم جبهة القوى الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، على الميليشيات المرتبطة بالمشروع المناهض للمقاومة، وبذلك وقف في خندق إسرائيل المتخندقة أصلا مع الميليشيات المارونية، اغتالت المخابرات السورية كمال جنبلاط، زعيم الجبهة الوطنية الداعمة لمقاومة إسرائيل عام 1977، وفي عام 2005 اغتالت الأجهزة السورية رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان وقتها، ما أدى إلى انفجار بركان الغضب اللبناني المتراكم في وجه الوجود السوري في لبنان الذي اصبح دولة داخل دولة، اضطر بعدها الأسد الابن على التقهقر!

لا كرامة وطنية ولا إنسانية!
الشرعية الثورية أو الشعبية لا تتأتى جزافا، أو من خلال الضخ المستدام لزخات متتالية من الشعارات الرنانة والشعبوية، التي ليس لها رصيد ملموس في الواقع المعيش، ومثلها الشرعية الانتخابية أو التمثيلية، فهي الأخرى لا تتأتى بإكسسوارات وديكورات تعكس قشور الممارسة الديمقراطية، ففي غياب حرية التعبير وتكافؤ الفرص، وفصل السلطات وسيادة القانون، لا قيمة حقيقية لكل أشكال الدساتير والبيعة والاستفتاء والانتخاب، وتشكيل المجالس النيابية، لأنها جميعا ستكون مجرد أقنعة مطاطة لاستبداد الزعيم الأوحد، أو القائد الضرورة وحزبه وعائلته وجلاوزته، وأصدق مثال على ذلك ما حدث في سوريا بعد وفاة حافظ الأسد مباشرة، فخلال ربع ساعة اجتمع مجلس الشعب لتغيير المادة الدستورية الخاصة بعمر رئيس الجمهورية لتناسب عمر

لا تتحقق الكرامة الوطنية من دون كرامة المواطن، وبالتالي احترام كامل حقوقه ومن ثم تكريس واجباته إزاء الدولة والمجتمع
فالإخلال بالحقوق سيحتم الإخلال بالواجبات

بشار الأسد!
لا تتحقق الكرامة الوطنية من دون كرامة المواطن، وبالتالي احترام كامل حقوقه ومن ثم تكريس واجباته إزاء الدولة والمجتمع، فالإخلال بالحقوق سيحتم الإخلال بالواجبات، وفي الدولة البوليسية حيث يكون المواطن ملاحقا متهما حتى يثبت خضوعه واستسلامه لسلطة الحاكم، تنعدم كرامة وإنسانية، الحاكم والمحكوم، وهذا بحد ذاته دافع أصيل للتمرد، والتفريط الداخلي بالكرامة الوطنية والإنسانية يلازم التفريط بهما خارجيا، وفي عينة نظام الأسد تجسد التفريط الوطني والإنساني بوجهيه الداخلي والخارجي، فالأرض محتلة والعدو يهين بغاراته الدائمة، كرامة وسيادة الدولة، وهي تستأسد على المواطن المغلوب على أمره، وما ظهر في سجون الأسد من فظائع، خاصة سجن صيدنايا، يؤكد لا إنسانية أو وطنية نظامه!

من إدلب إلى غزة الجرح واحد
ما يجري في إدلب وحلب وحماة وحمص ودمشق لا يريح إسرائيل، فالثورة التي تملك بوصلة التغيير من التشرذم والتشاؤم والانكسار والخنوع والنزوح نحو التفاؤل والتوحد، واستعادة كرامة وإنسانية الوطن والمواطن ستجعل من سوريا المستقبل، أقوى وأكثر قدرة على صد وردع العدوان، ومن أي طرف كان، إسرائيل تريد اقتتالا داخليا، تريد انقساما وتقسيما، تريد دويلات متصارعة، وهي متأبطة مع حليفتها الكبرى أمريكا لدعم دويلة كردية شرق الفرات، وإن تعذر عليها ذلك فنفخ الروح في الخلايا النائمة للجماعات الإرهابية وتحت أي مسمى قديم أو جديد، أمر وارد لديها، بخاصة أن الوجود الأمريكي يتحجج بحراك أشباح من الدواعش الجدد، ربما من جنس الذكاء الاصطناعي الذي يُرهب ولا يرى بالعين المجردة، إسرائيل تتمادى بقصفها المتواتر لأغلب المراكز والمطارات العسكرية في دمشق، لتشوش على الأجواء الصافية التي خلقتها الثورة، إسرائيل تلغي ومن طرف واحد اتفاقية فك الاشتباك الموقعة مذ عام 1974، إسرائيل تتوعد بالتوسع لإقامة منطقة عازلة تتحكم بمساحتها في الجولان، إسرائيل تريد استفزاز وابتزاز الثورة وجرها إلى تطبيع غير مشروط، لكن ثوار سوريا الذين رفعوا علم فلسطين على قلعة حلب يدركون مرامي إسرائيل وسيفوتون عليها فرصة الابتزاز، فردع العدوان ليس محصورا بعدوان نظام الأسد.

إسقاط الأسد لا الدولة السورية
باغت الحراك الثوري المسلح الأخير للمعارضة «ردع العدوان» كل المتصيدين بالوضع السوري بسرعته وإقدامه وحنكته، ولم يمنح الأمريكيين والإسرائيليين فرصة، الإعاقة الاستباقية، بهدف إسقاط مقومات الدولة قبل إسقاط الأسد، من خلال فرض مخارج اضطرارية لتفكيك الدولة، كطرح مشروع فدرلة الملل والنحل كعربون لحسن النوايا، بحجة ضمان حقوق الأقليات، وشرعنة ما هو قائم من حدود لمناطق السيطرة، ولم يمنح الروس والإيرانيين فرصة استبقاء دور للأسد في معادلة سوريا الجديدة، كان الدور التركي والقطري أكثر قربا من نبض الثورة وأكثر حرصا على انطلاقتها المتسارعة لما لذلك من عوائد تخدم عملية فك الاشتباك الضروري لإنقاذ الوطن السوري أولا وعوائده على مشكلة النزوح السوري في تركيا.
عدم حل الجيش وأجهزة الدولة المدنية والتنسيق مع مجلس الوزراء السابق، والسعي لتشكيل مجلس انتقالي يقود عملية الانتقال برمتها، ودعوة كل القطاعات لمزاولة أعمالها، ومناشدة الكوادر والكفاءات النازحة والمهاجرة للعودة من أجل إعادة بناء سوريا الجديدة، كلها مؤشرات على الشعور العالي بالمسؤولية الوطنية والإنسانية لدى المتصدرين للثورة وحاضنتها الشعبية.

المصدر: جمال محمد تقي/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى