مقالات

تهديدات ترامب لمصر والأردن بتهجير الفلسطينيين إليهما!

الرئيسان الأميركي ترامب والمصري السيسي

“المدارنت”..
قبل أقل من أسبوع دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كلا من مصر والأردن إلى استقبال المهجرين الفلسطينيين من غزة، ووجه الخطاب مباشرة إلى كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، محاولا الدفع بحجة أن الولايات المتحدة الأمريكية ساعدت مصر والأردن في السنوات الماضية، يما يفهم منه أن المساعدات الأمريكية، سواء في بعدها العسكري (مصر) أو العسكري والاقتصادي (الأردن) ستكون مرتبطة باستحقاقات تتعلق بدورهما في تسوية مشكلة غزة على الطريقة الأمريكية.
رد فعل كل من الأردن ومصر كان فوريا ولم يتأخر، فوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أكد أن موقف بلاده لم يتغيّر في رفض التهجير، وأن حل القضية الفلسطينية في فلسطين، والأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين، وأن حلّ الدولتين هو السبيل لتحقيق السلام»، أما مصر، فقد أكد الرئيس عبد الفتاح السياسي أن تهجير الفلسطينيين ظلم، وأن مصر لن تشارك فيه، بينما اعتبر وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن تهجير الفلسطينيين جريمة، وأن بلاده ترفض تصفية القضية الفلسطينية عبر خطط إفراغ فلسطين من سكانها وإرسالهم إلى مصر والأردن.
الكثيرون فوجئوا بتصريحات الرئيس دونالد ترامب، واعتبروا أنه لا يختلف في رؤيته عن اليمين المتطرف “الإسرائيلي”، لكنهم أبدا لم يطرحوا التساؤل كيف يضغط الرئيس الأمريكي الجديد على هذا اليمين من أجل تمرير صفقة تبادل الأسرى، ويغض الطرف على إصرار “إسرائيل” على ربط إنهاء الحرب بالقضاء على “حماس” عسكريا وسياسيا، ومنع عودتها لحكم غزة.
ثم يدعو بعد ذلك، إلى حلّ ربما يكون السبب في إشعال حرب أكبر من (عملية) “طوفان الأقصى” نفسها، وهل حدثت متغيرات أعطت ثقلا إضافيا لإسرائيل في موازين القوى حتى تجعل الرئيس الأمريكي يصدر هذه الدعوة الأشبه بالتهديد لكل من مصر والأردن؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تكتيكا يروم تحقيق أهداف أخرى؟

لننتبه، أن الرئيس الأمريكي أشار في دعوته الملغومة هذه إلى قضية المساعدات الأمريكية، ثم لننتبه أنه تعامل مع مصر والأردن في هذا الملف، بمعيارين مختلفين، فاستبعد الأردن من المساعدات الاقتصادية والعسكرية خلال التسعين يوما القادمة، وأبقى المساعدات العسكرية لدولتين فقط هما إسرائيل ومصر.
المنطق الرياضي، يقول إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تربط بين المساعدات وبين انتزاع القبول باستقبال المهجرين الفلسطينيين، فمصر والأردن سواء في استثنائهما من المساعدات إلا أن حصلت الولايات المتحدة من مصر بتعهدات تخالف تصريحاتها المعلنة برفض سياسة التهجير، وأنها ظلم وجريمة لن تشارك فيها القاهرة.
لكن المنطق السياسي يقول شيئا مختلفا، فمصر والأردن، لهما موقف واحد ثابت، لا يختلف سره عن علنه، وأن الولايات المتحدة الأمريكية، أرادت قصدا أن تحدث هذا الفرز، ليس كما يدعي بعض المسؤولين الأردنيين، ضمن سياسة التهدئة، أن هناك فرقا بين وضع مصر التي تستقبل المساعدات الأمريكية ذات الطبيعة العسكرية فقط، بينما الأردن معنية بالمساعدات الأمريكية ذات الطبيعة الاقتصادية والعسكرية، وأن مدة تسعين يوما، إنما هي فترة مؤقتة للمراجعة والتقييم، ولا تتعلق بأي قرار لاستثناء الأردن
في تقديرنا الفرز مقصود، وأكثر منه، أن الرئيس الأمريكي، كان يعلم أن مصر والأردن معا، سيرفضان فكرته وبشكل حاسم، وعلى الفور، فعين الرجل ليس على سياسة تهجير يدرك أنها فشلت بالخيار العسكري والتحالف الدولي الداعم لإسرائيل، فكيف يراهن عليها في لحظة الانفراج السياسي، ودخول الصفقة حيز التنفيذ، وحديث المجتمع الدولي على ضرورة أن تتحول هده الصفقة إلى أرضية تسوية نهائية وخطة سلام تتأسس على حل الدولتين، إنما عينه على ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه، ولا تملكه من رؤية تتعلق بغزة ما بعد الصفقة.
كثير من المراقبين يرون أن القرار الأمريكي باستثناء الأردن من المساعدات الأمريكية، ولو خلال مدة التسعين يوما، هو قرار غير مفهوم، ولا يتناسب مع زخم العلاقات الأردنية الأمريكية، والأدوار الكبيرة التي قامت بها الأردن في منع استعمال مجالها الجوي للهجوم على إسرائيل خلال مدة الحرب على غزة، فعلى صعيد هذه العلاقات، فقد وقعت عمان مع واشنطن في سبتمبر 2022 مذكرة تفاهم متطورة ومتعددة السنوات (2023-2029) تنص على تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية لفائدة الأردن لا تقل عن 1,45 مليار دولار أي ما يزيد بحوالي 14 في المائة عن ما تضمنته مذكرة التعاون السابقة.
وكما لم يتفهموا التجميد (المؤقت) لهذه المساعدات، لم يتفهموا أيضا سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السفيرة الأمريكية يائير لامبرت في الأردن دون تعليل مفهوم.
من الواضح أن الرئيس الأمريكي يتمسك بأسلوبه المعهود باللعب بكل الأوراق من أجل ممارسة الضغط على مصر والأردن، بطرق مختلفة، تعتمد منهجية الفرز والازدواجية في التعامل، حتى يضغط على الأردن أكثر، ويبقي خط التواصل مع مصر، ويمنع من حصول تنسيق فعال بين الأردن ومصر في اتجاه البحث عن موقف عربي مشترك رافض لرؤية ترامب، وداعم للبلدين العربيين، وأنه يقصد في نهاية المطاف، أن يضعهما معا أمام مسؤولياتهما للمشاركة في سؤال اليوم التالي في غزة.
فالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، تنأى بنفسها جميعا أن تكون قواتها جزءا من الحل في غزة، لأنها لا تريد مواجهة مباشرة مع حماس ولا فصائل المقاومة الفلسطينية، لكن في المقابل، لا يوجد أي حل مطروح على الطاولة ما دامت الدول العربية، وفي مقدمتها مصر والأردن ترفض القيام بنفس الدور.

لنفهم جيدا تصريحات آدم بوهلر مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون الأسرى الإسرائيليين، بمطالبة مصر والأردن بتقديم بديل عن استقبالهما الفلسطينيين بعد دعوة ترامب إلى تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، فمصر والأردن من ناحية المبدأ والسياسة، ليستا مسؤولتين عن الوضع في فلسطين، وليستا جزءا من الصراع مع إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، ملتزمة بمقتضى مخططات السلام واتفاقات التسوية، وفي مقدمتها اتفاق أوسلو، بحل الدولتين، ومع ذلك، وضدا على الشرعية الدولية، يتم إلزام مصر والأردن بتحمل أعباء حل لم تستطع إسرائيل وحلفاؤها من الدول الغربية القيام به سواء بخيار الحرب، أو بخيار السلم.
في التقدير، أن الرئيس الأمريكي يلعب لعبة كبيرة، لا تهدف بالضرورة إلى التهجير، ولا حتى إلى إلزام مصر والأردن بأن يجهزا بديلا للواقع في غزة بعد وقف الحرب، وإنما أقصى ما تهدف إليه، أولا إقناع اليمين المتطرف الإسرائيلي بالاستمرار في تنفيذ بنود الصفقة وعدم العودة للحرب، ثم ثانيا، الضغط على مصر والأردن، للمشاركة في صنع بديل في غزة يكون بالنسبة للفلسطينيين أسوأ مما كان عليه الوضع في غزة قبل السابع من أكتوبر.
صورة هذا الوضع الأسوأ لحد الآن غير متصورة، لكن الثابت فيها أن هناك تدافعا بين رؤيتين، لا تكون حماس حاضرة البتة في الأولى، وتحضر في الثانية بقيادات تدبيرية غير معروفة، مع ضمانات أمنية تلتزم بها مصر، وتشديد الرقابة على معبر رفح بمشاركة قوات دولية.
يمكن أن نلاحظ الطابع الاستعراضي المحكم الذي حرصت حماس أن تظهر عليه عند تسليم الأسرى الإسرائيليين، ويمكن أن نلاحظ انتشار أجهزة الأمن التابعة لها في كل قطاع غزة، وهو خيار ثالث تدفع به حماس، (أي استمرارها في حكم قطاع غزة) يشكل في الواقع نوعا من التدافع الميداني الذي تضغط به حماس، من أجل أن تدافع أي خيار يخرجها تماما من المشهد.

المصدر: بلال التليدي/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى