جهنم ترامب ونتنياهو.. أين يقف العرب؟!

“المدارنت”..
خرج علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الأسبوع الأول من شباط / فبراير الحالي، بمسلسل من التهديدات الساخنة، كان أولها، وحسب آخر نسخه منها، أنه إذا لم تفرج حركة حماس عن الأسرى قبل الساعة الثانية عشرة من 15/2/2025 (لم يحدد حسب أي توقيت)، سوف تفتح أبواب الجحيم على مصراعيها، وكان ثانيها أنه سوف يتم تهجير أهالي غزة إلى الأردن ومصر، وثالثها إذا رفضت مصر والأردن استقبال أهالي غزة، سوف يقطع المعونات المالية المقدمة لهما.
ولا نعلم إن كان في جعبة الرئيس «جهنمات» أخرى. وقد أثنى مجلس الكابينت الإسرائيلي على مسلسل ترامب وتبنّى المسلسل، بما في ذلك فتح أبواب جهنم على مصراعيها، ولكنه ترك الباب موارباً قليلاً، بمعنى أنه لم يلتزم بما قاله ترامب حرفياً.
إن فكرة التهجير ليست جديدة، فقد قيل إن الفكرة سرّبها أستاذ اقتصاد في جامعة جورج واشنطن إلى طاقم الرئيس، قبل أن يصبح ترامب رئيساً، فتبنى الفكرة، وهي على أي حال دعوه لارتكاب جريمة الجرائم، وهي جريمة التطهير العرقي، التي هي أحد أشكال الإبادة الجماعية.
وكأن ترامب يقول في طرحه، إن ما فشل الإسرائيليون في إِنجازه تماماً، سوف أكمل لهم المهمة بالاقتلاع والتهجير. ويحاول ترامب أن يوزع «دم محمد» على قبائل قريش، فأراد اشتراك الأردن ومصر في جريمة الإبادة، تحت غطاء جميل وجذاب، وهو تحويل غزة إلى ريفييرا شرق المتوسط، وتلك دعوة لارتكاب الجريمة دون تردد أو خوف أو خجل.
ومن هنا يبدو مسرح المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في واشنطن بتاريخ 3 فبراير، وكأننا نشاهد مسرحية في غاية الغرابة. إذ أن ترامب، الذي أدين بـ(34) جريمة من قبل المحكمة الفيدرالية في نيويورك، يقوم بالتشاور مع نتنياهو، الفار من وجه العدالة الدولية والمطلوب للقضاء الإسرائيلي بأربع تهم جنائية، في تفصيل كيفية ارتكاب أكبر جريمة يعرفها العالم وهي جريمة الإبادة، أي مسرح وأي مسرحية هذا الذي نشاهده على مسرح البيت الأبيض في واشنطن؟.
كيف من المستساغ للمشاهد أن يستمتع بمسرحية يقوم فيها «مجرم» بالتباحث مع «متهم» مطلوب للعدالة الدولية، في هندسة عملية لارتكاب الجريمة الإنسانية الكبرى وهي التهجير؟ إن فكرة ترامب قال عنها نتنياهو، إنها «فكرة ثورية»، وهي فكرة من «خارج الصندوق». ولكن توماس فريدمان، الصهيوني الدائم في صحيفة «نيويورك تايمز»، قال عنها إنها فكرة من «خارج العقل». ولأول مرة اتفق مع فريدمان، ذلك أن أي عقل مهما كان متواضعاً، وفي ظل شرعة حقوق الإنسان وميثاق هيئة الأمم والمواثيق الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان، لا يجرؤ على مثل هذا الاقتراح:
تهجير مليونين ونصف المليون إنسان إلى دول مختلفة، دون اعتبار للمعاناة الإنسانية، ودون نظر إلى أن هؤلاء الناس لم يخرجوا بعد من تحت أنقاض القصف الصهيوني، الذي دام خمسة عشر شهراً متواصلا. ودون تمعن في قدرة الدول المستهدفة على استيعاب هذا العدد الضخم من المهجرين.
من الواضح أن الرئيس ترامب لم يفكر في مدارس أطفالهم، ولا توفير الخدمات الصحية لهم ولا ترتيب المساكن وأماكن العيش لهم، وتوفير الغذاء والماء، بل إنه أمر بقطع المعونة عن وكالة الأونروا، أي أنه ساهم في حملة التجويع التي تستهدف الغالبية العظمى منهم. من الواضح أنه، مثله مثل وزير الحرب الإسرائيلي السابق، غالانت، يفكر فيهم كحيوانات بشرية والخطر الداهم والأشدّ أذى هو إن نجح ترامب في خطته، فإن ذلك سيكون مقدمة لتهجير أهالي الضفة الغربية، استكمالاً لمشروعه بـ»توسعة حدود إسرائيل».
في التحليل العميق لاقتراح ترامب، أرى أنه اقتراح لاستكمال عملية الإبادة، التي بدأها نتنياهو. قد يقال إنه اقتراح يقوم على عقلية تاجر العقارات، وليس عقلية رجل دولة، ربما كان هذا صحيحاً، إلاّ أنه ينطق كرئيس أكبر وأقوى دوله في العالم. وبالتالي يجب أن تؤخذ أقواله على هذا الأساس. إن الهم الأكبر والأوحد لكل القوى الإمبريالية هو توفير الحماية لإسرائيل وللمشروع الصهيوني.
ونلاحظ أنه منذ الرئيس ترومان حتى الآن لم يصدف أن تصرف رئيس أمريكي بطريقة مختلفة عن حماية المشروع الصهيوني وتقويته، بل التنافس في ازدياد حمايته وزيادة قوّته، ألا نسمع مقولة يرددها مختلف الرؤساء الأمريكيين، إنه يجب المحافظة على قدرة إسرائيل العسكرية على نحو تفوق قدرة الدول العربية المحيطة مجتمعه؟
إن الموقف المتوقع أن يصدر في قمة القاهرة موقف جاد ولا يتذرع بالمعونات الأمريكية ذلك أن مصر والأردن تقدمان خدمات للولايات المتحدة أثمن بكثير من المعونات المُبالغ في تقديرها. هناك في الأردن – على الأقل- خمس عشرة قاعدة عسكرية أمريكية وحلف أطلسية، قدمها الأردن مجاناً ولا يتقاضى عنها أيّ أجور، ونشر القوات الاردنية على الحدود مع إسرائيل هي أيضاً من الخدمات الثمينة التي تقدم للولايات المتحدة، وهي تفوق في قيمتها مبلغ المعونة الأمريكية.
يضاف إلى ذلك كله، أن الدول العربية النفطية كانت تقدم إلى «دول المواجهة» معونات مالية ثمينة، ويمكن استعادة تلك المعونات كيلا تظل المعونة الأمريكية قيداً على موقف الأردن ومصر. وعلى القمة المقبلة أن تضع في اعتبارها أن المطلوب أمريكياً من الأردن ومصر ليس المشاركة في ارتكاب جريمة دولية، بل التمهيد إلى مخاطر أبعد مدى وأعمق أثراً على العالم العربي.
والمأمول من القمة أن تخرج بموقف استراتيجي لا يماري فيها ترامب ولا يراهن على حسن النوايا، ذلك أن المستهدف هو المصالح الاستراتيجية للدول العربية فرادى ومجموعة. ألم نسمع نتنياهو يقترح إقامة دولة فلسطينية على أراضي المملكة العربية السعودية؟ لم تكن هذه زلّة لسان، بل هي في صلب الاستراتيجية الصهيونية. إنها زلة لسان فرويدية!