رسالة الى ولدي العزيز

خاص “المدارنت”..
“إذا لم تقم بذلك الآن.. فلن تقم به أبدًا… ولدي وبني العزيز… في البداية أقول: ليكن معلوما لك يا ولدي وبني.. أن لكل مرحلة عمرية من مراحل عمر الإنسان سماتها وصفاتها وخصائصها، وكذلك متطلباتها وحاجاتها واحتياجاتها والمسؤولية الملقاة عليها.. ولها اهتماماتها وشغفها.. ولها أهدافها وغاياتها طبقا لآمالها وأحلامها وطموحاتها ووفقا لها… ولها نفسيتها وقدرتها على التحمل والبذل والعطاء… والأهم من كل ذلك، لها رجالها من المحيطين بها،ذكورا وإناثا،…
فإذا لم تستفيد من مرحلتك العمرية التي تمر بها، وتستغل كل الإمكانيات الممكنة المتاحة أمامك، وتوظفها جميعا لكي تقفز هذه القفزة العمرية..فلن تستطيع فعل ذلك في مرحلة عمرية لاحقة، وسوف تندم كل الندم على إهدارك إياها،وستكتشف أن الوقت والزمن قد ضاعا وبدون رجعة ،وستقول لنفسك متحسرا ” الا ليت الزمان يعود يوما..”..
فما مستقبلك الذي تتمناه إلا نتيجة حتمية وانعكاسا حتميا لما تفعله في حاضرك الآن، هدفا وغاية وتخطيطا وبرمجة حياتية شخصية ذاتية وتأهيلا جيدا…
فلا تتكاسل وتتردد عن القيام بذلك الآن، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد،ولا تقل أن الوقت مازال أمامك وأن مازال فيه المتسع،فمرور الوقت ليس في صالحك،وسوف تكتشف أنك كنت على خطأ،وستقول لنفسك متحسرا أيضًا “لقد أكلت يوم ضيعت وقتي هباء ولم استفد منه”، وقد تكثر حراستك وخيباتك…
ولدي وبني العزيز…
عندما يتقدم بنا العمر لا نحتاج إلى من يشجعنا ويقوي فينا العزيمة وحب المغامرة، فالمرحلة ليست مناسبة لكل ذلك،.. بل إلى من يحبنا ويفهمنا ويحترمنا ويقدر ذاتنا وعملنا،ويجعلنا ننام بهدوء وراحة بال.. ونحتاج أشخاص نشعر بوجودهم بأمان وإطمئنان .. لا نخاف أن يفهموننا خطأ ولا نخاف خسارتهم في وقت لاحق.. نستحق علاقات مريحة دون أسئلة تقلقنا ولا أجوبة تحيرنا…
علاقات تجعلنا نبتسم في أصعب الأوقات وتنسينا متاعب الحياة .. حتى في الخيبات نتصالح فيها مع ذاتنا .. تجعلنا نعيش السلام الداخلي والحب لكل شيء لكي نرى كل ما حولنا جميل).
لكن ذلك السلام الداخلي، لن نشعر به إلا في حالة أننا لم نضيع تلك الفرص وتلك الإمكانيات، وتلك المرحلة العمرية…
أما إذا ضيعنا وأضعنا كل ذلك،ولم نستفد منه،فإننا سوف نفقد كل شيء، وحتى ذلك السلام الداخلي، وسوف نعيش نؤنب ونعاتب ونلوم أنفسنا حتى لو وجدنا حولنا كل الحب والإحترام والتقدير، وكل الإهتمام والعناية..فلن نستطع أن نبتسم، لا في أصعب الأوقات ولا في أسهلها،…
ولدي وبني العزيز….
لا أريدك أن تقول يوما ما،ومرحلة عمرية ما،لنفسك كما قال هؤلاء.
يقول فيودور دوستويفسكي: “وبعد ذلك سوف تسأل نفسك، أين ضاعت أحلامك؟ وستقوم بهز رأسك وانت تُهمهم: ما أسرع مرور الوقت ! وتعيد سؤال نفسك مرة أُخرى ، مالذى أنجزتهُ طوال فترة حياتك؟ وأين دفنت وبددت أفضل سنوات عُمرك؟ وهل كُنت على قيد الحياة أم لا؟ وسوف تقول لنفسك أُنظر كيف أن الحياة أصبحت باردة وكئيبة ، وستَمُر سنوات أخرى من عُمرك، وبعد ذلك ستمر سنوات أخرى تكسوها الكأبة. وبعد ذلِك ستأتي فترة الشيخوخة الغير مُستقرة ويليها فترة اليأس والكأبة التامة. وسينهار عالمك الرائع، وأحلامك سوف تذبل وتموت، وسوف تُنثر مثل فتات أوراق الشجر الأصفر فى فصل الخريف”.
أما إبراهيم أصلان، صاحب رواية “مالك الحزين”، فيقول:
“إن أعظم مكافأة يمكنك أن تمنحها لنفسك في نهاية أيامك، هي أن تنفض عنك كل المثل العليا التي عشت عبدا لها طوال سنوات عمرك”.
ويقول محمد الماغوط:
“… لا أريد شيئًا، فطول حياتي وأنا أركض ولم أصل، إلا إلى الشيخوخة! أيها النسّاجون أريد كفنا واسعا لأحلامي!”.
بل أريدك أن تقول لنفسك يوما ما، ومرحلة عمرية ما:
لقد عشت حياتي وحققت آمالي وطموحاتي،واستفدت من شبابي، ومن كل الفرص التي أتيحت لي،راضيا كل الرضى،سعيدا كل السعادة وفخورا كل الفخر، وها أنا ذا اقضي بقية عمري(شيخوتي) في طمأنينة تامة، قدوة لأولادي وأحفادي، وفخرا ومفخرة لهم، احكي لهم تجاربي الناجحة، وعندما أرحل يوما ما، أكون قد تركت ورائي دليلا ومنهجا للنجاح والتفوق،..
ولدي وبني العزيز…
لا تتبعني وتقتفي أثري.. فأنا لا أرى نفسي قدوة لك في هذا المجال.. فلقد أضعت شبابي وكل الفرص التي أتيحت لي، ولم استفد منها، وكم أنا نادم على ذلك، بل إن الندم لا يفارقني ولو حتى للحظة واحدة لا في اليقظة ولا في المنام،بل إن الكابوس لا يفارقني..
صحيح بأن ظروفي منعتني من ذلك، فأنا لم أملك وأمتلك القدوة والمرشد والموجه والمعلم..
صحيح أنني، وبرغم كل ذلك، قد حققت أشياء كثيرة وكثيرة على قدر الظروف والأوضاع التي أحاطت بي ومازالت تحيط بي،.
لكن الصحيح أيضا، أنه كان في استطاعتي تغيير تلك الظروف والتغلب عليها… وأن كل تلك الأشياء التي حققتها لم ترقَ إلى مستوى طموحاتي وآمالي وأحلامي/ ولو بالقدر اليسير والبسيط منها..
فأنا لم “أركض” كما قال محمد الماغوط
لكنني “عشت” كما قال إبراهيم أصلان
وها أنا ذا أجد نفسي أردد ما قاله دوستويفسكي
ولدي وبني العزيز….
إنني، وفي هذه اللحظات من حياتي، وبعد بلوغي هذه المرحلة العمرية من حياتي (مرحلة بداية الشيخوخة) والتي تعتبر (أولى علاماتها أن يتحول الإنسان فيها من إنسان يحلم إلى إنسان يتذكر…).
كما يقول الطبيب والكاتب المسرحي والقصصي الروسي الذي يعتبر في مقدمة رواد القصة القصيرة على مدى التاريخ/ أنطوان تشيخوف، وذلك في بلد طبيعي يعيش فيه الإنسان كل مراحله العمريه..
أقول في هذه المرحلة وهذه اللحظات، ولكي أخفف عن نفسي نفسيا، ولو بجزء بسيط، جراء ما أضعته من فرص، ومن رتابة الحياة اليومية، حتى ولو كانت تلك الرتابة سعيدة فما البال إذا كانت قاسية وصعبة يندب فيها الإنسان حظه.. كما هو حالنا في هذا البلد.. والتي تعتبر حياتنا فيه مرحلة عمرية واحدة (مرحلة الشيخوخة)، إن لم تكن فيزيولوجية، فهي أكيد نفسية نفسانية…
فإنني، انبش في ذكرياتي القديمة الجميلة على الرغم من قلتها..
أعمل جاهدا، وبقدر المستطاع، على التكيف مع البيئة الصعبة التي أعيش فيها، والمحيط الذي يحيط بي ويحيطني..
أحاول، وبقدر المستطاع، الاستمتاع بما أملكه وأمتلكه، حتى ولو كان شيئًا يسيرا وبسيطا وزهيدا،..
أقوم بكتابة ما يجول بخاطري، كون الكتابة بمثابة إحدى الفتحات لكي نتفس من خلالها وبواسطتها…
كل ذلك أقوم به وأفعله، وفقا لقاعدتي وفلسفتي الحياتية الخاصة التي تقول: إذا لم تستطع أن تغيّر من واقعك الخاص والعام، وفي ظل استحالة إعادة ما مضى من عمرك،.. فما عليك إلا الاستمتاع بما تملكه وتمتلكه.. وبقدر المستطاع، وألا تجعل ما فاتك يؤثر عليك.. وقد نجحت نجاحا باهرا في ذلك.. لذلك، أقول لك يا ولدي وبني العزيز:
لا تتبعني وتقتفي أثري.. حتى لا تصل إلى ما وصلت إليه أنا.. وتصير كما صرت أنا…
ولدي وبني العزيز…
اقفز ثم اقفز ثم اقفز.. فالوقت الضائع.. لن ولا يعود مجددا، والمرحلة العمرية.. لن تعود مجددا، فكل الفرص متاحة لديك..فلا تضيعها، فأنا أعرفك كل المعرفة.. ولا أحملك فوق طاقتك.. قم بذلك.. الآن، ولا تتكاسل وتتردد.. فإذا لم تقم بذلك الآن.. فلن تقوم به أبدا، قم بذلك.. نحن معك وإلى جانبك..
دا بيد.. وخطوة بخطوة، كن أنت البادئ.. وثق بأننا معا وسويا..