ترامب ونتنياهو.. على أيّ نار تُطبخ المفاجآت؟!

“المدارنت”..
خلال زيارته الأولى إلى واشنطن في شباط/ فبراير الماضي، وكان أول مسؤول خارجي يلتقي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد تدشين ولاية رئاسية ثانية، تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي من البيت الأبيض هدية مفاجئة تمثلت في مشروع «ريفييرا غزّة» الذي يتضمن اقتلاع أهالي القطاع من أرضهم وتهجيرهم إلى مصر والأردن. ورغم أن الفكرة الحمقاء تراوحت بعدئذ بين التسويف أو إعادة التعريف أو التأجيل، فإن نتنياهو لم يتأخر في الانقضاض عليها لأنها توفّر تطبيقاً عملياً لسياساته العنصرية والاستيطانية، وتُسكت أصوات وزرائه ممثلي أحزاب اليمين الديني والقومي المتشدد والفاشي.
وأما خلال زيارته الثانية فقد اتخذت مفاجآت ترامب وجهات مختلفة ومتنوعة، ابتدأت من إلغاء المؤتمر الصحافي المشترك قبل دقائق من موعده لأسباب لم تُعلن، ومرّت بتعثّر الحديث عن إعفاء دولة الاحتلال من الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على صادرات دولة الاحتلال بمعدل 17٪، وبتشديد ترامب على صداقة خاصة تجمعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتستوجب من «بيبي» أن يمرر توتره مع أنقرة عبر وساطة الرئيس الأمريكي، وصولاً بالطبع إلى تعهد ترامب بأن يفي بوعده الانتخابي حول إنهاء «الحرب» في غزة خلال رئاسته الثانية.
ولعل المفاجأة الأكبر كانت إعلان ترامب عزم واشنطن على التفاوض مباشرة مع طهران حول تقييد برنامجها النووي، الأمر الذي يُبطل الكثير من آمال نتنياهو في تنفيذ ضربات مشتركة أمريكية ــ إسرائيلية ضد منشآت نووية وحيوية إيرانية. والمعلومات التي أشارت لاحقاً إلى أن ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، سوف يترأس الوفد الأمريكي إلى مفاوضات مع إيران تحتضنها العاصمة العُمانية مسقط، عكست من جانب آخر مقادير الارتباط بين ملفات المنطقة المختلفة كما بات يتولاها ويتكوف، أكثر مما يفعل وزير الخارجية الأمريكي نفسه.
في مقابل هذه الحلقات الأحدث من مسلسل مفاجآت ترامب، لم يتأخر نتنياهو عن تكديس آيات المديح لسياسات واشنطن وأمعن في النفاق والتملق والتزلف حتى حين ذهب الرئيس الأمريكي إلى درجة التصريح بأن الولايات المتحدة تمنح دولة الاحتلال 4 مليارات سنوياً و«هذا كثير». سلوك نتنياهو كان، كالمعتاد، أقرب إلى ألعاب الحواة من منطلق إدراكه بأن أقوال ترامب لا تعيق الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وأن هذا الرئيس الأمريكي بالذات قدّم إلى حكومة نتنياهو تحديداً من الهدايا الثمينة ما لا يُقارَن بأي مفاجـأة.
وغير بعيد عن المنطق البسيط أن هذه المفاجآت تُطبخ على نار هادئة تارة ولهيب متقد تارة أخرى، كأن يتمسك ترامب بقراراته حول الرسوم الجمركية العالمية بما لا يتيح استثناء دولة الاحتلال من لائحة 180 دولة، أو أن أصداء تحرك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القاهرة والعريش والقمة الثلاثية مع الرئيس المصري والعاهل الأردني تبلغ أسماع مستشاري البيت الأبيض، وما بين هذه وتلك ما يتعاظم من هلع جراء الهبوط الحادّ في بورصات كبرى على امتداد أرجاء العالم الرأسمالي.