بكائيةٌ بثوب الحياة على جثّة الـ2020..!
خاص “المدارنت”..
ما العمرُ، ما نحن، ما معنى العبـور
بـــــه أليـس أوّلـــهُ وهـمــــاً وآخــرُهُ؟
نــظـلُّ نـلـبــسُهُ رَثّـاً ومهتــــرِئـــــــاً
حتــى ولـــو زالَ بالـتـرقيعِ أكثـرُهُ
وكـلّـمــــا مــن عُـراهُ حَـلَّ واحــدةً
رحنا بما ظــلّ مـن عمرٍ نُـزَرِّرُهُ
هذا الحطــامُ الذي قــد سُنَّ من حَمَأٍ
من طــين أجسادنا كـــانت مقـابرُهُ
إنَّ الــذي تـتـــحرّاهُ رواحِــــلُـنـا
هـــو السراب وتغري الناسَ أَنْهُرُهُ
والوهمُ ظــلَّ طوالَ العمرِ خـمرتَنا
نَســقي ونُسـقَى وتُغـرينا معــاصرُهُ
يا عامُ أرثيكَ، كـنّا في الطريق مـعاً
بعضُ العَداءِ حقوقُ الدربِ تزجرُهُ
فإنْ رَثَيْتُكَ كــان الجرحُ ينطـقُ بي
والجــرحُ يبــدو عـلى السِكِّينِ آثَرُهُ
فــكم تمرّدَ قلـــبٌ فــي جنــازتِــــهِ
شــوقاً إلــى خنجرٍ قـد كان ينحرُهُ
خُذِ الطـريقَ إذا مـا شئتَ يا قدَري
والدربُ ليس يُــرى بالموتِ آخرُهُ
أنّى تشائين كوني أنتِ يـــا طرُقي
أذى ومنجىً، فأغلى الدربِ أخطرُهُ
وهــل يُوارى نزيفٌ والضياءُ بـه
وسالَ فـــوقَ همومِ الدربِ أطهرُه!
أرَقْـتُهُ، لــم أنَـــمْ يــوماً بـلا تعـبٍ
ولا عــنــادٍ بــــلا هَــــــمٍّ يُسـامـٍرُهُ
وكنتُ أصـحو إذا ما زارني وطني
وراح يــحنو على جــرحي ويغمُرُهُ
نـذرتُ عمـري لأشواقٍ، فهـا أنـذا
أشتاقُ، والعــمر ُ قـد حُــلَّتْ أواصِرُهُ
أحبَبْتُ في غربتي حتى الأُلى ظَلَموا
وكنتُ أرثي لـمن لم يَصْفُ جوهرُهُ
دعِ النزيفَ يعاني من غزارتِــــــــهِ
فـلـيس يــــجـمـعُــهُ إلاّ تـــــفـجّــرُهُ
وزّعْتُ حزني عـــلى الدنيا فأثمَلَها
والــدهر ُ يُسْــكِرُني حـــيناً وأُسْكِرُهُ
لا أعشقُ العمرَ سهلاً لا خطوبَ بهِ
والعــــمرُ أجــدرُهُ بالمـوتِ أيســـرُهُ
والروح لا تكتسي إلاّ إذا عَرِيَتْ
والقلبُ يصبحُ حـــرّاً حــين تأسُرُهُ
هذا الحنينُ الذي تطــغى منــــابعُهُ
قد كان تنبع من عــينيَّ أنـــهُــرُهُ
ورغمَ هـــذا ســأبقى مُشْرِعاً سُفُني
ولْيَعلمِ الشطُّ، في صـدري بواخرُهُ
لاشيءَ يعبرُ في جرحي سوى دمِهِ
روحُ الألوهةِ فيه وهــــو يكسـرُه
لا يُمْرِعُ الحبُّ في التوْبادِ من مطرٍ
إن لم يكنْ قيسُ من ليلاهُ يُمْطرُهُ
دنا، ونـاولني حــزناً لأشربَــــــهُ
فرحـتُ أشــربُهُ والدهــرُ يعصرهُ
وقال: لا تــحسُ أحزاناً مــجربةً
فأنْضَرُ الحـزن فــي الأرواح أنْدَرُهُ
هم خاصموني على جرحي فقلتُ لهمْ
خذوا الضِمادَ، فـــجـرحي لا أغَيِّرُهُ
ورحتُ أمشي، وجرحي في الطريق
معي والجرحُ يصبحُ جرحاً حين تخسرُهُ
وألفُ “جلجامشٍ” قد كان في جسدي
يـمشـي إلى جـدِّهِ والمـوتُ ينــظرُهُ
ولم تكنْ حانُ “سيدوري” لتُـقـنِعَهُ
أنّ الحــياة وإنْ طــالتْ تــــغادرُهُ
قد مرَّ منك على الدنيا فمٌ ودمٌ
وســورُ “أوروكَ” للــدنيا تُـــعَمِّرهُ
“ننسونُ” أمك كم غذتْكَ من دمها
لكـــنما الــموتُ في الإنسانِ جوهرُهُ
قرأتُ عنكَ على الفـخّارِ ملحمةً
لم تُبْقِ منكَ سـوى طــينٍ تُسَوِّرُهُ
لكــنّ أمــنيةً رَفّتْ عــلى جـدَثٍ
تــعلو على القبر والحفارُ يـحفرُهُ
يا عُمْرُ، إنَّ الأماني بـنتُ لهفتِنا
والقـلبُ أنـضرُهُ خــصباً مــجامرُهُ
وكــلُّ أمــنـيـةٍ كـانـت تســاورنا
سَــوَّتْ مــقابرَنا كــوْناً نُــــعَمِّرُهُ
في السور قد صاغها جلجامشٌ عُمُراً
وقرنُ “ثور السما”، ” أوروكُ” تكسِرُهُ
وراحَ يمخُرُ بحراً للخلودِ على
وهمٍ وكانت مياهُ الموتِ تــمخُرُهُ
واحتازها المتنبي وهو يصرخُ في
خيلِ الـزمانِ: أنا موتي سـأعــبرُهُ
وردّها عن رهينِ المحبسيْنِ عمىً
عـمرُ العباقرِ ليس الموتُ يُبصِرهُ
والقبرُ في دير “مار سركيس” تُخْصِبُهُ
“سلمى كرامي” بحبٍ لا يُغادرُهُ
وحــولَهُ شـجراتُ المـوتِ يـابسةٌ
ما أخصبَ القبرَ، والقِمّاتُ تَنْطرُهُ
“نَـبِـِيُّــهُ” كــان قلــبُ اللهِ حانتَـهُ
ولـــيس فــيه سـوى ضوءٍ يعاقرُهُ
روحُ الألوهةِ من فَخّارِنا صُنِعتْ
لا يـــبـرحُ اللهُ شـيئاً، وهـو فـاخِرُهُ
سَكَبْتُ حبّي على جرحي فأسْكَرَهُ
والكرْمُ يسكبُهُ فـي الكأسِ عاصِرُهُ
رأيتُ موتاً يعاني مــن جنازتِـهِ
فـقـلتُ جـيلٌ يرجُّ الـمـوتَ يـعبـرُهُ
سلكْتُــهُ أمَّتي كـانت بــلا قـــدَمٍ
تــهفو إلى وطـنٍ أغـناهُ أفقرُهُ
أعطـيتُها كلَّ ما يحوي دمي وفمي
واليومَ يشمتُ بي جسمي وأزجرُهُ
وقلتُ: إنّ سراباً لا جـفافَ بـه
يـظلُّ يغري فــماً جَـفَّتْ مواطرُهُ.
********************************