مقالات

ترامب و”أيديولوجيا الذهب الأسود”.. حرب على البيئة والمناخ!

ترامب

“المدارنت”..
بالتصميم نفسه الذي أعلن فيه دونالد ترامب شطب قانون الرعاية الصحية الذي عرف «بالأوباما كير» حال وصوله إلى البيت الأبيض قبل ثماني سنوات، دشن الشعبوي الشرس واللاذع ولايته الجديدة باستهداف معالم ولاية سلفه جو بايدن، بل لم يوفر ترامب له الكلام السلبي وبحضوره، متعهداً هذه المرة بالقضاء على «الصفقة الجديدة الخضراء» برنامج التحول على صعيد مصادر الطاقة، الذي عدّه الرئيس الديمقراطي السابق على رأس إنجازاته.
أعاد ترامب ربط قوة بلاده باعتمادها على الطاقة الأحفورية، مشدداً على أن «لدينا شيئا لن تملكه أي دولة صناعية أخرى أبدا: أكبر كمية من النفط والغاز مقارنة بأي دولة أخرى في العالم. وسنستخدمه مرارا وتكرارا. سنخفض الأسعار، وسنملأ احتياطياتنا الاستراتيجية مرة أخرى حتى تمتلئ تماما، وسنصدر الطاقة الأمريكية إلى جميع أنحاء العالم. سنعود لنكون أمة غنية، وهذا الذهب السائل تحت أقدامنا هو ما سيساعدنا على تحقيق ذلك».
كلام ترامب عن العصر الذهبي الموعود في ولايته الثانية هذه ينطلق من هذا الجحود بالأجندات البيئية، والعودة مجدداً الى أولوية «الذهب الأسود». في جزء منه يأتي ذلك في وقت زادت فيه الحاجة إلى مصادر الطاقة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي، وفي سياق دولي يفتقر فيه أخطر منافس صناعي للغرب، الصين، إلى المواد الأولية كما إلى مصادر طاقة محلية إلى حد كبير،
وفي ظل وضع ملتهب بمنطقة الشرق الأوسط سيزيد من أهمية استحواذ الولايات المتحدة على مصادر الطاقة فيه، الأمر الذي سيفترض سياسات متشددة بصرف النظر إذا كانت ستمتنع عن التدخل العسكري المباشر، الذي نجح ترامب في ولايته الأولى في تفادي كل استغراق فيه، مع الاكتفاء بضربتين، واحدة للنظام السوري بعد الهجوم الكيميائي على خان شيخون، وثانية متمثلة بقتل القائد في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

يدخل العالم لحظة محتدمة تراكم على سابقاتها، مسألة القبض على مصادر الطاقة وتسخيرها لصالح القوة الإمبراطورية العظمى سمة أساسية فيها. هي لحظة الضرب عرض الحائط بعصارة عقود من الوعي البيئي الكوني المتصل بقضايا المناخ والتنوع الحيوي والاحتباس الحراري والاقتصاد المستدام. سهل الانقضاض على هذا التراكم في الوعي البيئي بسبب عدم قدرة من رفع لواءه على دمج قضايا البيئة بشكل ملتحم وملموس أكثر بقضايا الإنسان والعمران.
أما في كلام ترامب، وأبرز الوجوه المنخرطة في إدارته الجديدة أو الداعمة لها، يتشابك الجحود بالوعي البيئي بهجوم محافظ شعبوي على طول الخط: إعلان حالة الطوارئ الوطنية على الحدود المكسيكية، إلغاء حق الحصول على الجنسية بالولادة، الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، إعادة تسمية «خليج المكسيك» إلى «خليج أمريكا» زيادة إنتاج النفط بكل انعكاسات ذلك على الأسواق، إلغاء الإعانات المخصصة للمركبات الكهربائية، فرض تعريفات جمركية على عدة دول، بما في ذلك الصين وكندا والمكسيك والتوجه نحو استعادة السيطرة على قناة بنما.

لأجل كل ذلك، مواجهة الهجمة اليمينية الشرسة الحالية، وحملها على التروي، لا يمكن أن تستقيم بمجرد الاطمئنان إلى أن ترامب «رجل الصفقات» يبيع ويشتري. هذا الجانب ليس وهمياً، ولا هو بتفصيل، لكن ترامب أيضا يفكر بعقل أيديولوجي، يربط المسائل ببعضها البعض وفقاً لتصور معين للقيم، لشكل العلاقات الأمثل بين الأمم وداخل كل مجتمع. في مواجهة هذا العقل الأيديولوجي الساخن، القادر في الوقت نفسه على اجتذاب شريحة واسعة من الجمهور، يقتضي الاعتراف بأن المضادات الحيوية لهذه اللحظة الترامبية العائدة ليست في أفضل حال، لا في أمريكا ولا عبر العالم.

المصدر: رأي “القدس العربي” اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى