مقالات

ترحيل “الجمهورية” إلى ما بعد غزة!

أديب الحاج عمر/ لبنان

خاص “المدارنت”..
ان ممارسة الأعمال السياسية الدولية العالمية، وتحقيق مكاسبها وأهدافها، يحتاج إلى تخطيط وتنظيم وإشراف، ثم توزيع الأدوار العملية التنفيذية، التي تتراوح بين مدِ وجزر، بين العلن والخفاء، ثم تبدأ المشاركات العملية في تقدم وتراجع، فيطفو الوجه.
قد تبدو للعيان حقائق مباشرة لمشاريع تعمل بها أوهام التحليل وكثرة الكلام، بين الأخذ والرد، فتحولها إلى اجترار علكة، لا طعم فيها ولا فائدة، ولكن المباشر منها وما بطن، إنما يمثل حقيقة وجوهر أهدافها المرجوة تحققها، ولو طال بها الزمن، ومهما تركت من بصمات تخريبية دموية، ومهما حصل، لا بد لها من التحقق، وتحقق أهداف من زرع بذورها، في التخطيط والتنظيم وتوزيع الأدوار العملية، (رأس حربتها العالمية اميركا، إلى جانب من تشركهم في تحالفاتهم، وفي الوقت نفسه، يظهرون العداء لأميركا.)
ونحن هياكل دول وأنظمة قائمة، نحن الضحية، ونحن من ألبسونا لباسًا مُحمّل بشعارات وأسماء ومصطلحات، تجعلنا ظلال ابطال قياديّين محرّرين، نلهث خلف أنظمة تمدنا وتساعدنا (كما يتهيأ لنا) بالعدّة والعديد، بالسلاح والاموال، لكن حقيقة الأمر، فإنها جزء أساسي من تلك الأدوار الموزعة بين الأنظمة المتامرة المتداخلة في تحقيق مصالحها على حساب تلك الشعوب المتنازعة المتحاربة.
ليست الأزمة اللبنانية، أزمة حدود دولية، ولا أزمة دستور وقوانين، إنما ازمتنا، أزمة ثقافة، أزمة مبادئ واخلاق، أزمة طوائف ومذاهب، أزمة انصياع وانبطاح، والأزمة الحقّة إنما تتمثل بنا كأهل سلطة وزعامة، وبكل ما تمثله، من أدوات تنفيذ ،وأحجار شطرنج ، ومواقف مدمرة وعنف دموي وسلاح قاتل. أولئك هم الذين جعلوهم ممثلين لزعامة الطوائف، على الرغم من أن أياديهم قد اصطبغت بالدماء، وعلا نفوسهم الكذب والنفاق. لقد أورثونا تلك الثقافة التي استنبتوها في صدورنا فعلت غشاوتها ضبابا، فاعمت بصيرة الشعوب، وعطلت جوهر العقل والتعقل، وغلبت المصلحة الشخصانية نفوس اؤلاءك الزعماء المتسلطون.
لقد تفاقمت الأزمة اللبنانية، أزمة الجمهورية، وتخلخلت قواعد نظامها الدستوري منذ دخول لبنان الحرب الاهلية، عام الأربعة والسبعون من القرن الماضي، ولربما الأصح، تعود بدايتها لعام الاحتلال الصهيوني لدولة فلسطين العربية.
نعم، لقد دخل لبنان، أزمة نظام بطيئة، ولا تزال تداعياتها، تسمم والوقت الحياة السياسية الوطنية اللبنانية، حيث وجهت الأحزاب القومية والاممية، حركة جماهيرها المناضلة نحو بؤرة من الاحتضار القسري، مما أدى إلى انهيارها وفشلها على الساحة اللبنانية، (الإسلامية منها والمسيحية على السواء). وسبب ذلك في انتقال قادتها المحليين، من الحلم إلى الواقع، إضافة إلى ذلك، فقد استنبتت الحرب الاهلية احزابا وحركات، سياسية ودينية، متطرفة ومتعصبة، واستلم قيادتها، من أمراء وسلاطين، من زعماء ورؤساء، ممن اتصف بالانانية الشخصانية والتعصب الحاقد الاعمى، وحب السيطرة من ضعاف نفوس المجتمع واسفههم مجونًا وكراهية. مما أدى إلى تسرّب وتفلت العناصر البشرية الحرة، من الرجال القادة القدوة، ومن ذوي العقول الراجحة، ومن أصحاب المبادىء الشريفة، للانكفاء نحو مجتمعهم الصغير، احتراما وقدراتهم الفكرية، العلمية منها والعملية، وتقديرا لانسانيتهم، وفاءً واخلاصًا لمبادىء حملوها، لواء عزة ومفخرة لاجيال مضت.
لقد وُسٍد الأمر لغير اهله، وهذا يعني، ضياع عام، ضياع قيم واخلاق، ضياع مبادىء وأصول تشريع، ضياع العدالة برأسها القضاء، لقد ضاع حق وضاع الوطن وضاعت الجمهورية. والسبب ما حققته تلك الأدوار الموزعة بين الأنظمة والدول، بين مواقف زعماء السلطة اللبنانية من أصحاب قرارات الأمر الواقع. فالهدف الظاهر المعلن، لدى دول العالم والدول الاقليمية، دخول قوات عربية رادعة، من أجل وقف الحرب الاهلية اللبنانية، بعدها وقع المحظور، وتفرد النظام السوري المهمة، فالحكم قبضته الحديدية عنق الزجاجة اللبنانية، ومن خلال ثقافته الخاصة، وخلال ما أوكل اليه، دار وحكم ونظم.. البلد المنهك المتهالك، من خلال حاكم متصرف، ومفوض سامي، اسند له الأمر. فقام بدوره كما يجب وزيادة، فكان المخلص لاسياده في تحقيق أهداف ما خطط له خفية وباطنا، والذي هو الهدف الاساس
وهو الجوهر اللب، في إشعال نار الحرب، حرب أهلية لا فرق لديها بين هذا وذاك، فاصابت نار شظاياها، كل لبناني، فردا واسرة ومجتمعا ووطنا، فالكل تألم وخسر وجاع وتهجر. ولكن حقيقة الاهداف: فالمباشر حرب أهلية طائفية، وغير المباشر تختصر عملية إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، بعد أن لم تنجح بانهاءها وتسليم سلاحها، أمام قوة التحام الشعب اللبناني بالمقاومة الفلسطينية واتحادهما، رغم المشاركة العدائية، الأميركية/ الصهيونية العالمية والإقليمية.
واستمرت الازمة، بما تشكل من رؤوس طوائف ومذاهب حتى تمثل نظامنا المتهالك، وتمادت أزمة الجمهورية اللبنانية، من رأس الهرم إلى أصغر ما يؤثر في قاعدته. لقد سقط القناع، وسقط كل شيء، واسكتوا والافواه الحرة، وحولوا المؤسسات إلى بؤر ميليشياوية عسكرية، وافرغوا المناصب من مهامها، جاعلين منها هياكلًا تحركها نسمات ريح أن هبّت، وايضا، في أروقة الوزارات، تمرر المشاريع والصفقات المشبوهة، تحت اسم تسويات تخدم أصحاب المواقع الحساسة في سياستهم، لاستمالة شخصياتهم المعروفة، بيعا وشراء، حتى تكسب جانبها وتستر عيوبها.
فالتوجه السياسي اللبناني العام، ذاهب إلى ديمومة الاغتصاب، بما وضع عليه، بوضعه فوق بساط الريح، ثم الترحيل، ترحيل الجمهورية إلى ما بعد غزّة، وما بعد بعد غزة.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى