“المدارنت”..
اعتادت إسرائيل في كل حروبها السابقة، قبل السابع من أكتوبر الماضي، على خوض الحروب السريعة والخاطفة، كما هو معروف، ونقل الحرب، على وجه السرعة، إلى أراضي الخصم، لكنها اليوم تواجه حروباً من نوع آخر، لعل أحد أبرز وأهم عناوينها أن العمق الإسرائيلي لم يعد محصناً، وأنه بات قابلاً للاستهداف في أي وقت، كما أن نقل الحرب إلى أراضي الخصم لم يعد متاحاً كما كان.
في السابق، غالباً ما كانت إسرائيل تلجأ إلى ما تسميه «معارك بين الحروب» ضمن استراتيجية الردع التي تنتهجها، أي أنها كانت تشن عمليات خاطفة ومحدودة ضد أهداف بعينها خارج الجغرافيا التي تسيطر عليها، وهي لا تزال تستغل أي ثغرة لتنفيذ مثل هذه العمليات، ومن ذلك عمليات الاغتيال أو قصف أهداف عسكرية وما شابه، دون أن يعترضها أحد.
لكنها اليوم باتت تواجه ردوداً قوية من جبهات متعددة تطول العمق الإسرائيلي، وهو ما يعكس، في الواقع الراهن، مأزقاً خطراً لم تشهده إسرائيل منذ إنشائها، فبعد ما يقارب العام من حربها على غزة، لم تتمكن من حسم هذه الحرب أو تحقق أياً من أهدافها المعلنة، رغم أنها تملك واحداً من أقوى الجيوش في العالم، إلا إذا كانت تعتبر ارتكاب المجازر وإبادة المدنيين الفلسطينيين، والحصار والتجويع جزءاً من أهداف الحرب.
الحقيقة الماثلة للعيان أن الجيش الإسرائيلي الغارق في وحل غزة، بات منهكاً ولا يستطيع خوض حروب جديدة، بعدما بات يواجه حرب استنزاف قد لا يقوى على احتمالها إلى ما لا نهاية، ولعل أبرز ما كشفته حرب غزة، أن الأمن الإسرائيلي مرتبط ارتباطاً عضوياً بالدعم الأمريكي، وأن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه مواصلة الحرب بدون هذا الدعم، فيما الولايات المتحدة لا تزال تبدي عزوفاً عن الانجرار للانخراط المباشر في حرب إقليمية واسعة قد تتطور إلى حرب دولية كبرى.
مع ذلك يواصل القادة الإسرائيليون، منذ أشهر، تهديداتهم بتوسيع الحرب، بغض النظر عن الأسباب، سواء كانت شخصية أو سياسية، كما يرغب نتنياهو من خلال سعيه لإطالة أمد الحرب، أو لأسباب تتعلق بضغوط الجبهة الداخلية لاستعادة ما يسمونه الهدوء وإعادة مهجري مستوطنات الشمال، إلا أن الرغبة شيء والواقع شيء آخر.
الواضح حتى الآن، أن هذه الرغبة تتعارض مع موقف الولايات المتحدة الذي يميل إلى التهدئة وعدم توسيع الحرب، ليس فقط لأسباب تتعلق بالانتخابات التي تعيشها، وإنما لقناعتها بأن إسرائيل ستفشل في تحقيق أهدافها من وراء توسيع الحرب، ولن تستطيع إعادة مهجري الشمال، ناهيك عن نتائجها الكارثية، وفق ما يقول أحد المسؤولين الأمريكيين، الذي يرى أن الضغوط ستؤدي، في النهاية، إلى البحث عن تسوية سياسية شبيهة بما تطرحه الولايات المتحدة اليوم، لكن بعد أن تكون إسرائيل قد تكبدت كلفة بشرية وتدميرية هائلة.
مقالات