خلية الأردن.. حدث أمني- قضائي أم سياسي؟!

“المدارنت”..
أعلنت السلطات الأردنية، أول أمس، الثلاثاء، عن اعتقال «خلية سرية» بتهمة «المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى داخل المملكة»، وذلك بطريقتين، الأولى هي بث تصريحات على التلفزيون الرسمي لثمانية متهمين، بقضايا تصنيع صواريخ ومسيّرات وتجنيد عناصر، اعترفوا بها لجهاز المخابرات العامة، والثانية عبر بيان للنائب العام لمحكمة أمن الدولة يعلن فيه إنهاء الإجراءات القانونية وإحالتها إلى المحكمة، كما ظهر وزير الاتصال الحكومي، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني ليعلن، في اليوم نفسه عن تفاصيل إحباط مخططات «المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى داخل المملكة»، مشيرا إلى أن المتهمين «منتسبون لجماعة غير مرخصة ومنحلة» في إشارة إلى «جماعة الإخوان المسلمين».
اشتركت في هذه الإعلانات عدة جهات رسمية أردنية: الأمن، الذي تابع تطوّر عمليات المتهمين وتمكن من القبض عليهم، والنيابة العامة التي حققت معهم وأحالتهم إلى القضاء، والتلفزيون الذي بثّ اعترافاتهم، والحكومة التي أعطت معلومة سياسية ـ أمنية قابلة للتأويل السياسي والتصعيد الأمني، وهي انتماء أولئك لـ«الإخوان».
سمحت المعلومات وأشكال الإعلان، بمجموعها، بتظهير معالم صور نمطية عربية متداولة حول جماعة «الإخوان»، ونتيجة الطبيعة الاجتماعية الخاصة للأردن، والأوضاع في المناطق الفلسطينية، فقد كان مهما، للمنظومة السياسية الأردنية، بكافة أجهزتها، أن تنتظم للتفاصيل المعلنة ضمن سرديّة تبعدها عن سياق الملفّ الدموي في غزة والضفة.
تبعت ذلك مقالات عديدة في الصحف الأردنية، التي انتظمت في هذه السرديّة لكنّها وجدت، في الوقت نفسه، في موضوع «الجماعة غير المرخصة» بابا للتحريض على «الإخوان»، واحتدّ النقاش حول هذه القضية أكثر على وسائل التواصل الاجتماعي فتحدث بعض النشطاء عن «اجتزاء» السلطات لمقاطع التحقيق مع المتهمين الذين لم يكونوا في صدد «تخريب المملكة وبث الفوضى» بل بهدف تهريب الصواريخ والمسيّرات إلى الضفة الغربية.
فيما رأى آخرون ضرورة محاسبة «الإخوان» وحلّ تنظيمهم، كما شارك نواب أردنيون في «المعمعة» فطالب بعضهم «بمحاسبة التنظيمات التي ينتمي إليها المتهمون» (كما فعلت دينا البشير، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب) فيما آخرون، مثل وسام الربيحات حذر من «الاندفاع الذي قد يمس نسيجنا الوطني» مشبها التحريض على الجماعة بالمطالبة «بإعدام الأب بسبب تهمة وجهت لابنه»، وكذلك تصريح النائب صالح العرموطي الذي قال «إنه يجب وقف الشيطنة والقضاء هو الفيصل».
أضافت «الاعترافات» المبثوثة تلفزيونيا إشارتين عربيتين، الأولى في اتجاه مصر، حين ذكر أحد المتهمين «لقاء شاب مصري في إحدى الدول العربية» حيث تلقى تدريبات وعرض عليه أسماء مرشحين للانضمام للشبكة، والثانية في اتجاه لبنان، التي قال أحد المتهمين إنهم زاروه ليتلقوا تدريبا على طرق تشغيل وتصنيع الأسلحة، وقدّمت هاتان المعلومتان الملتبستان (لا اسم للمواطن المصري، مثلًا، ولا ربط له بانتماء سياسي محدد) مادة لبعض المعلقين على الموضوع من الساسة والنواب والجمهور.
وكذلك لبعض وسائل الإعلام، للحديث عن «شبكة عربية»، وعلاقات مع «حزب الله» و«حماس» و«تمويل إيراني»؛ وردّت جماعة الإخوان المسلمين على البيان الحكومي ودائرة المخابرات العامة بإعلان «انحيازها لأمن الأردن واستقراره»، مؤكدة أن «مصالح الأردن العليا فوق كل اعتبار» معتبرة حملات التحريض عليها لا تخدم الأردن.
رغم وجوده في فالق زلازل سياسي هائل تمثّل إسرائيل مركزه، واتساع حدوده مع دول عربية تعرّضت لحروب أهلية، فقد تمكن الأردن من الحفاظ على استقراره وأمنه واقتصاده وسيادته عبر التزام سياسات معتدلة وحكيمة ومتوازنة قادرة، ورغم التحديات الكبيرة التي يتعرّض لها فإن تمسك حكوماته، وشعبه، بالتعاطي مع القضايا حسب مقتضياتها السياسية والأمنية والقضائية، هو الذي مكّنه من عبور التحديات الهائلة التي واجهته، وسمحت له بالحفاظ على سلمه الأهلي ونسيجه الوطني وعلاقاته المتوازنة عالميا وعربيا.