بعد 11 عاما على أكبر هجوم كيماوي في سوريا.. لماذا لا يحاسب المجتمع الدولي الجناة؟!
“المدارنت”..
مرّ أحدَ عشرَ عاماً على ذكرى مجزرة غوطتي دمشق التي ارتكبها النظام السوري بالأسلحة الكيميائية فجر 21 آب 2013. كان هذا الهجوم الكيميائي الذي استهدف عدة مدن وبلدات بالغوطة الشرقية ومدينة معضمية الشام، وجميعها مناطق محاصرة، أكبر استخدام للأسلحة الكيميائية في الأراضي السورية وفي العالم خلال القرن الواحد والعشرين.
ويستذكر السوريون ضحايا هذه المجزرة ويروون المشاهد المروعة واللحظات العصيبة في تلك الليلة والمعاناة التي واجهتها عائلات الضحايا والعاملون الإنسانيون والكوادر الطبية الذين استجابوا لتلك المجزرة، ويحيون في كل عام ذكرى المجزرة على أمل تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين.
أكدت فرق التحقيق الدولية المسؤولة عن توثيق الهجوم الكيميائي استخدام كميات كبيرة من السارين في الهجوم، وهو أحد الأسلحة الكيميائية الضارة بالأعصاب، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين بينهم نساء وأطفال. وبحجة عدم توقيع النظام السوري على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، لم يتم تحديد الجهة المسؤولة عن هذا الهجوم.
بالنسبة للسكان وذوي الضحايا والناجين، لم يكن لديهم أدنى شك حول مسؤولية النظام السوري عن هذا الهجوم الكيميائي، والذي كان يحاصرهم ويقصفهم يومياً بشتى أنواع الأسلحة بما فيها البراميل المتفجرة والأسلحة الحارقة.
اقتصر التحرك الدولي بالرد على هذه المجزرة على إجبار النظام السوري على تسليم أداة الجريمة من خلال التوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية والانضمام إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتسليم ترسانة الأسلحة الكيميائية. لكن النظام السوري لم يمتثل لبنود الاتفاقية، حيث استمر في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين وعلى خطوط التماس بهدف الحصول على مكاسب عسكرية.
وتعتبر هذه الاستخدامات خرقاً واضحاً لقرار مجلس الأمن 2118 الذي ينص على عدم تطوير أو تخزين أو نقل أو استخدام الأسلحة الكيميائية من أي طرف في سوريا. وفي حال خرق هذا القرار، يتيح للدول التدخل وفق الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة.
التراخي الدولي تجاه النظام السوري، والاكتفاء بمصادرة أداة الجريمة، كان بمثابة إعطائه الضوء الأخضر للاستمرار في هجماته. إذ انتهك اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بشكل صارخ، وأثبتت اللجان الأممية ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) مسؤوليته عن تنفيذ هجمات بعد توقيعه الاتفاقية. وأصدرت فرقها تقارير تثبت ذلك. وفي ظل استمرار هذه الانتهاكات ووقوع عدد كبير من الضحايا بهجمات كيميائية على مرأى ومسمع العالم، يتوارد إلى أذهاننا سؤال منطقي لفهم سبب عدم محاسبة النظام السوري.
هل يمتلك المجتمع الدولي الأدلة على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية؟
تمتلك كل من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عدداً من فرق التحقيق مهمتها ضمان امتثال سوريا لالتزاماتها بموجب الاتفاقية. حيث تمتلك المنظمة ثلاث بعثات بمهام مختلفة، وهي فريق تقييم الإعلان (DAT) مهمته زيارة المواقع وتقييم إعلان النظام السوري عن برنامج الأسلحة الكيميائية الخاص به وضمان عدم وجود أسلحة أو مواد كيميائية داخل الأراضي السورية، وبعثة تقصي الحقائق (FFM) ومهمتها التحقق من ادعاءات استخدام الأسلحة الكيميائية، وفريق تحديد الهوية (IIT) ومهمته تحديد الجهة المسؤولة عن استخدام الأسلحة الكيميائية.
وتم إنشاء هذا الفريق بعدما استخدمت روسيا حق النقض لإيقاف عمل فريق التحقيق المشترك بعد إصداره تقريراً يدين النظام السوري باستخدام غاز السارين كسلاح كيميائي في خان شيخون عام 2017.
خلال السنوات العشر الماضية، قدم الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) ومؤسسات المجتمع المدني السوري عدداً هائلاً من الأدلة والوثائق والشهادات لفرق التحقيق المختلفة بما يخص الهجمات بالأسلحة الكيميائية. وجمعت فرق التحقيق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عدداً كبيراً من الأدلة والوثائق والشهادات وزارت عدداً من المواقع، حيث توصلت لجنة تقصي الحقائق إلى أن الأسلحة الكيميائية قد استخدمت أو من المرجح استخدامها في 17 حالة في الأراضي السورية.
في 9 حالات كانت المادة الكيميائية المستخدمة هي الكلور، وفي ثلاث حالات كانت المادة الكيميائية المستخدمة هي السارين، وفي ثلاث حالات كانت المادة الكيميائية المستخدمة هي غاز الخردل.
وخلصت نتائج التحقيق التي قام بها المحققون الدوليون التابعون لكل من فريق تحديد الهوية وفريق التحقيق المشترك، إلى مسؤولية النظام السوري عن استخدام السلاح الكيميائي في تسع هجمات حتى تاريخ كتابة هذه المقالة. وكان أبرزها هجوم خان شيخون عام 2017 وهجوم دوما 2018 وهجمات اللطامنة 2017 وسراقب 2018.
أما بالنسبة لفريق تقييم الإعلان، عرض المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية خلال إحاطته لمجلس الأمن نتائج التحقيقات والمشاورات التي قام بها الفريق، حيث كشف عن وجود عدد كبير من الخروقات، موضحاً أن إعلان النظام السوري بخصوص مخزونه من الأسلحة الكيميائية غير دقيق. وبحسب التقرير الصادر عن المدير العام للمنظمة، أكد من خلاله اعتراف النظام السوري بوجود مركز لتصنيع الأسلحة الكيميائية، وأربعة مرافق إضافية للبحث والتطوير، وخمسة عوامل حرب كيميائية غير معلن عنها سابقاً، وكميات كبيرة من عوامل الأسلحة الكيميائية غير المعلنة سابقاً، إضافة إلى استهلاك كميات كبيرة من سلائف وذخائر عوامل الحرب الكيميائية في أنشطة اختبار الأسلحة الكيميائية.
إن جميع هذه المعلومات والتقارير نُشرت على الموقع الرسمي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وعرضت على الدول الأعضاء في المنظمة، وعرضت على مجلس الأمن الدولي تنفيذاً للقرار الدولي 2118 الذي ينص “على إطلاع مجلس الأمن على التقدم المحرز بخصوص برنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا”. وهي ليست بمعلومات سرية.
بالتأكيد، يمتلك المجتمع الدولي جميع الأدلة والوثائق وأيضاً الحقائق على انتهاكات النظام السوري لقرارات مجلس الأمن الدولي ولاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، ونقضه وعدم امتثاله للاتفاقيات الدولية وخرقه الواضح للقانون الدولي الإنساني ولقانون حقوق الإنسان.
ولكن من الواضح أن لا أحد من المجتمع الدولي لديه الرغبة الحقيقية بمحاسبته. أما بالنسبة لنا كسوريين، فنحن ملزمون انطلاقاً من واجبنا الأخلاقي تجاه الضحايا وذويهم بالاستمرار في توثيق هذه الهجمات وكافة الانتهاكات التي تحصل ضد المدنيّين داخل الأراضي السورية والعمل حتى تتحقق العدالة. لا يمكن لأي منا أن ينسى ذلك اليوم، فجميعنا خنقنا وتألمنا لما شاهدناه، ومن واجبنا كسوريين أن نقف صفاً واحداً ونتضامن مع الضحايا ونقف معهم إلى أن تأخذ العدالة مجراها وتتم محاسبة جميع المجرمين.