مقالات

جمال عبد الناصر يتحدث عن “جريمة الانفصال”

“المدارنت”..
بيان الرئيس جمال عبد الناصر، بشأن الانفصال عن سوريا، وذلك بتاريخ يوم 5-10-1961 م. أيّ بعد مرور اسبوع على واقعة جريمة إنفصال سوريا عن الجمهورية العربيه المتحده، والتي جاء فيها:
“الإخوة فى جميع أرجاء الوطن العربى:
هذه أول مرة أسمح فيها لنفسي أن أوجه الخطاب إليكم جميعاً على هذا النحو الرسمي، ولكني أشعر أن من حقكم على ومن واجبي حيالكم أن أطلعكم على فكري، وأن أفتح أمامكم قلبي في هذه اللحظات الحاسمة من نضال الأمة العربية ومن كفاحها في سبيل مثلها الأعلى في الوحدة والحرية.
إنني لا أوجه هذا الحديث إلى شعب الجمهورية العربية المتحدة؛ لأني أعتبر أن الساعات التي نعيشها الآن ليست ملكنا وحدنا؛ إنما ملك تاريخ سبق، وملك حاضر يبنيه الدم والعرق، وملك مستقبل نحاول تحريكه في ضمير الغيب، إنها ملك نضال قديم مستمر باق إلى الأبد من أجل هذه الأمة العربية ومن أجل عزتها. لهذا أريدكم جميعاً أن تكونوا معنا، وأن تعيرونا كل الفكر الواعي منكم والاهتمام.
أيها الإخوة:
لقد وقع في سوريا ما تعرفون جميعاً، تعرفون ما حدث بالأمس وتعرفون ما يحدث اليوم، وإذا كنت أقول لكم إنني أتابع تطورات الحوادث بقلب جريح؛ فإنني أقول لكم في نفس الوقت إن ما يشغل بالي ليس ما حدث حتى الآن، وإنما يشغل بالي أكثر منه ما يمكن أن يتداعى وراء ذلك من أخطار على الأمة العربية وعلى كيانها وعلى مستقبلها.
وأقول لكم الآن إنني أكاد أرى الأمة العربية مقدمة على محنة رهيبة، وأشعر أن واجبي يحتم على أن أفعل كل ما فى وسعي كى أجنب الأمة العربية هذه المحنة؛ لكي يبقى لها دائماً تنبهها إلى الأخطار المحيطة بها، وقدرتها على النضال من أجل أهدافها، لا يشغلها عن ذلك شيء، ولا يشد اهتمامها منه أي اعتبار مرحلي مؤقت.
وإني لأقول لكم جميعاً – بضمير راض وقلب مستريح – إنني لا أقبل مهما كانت الظروف أن أرى الشعب هنا والشعب في سوريا أطراف معركة وأصحاب خلاف وشقاق، لا أستطيع أن أتصور القاهرة ودمشق إلا إخوة كفاح، وإلا زملاء معركة، وإلا شركاء قدر ومصير مع كل عاصمة عربية أخرى، مع كل مدينة عربية، مع كل قرية عربية. ولقد شعرت خلال الأيام الأخيرة أن ما حدث كله قد فتح فرصة واسعة أمام أعداء الأمة العربية من قوى الاستعمار ومن أعوانه، ومن قوى الرجعية في المنطقة وأعداء تقدم الشعوب، ولقد رأيت رأى العين فرحتهم جميعاً بهذه الفرصة التي تفتحت أمامهم، ورأيت تأهبهم للاستفادة منها لمصالحهم وعلى حساب المصلحة العربية.
لقد أحسست أنهم يريدونها معركة تقتتل فيها عناصر من أبناء الشعب السوري مع بعضها، معركة تقع فيها الفتنة بين الشعب العربي في سوريا وبين الشعب العربي فى مصر، معركة تقع فيها شعوب الأمة العربية في حيرة تتوه بعدها فى الظلام. ذلك كله كان أمامي، وكان أمامي أيضاً واجبي تجاه الأمة العربية وتجاه المصير العربي، وإنكم لتعرفون أنني اتخذت منذ أيام قراراً بألا تتحول الوحدة العربية بين مصر وسوريا إلى عملية عسكرية، وبناءً على ذلك فلقد أوقفت جميع العمليات العسكرية التي كانت قد بدأت لمناصرة الجموع الشعبية الثائرة ضد الحركة الانفصالية فى سوريا.
واليوم أعلن إليكم جميعاً أنني إذا كنت قد رفضت أن تكون الحرب العسكرية وسيلة إلى تدعيم الوحدة؛ فإنني أرفض الآن أن تكون الحرب الأهلية بديلاً لذلك، ولعلكم تذكرون أن الإجماع الكامل كان من شروطي الأساسية لقبول قيام الوحدة بين مصر وسوريا فى فبراير سنة 1958.
وإني اليوم، لا أرضى بأن تبقى وحدات من الجيش السوري متربصة بالشعب، ولا أن تبقى جموع من الشعب متربصة بعناصر من الجيش السوري.
إن الجيش السوري يتحمل مسئوليات كبرى تجاه العدو المشترك للأمة العربية، ولن أقبل – مهما كان من تصرفات الآخرين ومن أخطائهم بل خياناتهم – أن تتحول مهمة الجيش السورى إلى عمل بوليسي.
أيها الإخوة في جميع أرجاء الوطن العربى:
إنكم تعرفون أنني داعية وحدة، وإنكم تعرفون موقفي عندما فرضت الإرادة الشعبية السورية الحرة هذه الوحدة الشاملة في فبراير سنة 1958، أنتم تعرفون أنه كان من رأيي أن الوحدة – خصوصاً في فترات البناء الوطني – عملية شاقة ومرهقة، وكان من رأيي التمهيد لها تدريجياً على سنوات نتمكن خلالها من أن نضع الأسس الحقيقية لها قبل أن نقيم إطارها الدستورى، ولكني نزلت على الإرادة الشعبية السورية، وكنت أشعر في أعماقي أنني بهذا أحمي الوطنية السورية، وأشارك في إنقاذ الوطن السوري مما كان يتهدده من أخطار الفرقة الداخلية، وفي مواجهة ضغط القوى الاستعمارية.
ولقد أحسست بعد إتمام الإطار الدستوري للوحدة أنه ليس أمامنا وقت نضيعه، لهذا فقد كرست جهدي كله لعمليات البناء في سوريا، وكان تقديري أن نمضي في ذلك بأسرع ما نطيق لكي يكون هناك أساس للتقدم نحو الرخاء. ولقد تمت خلال ثلاث سنوات ونصف من الوحدة أعمال حقيقية لم تشهدها سوريا في كل تاريخها، أقول ذلك لا لكي أتفاخر به أو أتباهى، وإنما أقوله كأمر واقع تشهد به الأرقام وتؤكد به قدرة الشعب السوري على بناء نفسه إذا ما أتيحت له الفرصة لتركيز جهوده وإحسان توجيهها. في هذه السنوات الثلاث والنصف حاولنا بكل جهدنا توجيه الشعب السوري إلى تكريس جميع إمكانياته في اتجاه البناء؛ بناء الوطن وبناء المواطن.
في مجال بناء الوطن بلغ مجموع الإنفاق العام الفعلي بواسطة الدولة في سوريا من يوم إتمام الوحدة إلى نهاية السنة المالية الحالية 2862 مليون ليرة، بينها 55 مليون ليرة في الزراعة، و238 مليون ليرة في الريّ واستصلاح الأراضي، و114 مليون ليرة في الصناعة والكهرباء، و220 مليون ليرة في النقل والمواصلات، و38 مليون ليرة للإسكان، و362 مليون ليرة في التعليم، و77 مليون ليرة في الصحة، و27 مليون ليرة للخدمات الاجتماعية، و19 مليون ليرة للخدمات الثقافية، و155 مليون ليرة في المرافق والبلديات، وبعد ذلك تجيء الاعتمادات التي خصصت للدفاع.
وفي مجال بناء الوطن كان برنامج هذا العام، وهو السنة الثانية من خطة السنوات الخمس، يقتضي توجيه 610 مليون ليرة للتنمية، بينها 82 مليون ليرة للريّ وإصلاح الأراضى، و61 مليون ليرة للزراعة، و180 مليون ليرة لصناعة التعدين والبترول والكهرباء، و78 مليون ليرة للنقل والمواصلات، و24 مليون ليرة للتعليم، و8 مليون ليرة للصحة، و4 مليون ليرة للخدمات الاجتماعية والعمالية، و9 مليون ليرة للخدمات الثقافية، و57 مليون ليرة للمرافق العامة والسياحة والبلديات، و65 مليون ليرة للإسكان، و7 مليون ليرة لخدمات الإدارة العامة، و5 مليون ليرة للقطاع التجارى والمالي، و15 مليون ليرة للتغيير في المخزون، و10 مليون ليرة احتياطي لمواجهة أيّ نقص.
وفي مجال بناء الوطن كانت هناك خطة تستهدف مضاعفة الدخل القومي السوري فى 10 سنوات أو أقل، وكانت هذه الخطة بالنسبة للسنوات الخمس الأولى منها توجه للنواحي الإنتاجية ونواحي الخدمات وحدها ما قيمته الإجمالية 2720 مليون ليرة؛ ومن أبرز مشروعات هذه الفترة مشروع سد الفرات العظيم.
وفي مجال بناء المواطن الحر، في مجال تحرير لقمة العيش، في مجال رفع السيطرة الرأسمالية والاحتكارية عن الفرد السوري تمت الخطوات الثورية الاشتراكية التالية، وأصبحت لها قوة القانون، بعد أن كانت آمالاً بعيدة تراود أحلام الفلاحين والعمال في أمتنا العربية.
تم تنفيذ قانون للإصلاح الزراعى يبغي تحرير الفلاح، وبمقتضاه أصبح أجير الأرض سيداً، وبدأ توزيع 561 ألف و133 هكتاراً على الآلاف من الملاك الجدد.
تم نقل ملكية المصارف إلى الشعب ليكون المال أداة في خدمة الوطن، ولا يتحول الوطن إلى أداة في خدمة المال. تم نقل ملكية شركات الاحتكار إلى الشعب؛ لكي يقف استغلال فئة قليلة من أفراده لسواده الأعظم، واستئثارهم وحدهم بأكبر قسط من الدخل القومي. تقرر أن يكون للعمال والموظفين في جميع الشركات ربع أرباحها، وأن يكون لهم حق الاشتراك في إدارة المؤسسات التي يعملون فيها بعضوين يجري انتخابهما في مجلس الإدارة.
ومن ناحية أخرى.. من ناحية التأثير العربي والدولي، فلقد كانت هذه السنوات الثلاثة والنصف سنوات مارس الشعب السوري فيها قوة ضخمة لنصرة النضال العربي؛ من سوريا اتخذنا جميع الإجراءات لمناصرة الثورة الوطنية في العراق، هذه الثورة التي أسقطت حلف بغداد وقوضت قوائمه، ومن سوريا تمكنا من التأثير في اتجاهات الحوادث في العالم العربى تأثيراً بنَّاءً ومستمراً.


ومن سوريا استطاع الجيش السوري – بينما الجيش المصري محتشد بكامل قواه على خط القتال – أن يمنع “إسرائيل” (الكيان الصهيوني) من إتمام تحويل مجرى نهر الأردن، وفي سبيل الحيلولة دون ذلك خاض ضباط الجيش السوري وجنوده معارك محلية ولكنها ناجحة ضد “اسرائيل”. وفيها وخلالها أدرك العدو أن المضي في المحاولة سوف يجرّ عليه أخطاراً فادحة.
كذلك مارست سوريا تأثيراً كبيراً على سير حركة التحرير في إفريقيا وفي صدّ المحاولات “الإسرائيلية” (الصهيونية) للتسلل من وراء الحصار العربي عليها وفتح إفريقيا على مصراعيها أمام تجارتها وأمام نشاطها الهدام، وكانت الذروة في ذلك هي مؤتمر الدار البيضاء، الذي أجمعت فيه دول إفريقيا المتحررة على أن “إسرائيل” أداة في يد الاستعمار الجديد ورأس جسر لمطامعه.
كذلك مارست سوريا تأثيراً واضحاً في تغليب قوى السلام ودفع ويلات الحرب عن البشر، وليس دور الجمهورية العربية المتحدة في مؤتمر الدول غير المنحازة في بلجراد ببعيد.
ذلك كله – أيها الإخوة أبناء الأمة العربية – حدث، وإني راض به وسعيد، وأعتقد أنكم جميعاً ترون معي أن هذه كلها كانت نقط تحول بارزة في سير المواطن العربي نحو هدفه في الكفاية والعدل، والحق والسلام.
ثم كانت الظروف الأخيرة التي تعرفونها جميعاً، والتي ترون كما أرى أنها محنة رهيبة تهدد الأمة العربية، تبعثر قواها عن مواجهة عدوها الحقيقي؛ الاستعمار والرجعية المتعاونة معه.
أيها الإخوة في جميع أرجاء الوطن العربى:
إنني أشعر في هذه اللحظات أنه ليس من المحتم أن تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة، ولكن من المحتم أن تبقى سوريا. إنني أشعر أن الذي يشغل بالي ليس هو أن أكون رئيساً للشعب العربي في سوريا، ولكن الذى يشغل بالي هو أن يكون الشعب العربي في سوريا وأن يُصان له كيانه، ولست أتصور أن أقبل – بأي حال من الأحوال – أن أرى فتنة تهدد الشعب السورى، أو خطراً يتربص به، أو شاغلاً يشده ويبعثر طاقته عن أن تتجه بكل إمكانياتها إلى حراسة المكاسب الشعبية التى حققها في عهد الوحدة، ثم يجد أن ما في يده يسلب منه يوماً بعد يوم، بينما هو مشغول بقضية فرعية مؤقتة سوف تحسمها في نهاية المطاف حتمية التاريخ؛ وأعني بها الوحدة.
لهذا فإني الآن على مسمع منكم جميعاً يا أبناء الأمة العربية أعلن ما يلي:
أولاً: إنني أطلب إلى جميع القوى الشعبية المتمسكة بالجمهورية العربية المتحدة وبالوحدة العربية أن تدرك الآن أن الوحدة الوطنية داخل الوطن السوري تحتل المكانة الأولى، إن قوة سوريا قوة للأمة العربية، وعزة سوريا عزة للمستقبل العربى، والوحدة الوطنية في سوريا دعامة للوحدة العربية وتمهيد حقيقي لأسبابها.
ثانياً: لقد بعثت الآن إلى رئيس وفد الجمهورية العربية المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة بألا يقف في وجه طلب قبول سوريا عضواً فى الأمم المتحدة، ولقد مرّ الآن أكثر من أسبوع على ما حدث في دمشق، ولم تستطع الحركة التي قامت هناك أن تحصل على أي اعتراف دولي بها. لم تعترف بما حدث في سوريا حتى الآن إلا خمس دول – وأسميها بالدول تجاوزاً – وهي بقايا الأسرة الخائنة للتاريخ العربي في عَمّان، وحكومة “تشان كاى تشك” المطرودة من الصين إلى فرموزا، والحكومة العسكرية الفاشية في تركيا، وحكومة شركة الفواكه الأمريكية المتحدة في غواتيمالا، وحكومة أصدقاء “إسرائيل” في طهران.
وفي نفس الوقت فإن العالم المتحرر قد عبر لي بحركات شعوبه وبرسائل زعمائه عن تأييده للجمهورية العربية، وإني أعتبر أن ذلك يكفي فلست أريد أن أقيم حصاراً سياسياً أو ديبلوماسياً من حول سوريا، فإن الشعب السوري في النهاية سوف يكون هو الذى يعاني من هذا الحصار ويقاسي.
ثالثاً: لقد طلبت إلى وزارة الخارجية ألا تقف الجمهورية العربية المتحدة حائلاً دون عضوية سوريا في الجامعة العربية، ولسوف نطلب إلى الجامعة العربية أن تشكل على الفور لجنة تحقق فيما يلي:
1 – أن تتحقق من أن كل احتياطي الذهب وغطاء العملة السورية كما كان قبل الوحدة موجود بكامله في البنك المركزى في دمشق، وتتأكد أيضاً من أن الخزينة السورية تلقت نقداً من الخزينة المصرية غداة إتمام الوحدة 5-13، مليون ليرة سورية لمواجهة عجز الميزانية السورية في السنة السابقة للوحدة، وتتأكد كذلك من أن الإقليم المصري كان يقدم كل سنة ما قيمته 3 مليون جنيه للإقليم السوري تمكيناً له من مواجهة أعباء البناء، كذلك قدم الإقليم المصري خلال فتره الوحدة تحويلات نقدية قيمتها 9 مليون جنيه إسترليني لكي يتمكن الإقليم السوري من مواجهة مطالب الاستيراد.
ولقد كنت اعتبر أن للشعب السوري حقاً في حصيلة دخل قناة السويس، باعتباره شريكاً في معركة تأميمها وانتزاعها من المستعمر.
كذلك أريد لهذه اللجنة أن تتأكد أن إتمام الوحدة جعل الإقليم السوري يتمكن من تخفيض أعبائه العسكرية للدفاع بأربعين مليون ليرة سورية كل سنة؛ بسبب تغيير الموقف الإستراتيجي الناشيء من الوحدة، وبالتالي كان هذا المبلغ يوجه إلى نواحي الإنتاج والخدمات، بينما كانت القدرة الدفاعية للقوات المسلحة السورية أكثر كفاية وفاعلية.
2 – أن تتحقق اللجنة من أنه برغم جميع الدعايات التي روجت لها القوى الاستعمارية والعناصر الرجعية المتعاونة معها فإن عدد المعتقلين في سوريا كلها لم يكن يتجاوز 95 شخصاً، بل إني أريد لهذه اللجنة المشكلة من الجامعة العربية أن تتأكد من أنني أمرت بحفظ عديد من قضايا التآمر على الوطن السوري؛ وذلك لكي أبقى لهذا الوطن وحدته، ولسوف يتضح جلياً أن بعض الذين يقودون التيار الانفصالي الرجعي كان يجب أن يكونوا اليوم في قفص الاتهام.
3 – أن تتحقق هذه اللجنة من أن قوة المظلات التى هبطت في اللاذقية مساء يوم الخميس 28 سبتمبر كانت تحمل تعليمات بعدم إطلاق النار، ولم يكن معها ملايين الليرات المزيفة كما ادعت عناصر الانفصال، وإنما كان الذي يحمله أفرادها هو بضعة آلاف من الليرات، وأنها لم تكن ليرات مزيفة طبعت في القاهرة كما ادّعوا، وإنما كانت ليرات سورية صحيحة.
4 – أن تتحقق هذه اللجنة من طبيعة الأعمال التي كان يقوم بها أبناء الإقليم المصري في سوريا، وأن تتحقق من أننا أردنا أن نزيد عدد المدرسين والمهندسين والأطباء في سوريا بالدرجة الأولى؛ وذلك لكي نسارع في دفع عملية التطوير، وإن أحداً منهم لم يذهب ليستغل ولم يذهب ليفتح تجارة ولم يذهب ليجني ربحاً، وإنما ذهبوا جميعاً ليخدموا بقدر ما يملكون من جهد للخدمة، وفوق ذلك كان الإقليم المصري هو الذي يتحمل مرتباتهم.
أيها الإخوة:
على أنى أرجو أن تقبلوا بصدر رحب بعد ذلك رأينا في نقطة أخيرة؛ تلك هي أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة لن تقبل الاعتراف بأي حكومة في دمشق من جانبها، إلا بعد أن تتجلى إرادة شعبية سورية حرة تقرر بنفسها طريقها.
أيها الإخوة:
لا يفوتنى في هذه اللحظة أن أوجه شكري العميق وشكر الشعب في الجمهورية العربية المتحدة على العواطف النبيلة التى أبداها الشعب اللبنانى وحكومته تجاه أبناء الجمهورية العربية المتحدة الذين أخرجوا من سوريا بطريقة لا أملك الكلمات لوصفها، وإن كان يعزيني عنها ويعزي الشعب في الجمهورية العربية المتحدة أن الشعب السوري ودّع بدموعه كل أبناء الجمهورية العربية المتحدة العائدين إليها بعد أن أخرجوا من سوريا.
كذلك لا يفوتني أن أوجه شكرى العميق وشكر الشعب في الجمهورية العربية المتحدة إلى جميع الشعوب العربية التى وقفت بمشاعرها وتأييدها مع أول تجربة للوحدة العربية. وإني لأثق – نفس ثقتي بالله – أن هذه التجربة لن تكون الأخيرة، وإنما كانت التجربة عملية رائدة استفدنا منها الكثير في تقديرى، وسيكون ما استفدناه ذخيرة للمستقبل العربى وللوحدة العربية، التى أشعر أن إيماني بها يزيد قوة وصلابة. إن التاريخ طويل أمام الأمة العربية، والكفاح مستمر يزداد عمقاً بالتجربة.
أيها الإخوة في جميع أرجاء الوطن العربي:
لقد حاولت جهدي أن أؤدي واجبي كجندي في خدمة هذه الأمة العربية، وحاولت ألا أدع مجالاً لفرقة ولا أفتح طريقاً لفتنة. إن عدوّي وعدوّ أمتي هو الاستعمار والرجعية المتعاونة معه، والقاعدة التي يتحفز منها لضرب آمالنا؛ وهي “إسرائيل”.
إن أملي هو حرية الوطن العربي وحرية المواطن العربي، وإني لأثق في حتمية الوحدة بين شعوب الأمة العربية، ثقتي بالحياة، وثقتي بطلوع الفجر بعد الليل مهما طال.
أيها الإخوة:
أعان الله سوريا الحبيبة على أمورها، وسدد خطاها، وبارك شعبها، وستبقى هذه الجمهورية العربية المتحدة رافعة أعلامها، مرددة نشيدها، مندفعة بكل قواها إلى بناء نفسها؛ لتكون سنداً لكل كفاح عربي، ولكل حق عربي، ولكل أمل عربي، وسلام عليكم جميعاً. وعاشت الأمة العربية، وعاشت الجمهورية العربية المتحدة.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى