رابطة المودعين”: مصرف لبنان يقدم حقنة “مورفين” لحماية حاكمه والمصارف والطبقة الحاكمة
“المدارنت”..
بعد أكثر من عام ونصف من الأزمة المصرفية والاقتصادية والمالية، وعلى الرغم من المغالطات القانونية التي شابت التعميم 154 لمصرف لبنان، يطالعنا مصرف لبنان ببيان، يضخ فيه إيجابية مزيفة ويمن اللبنانيين بإستشرافه للأزمات وأهمية هندساته المالية التي حمت لبنان وشعبه من الأسوأ، تلك الهندسات التي أهدت المصارف مليارات الدولارات دون أي مقابل.
إن هذا البيان، ليس إلا محاولة جديدة لشراء الوقت دفعاً للغضب الشعبي الآتي لا محالة في ظل إستفحال الأزمة، ولذلك لا بد من تبيان ما يلي:
يريد مصرف لبنان، بعد أن غطى إحتجاز المصارف لأموال المودعين، إعطاء الناس فتات من أموالها، وكانه يعطي المودع مصروف جيب من أمواله ليصرف منها بعد رفع الدعم، وذلك بعدد أن أفقر بسياساته هو والمصارف المودعين وأذلهم، يريد اليوم أن يخفف من عدد العائلات المحتاجة للدعم عبر إعطاء المودعين ما يمكنهم فقط من شراء السلع الاساسية بعد رفع الدعم.
في كسر جديد لهيبة القانون أمام عصبة المصارف، وخلافاً لقانون النقد والتسليف فيما يتعلق بمهام المصرف المركزي، وبشكل خاص المادة 70 منه، أن يقوم المركزي بمهمة “إطلاق المبادرات” أو “التفاوض” مع المصارف على تسديد حقوق الناس وودائعها، وكأن المصرف المركزي يقرّ بأن المصارف متوقفة عن الدفع، فيفاوضها، بدل أن يلزمها، على إعتماد آلية تبدأ بموجبها بتسديد تدريجي للودائع.
من مخيلته حدد رياض سلامة مبلغ 25,000 الف دولار، من دون تبيان مصدر تأمين الدولار ومن دون الإتيان على ذكر باقي المبالغ. فيكون بذلك يمارس كابيتال كونترول و hair cut غير قانونيين ولكن معلنين منظمان بآلية غير واضحة لناحية تحديد الودائع السابقة لـ 17 تشرين وكما أصبحت، متناسياً أن المودعين قد خسروا أكثر من 70% من قيمة هذه الودائع وأن إمتناع المصارف عن دفعها لهم بالعملة التي أودعوها بها هي مخالفة قانونية وتشكل جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني، كما وأن الدولار الذي يطمح لدفعه للناس هو غير موجود فعليا وليس سوى وهم.
مصرف لبنان، يتناسى بأن من صلب مهامه الأساسية بكافة لجانه وهيئاته مراقبة عمل المصارف، والحفاظ على الودائع، والتأكد من سلامة أوضاع النظام المصرفي، وطلب تقارير دورية من المصارف لتبيان أوضاعها وإلزامها على تصحيح أي وضع متعثر. وفي حال صح إدعاء مصرف لبنان حول نجاح المصارف بتطبيق التعميم 154، فإن الثقة بالمصارف وبمصرف لبنان وحاكمه وكافة الهيئات التابعة له إنعدمت خاصة بعد طلب المصارف تأجيل المهل الممنوحة في التعميم، الأمر الذي يدل على عدم قدرتها بالحصول على السيولة في المصارف الخارجية.
يطلب رياض سلامة، تغطية قانونية لهندسته البدعة الجديدة، بينما لا حاجة لتغطية قانونية ليتمكن المودع من سحب وديعته، إن التغطية القانونية الوحيدة التي تصح في هذه الحالة هي مواجهة مخالفات تعاميم مصرف لبنان في القضاء والشارع.
ولعل طلب بيانات الودائع من المصارف بعد إصداره إعلام للمصارف في 05/05/2021 تزويده بها، على الرغم من وجود هذه البيانات لديه، إنما يبين أنه بعد أن تخلص بموجب التعميم 148 من جزء كبير من الودائع الصغيرة، يسعى اليوم ليطال قسم ثان من المودعين المتوسطين، وما طلبه للبيانات، إلا نتيجة لتبدل حجم هؤلاء المودعين بعد أن عمد معظمهم إلى سحب مبالغ كبيرة من ودائعهم على سعر صرف 3900 ليرة للدولار، ويكون بذلك يحاول التخلص مما تبقى من مودعين متوسطين، بشكل مخالف للقانون وبآلية غير منطقية. مصرف لبنان يقدم ببيانه هذا حقنة مورفين جديدة وآمال مزيفة، هدفها حماية المصرف المركزي وحاكمه والمصارف وبقية الطبقة الحاكمة من الغضب الشعبي.
سبق لمصرف لبنان أن أطلق منصة صيرفة في حزيران الماضي إلا أنها فشلت فشلاً ذريعا في تحقيق الهدف الذي أنشئت لأجله، إلا إذا كان هدفها غير المعلن تفقير المواطنين، ولعل تفعيلها عن جديد بعد إدخال المصارف كلاعبين جدد في الصرافة لن يغير في أسعار سعر الصرف في السوق الموازية شيئاً ولن تتمكن من ضبطه خاصة إذا كان سعر الصرف الذي ستنطلق به المنصة أقل مما هو عليه في السوق وخاصة وأن مصرف لبنان نفسه يقر بأن السعر تحدده عملية العرض والطلب للدولار، وإن تدخل مصرف لبنان لضبط سعر الصرف وإن كان يمكن أن يحصل فهو عبر ضخ دولارات جديدة في السوق وهو ما لا يملك مصرف لبنان منه الا القليل اليوم.
إن تأكيد مصرف لبنان بأنه لا يزال يؤمّن بيع الدولار للمصارف على سعر الصرف الرسمي للمواد الأولية التي قرّرت الحكومة دعمها، وبأنه ملتزم ببيع هذه الدولارات على السعر الرسمي ليس سوى اسكيزوفرانيا مصرفية حقيقية خاصة في ظل إطلاق منصة صيرفة فإنه إذ لا يزال يكرس أسعار صرف عديدة ويعتبر السعر الرسمي هو ١٥٠٧ ل.ل للدولار علماً ان الدعم الذي يمارسه وبالشكل الذي يتم فيه هو مخالف للقانون، والترشيد المنشود لهذا الدعم لا يبدو قريب في ظل غياب الحكومة.
إن مثل هكذا بيان يدخل في خانة الحلول المتجزئة وتكرس النهج السابق لناحية “المعالجة” الموضعية للأزمات وهذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلاً. على مجلس النواب تحمل مسؤوليته تجاه المودعين ووضع التشريعات اللازمة للحد من النزف ولكف يد مصرف لبنان عن البطش في مصير الإيداعات والمودعين ووضع خطة شاملة وشفافة ترصد كل جوانب الأزمة وتطرح حلول عادلة لا تحمل المودعين فيها عبئ إضافي.