جامعة الوطن ليست “جامعة الفقراء”
//خاص المدارنت//… أنا الطالب، ثم الأستاذ في الجامعة اللبنانية، أصبحت أكره لفظة “الطلاب الفقراء” الذين تستقبلهم الجامعة اللبنانية، و”جامعة الفقراء”، لأن الصاق مُسمى الجامعة اللبنانية بذوي الدخل المحدود، وما دون، مجاف للحقيقة أولاً، وثانياً، هذه الدعاية المستمرة تحوّل الجامعة الى ما يشبه دار الأيتام، مقابل الجامعات المرفّهة و”الكلاس” بالأجنبي.
أصبحت أرجُم هذا المُسمى، وألعن ساعة تأصيل حروفه، ونسجها على أفواه الحكام. وكأني بهم يمتطون خيول الكلام، ليبرروا لأنفسهم فشلهم الذريع في تنمية المجتمع، وفي مكافحة العوز والفقر.
كنت وما زلت أكره لفظة الفقر، لأنني أحلم بدولة تتكيّف مؤسساتها مع حاجات الناس، وتفكر لوحدها من الحاجة الى التشريع، الى تنفيذ المشاريع في بناء دولة لكل الناس، دولة تنظر اليهم بعين المسؤولية والرعاية، ولا تصنفهم مذاهب ولا طبقات، ولا تمزّقهم بين الفقر والغنى، ولا تستنزف جراحهم، لترمي بهم مع شهاداتهم على قارعة الحظ، في تأمين لقمة العيش، وعلى صفيحة ملتهبة من اللا استقرار واللا قيمة للوقت وللعمل، بل وللانسان.
كنت وما زلت أكره الفقر، وأكره ربط هذه التسمية بالمدارس الرسمية، وبالثانويات الرسمية، وبالجامعة الرسمية، جامعة الوطن، الجامعة اللبنانية جامعة الوطن، جامعة كل اللبنانيين، من كافة الألوان والشرائح الاجتماعية، وهي تحتضن طلاب لبنان، والطلاب العرب والأجانب، ولا تنظر الى جيوب الطلاب، ولا تجلدهم بأساليب مالية مختلفة.
الجامعة اللبنانية، حاضنة أكاديمية للبنانيين أولاً، وللعرب والأجانب ثانياً، كما هي الجامعات الفرنسية، في تعاملها مع المواطنين الفرنسيين والطلاب الأجانب، اذ لم نسمع يوماً أن وزيراً للتربية، أو أحد المعنيين الفرنسيين، تجرأ وقال إن هذه الجامعات للفقراء!
واجب الدولة التي تفكر كدولة، وأن تراعي شرائح مواطنيها المختلفة، وتفكر بما يناسب ترقية المجتمع علمياً، وأن تسعى الى تعزيز التعليم العالي، واستثمار الدراسات المُعمقة، وجذب الباحثين.
دعونا من تسمية جامعة الفقراء، لأن الدولة التي تفكر وتتصرف كدولة، تستحي من الإشارة اليها، والقول أن 25% من سكانها تحت خط الفقر، والمنطق يقول بدل أن تطلق تسمية الفقر على مؤسساتها، عليها أن تسعى الى معالجة البطالة، وجذب الاستثمارات، وربط سوق العمل بالجامعة، بدل ربط الجامعة بالفقر والفقراء، وإكمال مسيرة الإفقار، وتخريج الأكثر فقراً مع شهادات من دون عمل في الوطن.
أكره تسمية جامعة الفقراء، لأنها تذكرني قهراً بأن الفقر يزداد في وطني، وأن الحاكم الذكي، وبدل معالجة الفقر واجتثاثه من جذوره، يحوّل الفقر الى شعار، ليهدي نفسه انجازات واهية، بعيدة من معالجة الواقع المرير، فهل تجرّأ أحدهم على قتل الفقر، بدل تحويله الى مزار، يرتاده المبشّرون بالبطالة أو الهجرة؟ صدق من قال: لو كان الفقر رجلاَ لقتلته.