سيّد قطب.. أسرار واعترافات تنشر لأول مرة: أخطأت وخُدعت!
“المدارنت”..
هل لسيّد قطب، أوراق مفقودة لم تنشر بعد؟!، هذا ما كشفه حمادة إمام، مدير تحرير جريدة “الشروق”، في كتابه الجديد «أوراق سيّد قطب المفقودة»، الذي يكشف أن للرجل أوراقًا لم تنشر بعد، ولعلها هي أخطر ما كتبه سيّد قطب عن نفسه وعن “الجماعة” (الإخوان المسلمين)، وكيف قاده طموحه الى حبل المشنقة، وأن عدد هذه الأوراق وصل إلى نحو 62 ورقة مكتوبة بخط يده، تتضمن أسرارًا واعترافات تنشر لأول مرة.
لعل من أبرزها، هي أن الأستاذ محمد حسنين هيكل، هو أول من سرّب أوراق سيّد قطب، وأن الكاتب فهمي هويدي هو من قدمها الى جريدة «المسلمون» بمقابل أو من دون مقابل، ولم يكتب اسمه عليها، بالإضافة إلى أن سيّد قطب، اعترف قبل إعدامه بأنه أخطأ وخُدع، وأن نساء “الجماعة” (الإخوان المسلمين) لعبوا دوراً هاماً في نقل أفكاره وتكليفاته إلى الإخوان خارج السجن، وأن حادث المنشية ومحاولة اغتيال (الزعيم العربي الراحل جمال) عبد الناصر لم تكن تمثيلية، وتصل الاعترافات الى ذروتها، عندما يكشف المؤلف عن أن الشيعة العراقيّين كانوا وراء إفراج عبد الناصر عن سيّد قطب عام 1964.
يبدأ حمادة إمام كتابه، وفيه يشرح رحلة تسريب أوراق سيّد قطب فيقول: أول مرة أعلن فيها عن وجود أوراق لسيّد قطب لم تنشر كانت عبر جريدة «المسلمون»، التي أعلنت عن حصولها فى 16 فبراير 1985 على الأوراق التي كتبها سيّد قطب في أيامه الأخيرة، والتي أعلن صاحبها «حافظ هشام ومحمد علي حافظ»، أن الوثيقة التي كتبها “شهيد الإسلام” (سيّد قطب) ناقصة وغير كاملة، مع التأكيد على أن هذه الوثيقة هي وبلا شك بخط سيّد قطب.
من هنا بدأت رحلة المؤلف في البحث عن باقي الأوراق، بخاصة أن ما نشر في جريدة «المسلمون» كان لا يزيد عن 26 ورقة، وما كتبه قطب كان ما يقرب من 62 ورقة، وبلغة الأرقام كان هناك ما يقرب من 36 ورقة مفقودة، وهذا ما دفع الكاتب إلى أن يعرف أولا كيف وصلت الأوراق الى جريدة «المسلمون».
بمجرد نشر الوثيقة في جريدة «المسلمون» طال الاتهام وراء تسريب الأوراق المرحوم الأستاذ هيكل، البعض اتهمه مباشرة ببيعها الى جريدة “الشرق الأوسط”، والبعض قال إنه أعطاها لبعض تلاميذه، وتحديدا فهمي هويدي.
وكان أول من كشف حقيقة تسريب الأوراق هو الصحافي محمد حافظ دياب، في كتابه «سيّد قطب الخطاب والأيديولوجية»، الذي قال «إن الكاتب الصحافى المرحوم صلاح قبضايا قال محمد حسنين هيكل، أعطى بعض تلاميذه بعض وثائق العهد الناصرى لدراستها وتحليلها، وكان ممّا أعطاهُ للكاتب فهمي هويدي هذهِ الوثيقة الذى عرض نشرها فى جريدة «المسلمون» بمقابل كبير، وبالفعل نُشرت».
هنا يقول إمام، يوم الأحد 11 يونيو 2023، وتحديدا الساعة 12: “اتصلت بالأستاذ فهمىي هويدي لسؤاله مباشرة عن علاقته بوثيقة سيّد قطب، وهل هو فعلًا الذي باعها الى جريدة «المسلمون»؟.
المفاجأة أن الرجل لم يستخدم المبدأ الذهبي فى مثل هذه الحالات القائل: «أسمع كثيرًا وأتكلم قليلًا»، وإنما سألني ماذا قال صلاح قبضايا؟، فقلت: إنك حصلت على الوثيقة من هيكل وبعتها لـ«المسلمون»، فقال: نعم أنا حصلت على الأوراق من الأستاذ هيكل، ولكن للأمانة هذه الأوراق كانت ناقصة، وليست كل ما كتبه سيّد قطب، لأن الأستاذ هيكل قام بحذف الكثير منها، وظنّي في ذلك أنه كان لحماية وحفظ صورة النظام الناصرى، حيث غلبه انتماؤه السياسي، وأن هذا الأمر أفقد الأوراق قيمتها، وبعد ذلك عرضتها في لندن جريدة «المسلمون»، والذين احتفوا بها، دوري انتهى عند هذه المرحلة، ولم أشارك في نشرها، ولم يكتب اسمي على الحلقات.
من المفاجآت التي يفجرها الكاتب، أن الأستاذ هيكل اعترف في كتابه «مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان في صفحة 25»، كيف وصلت الأوراق إليه، فيقول:
«ومرت على هذه الأحاديث سنوات، وقع فيها ما وقع، وضمنه ذلك الصدام العنيف في أيار /مايو 1971 بين (الرئيس المصري الراحل أنور) السادات، وما سمّي وقتها بمراكز القوى، وفي أعقاب ذلك الصراع، حدث أن الرئيس السادات ترك لي مجموعة أوراق كانت في مكتب السيد سامي شرف، مدير مكتب الرئيس (الراحل) عبد الناصر للمعلومات».
بلا موعد مُسبق، حضر أشرف مروان، سكرتير الرئيس للمعلومات، إلى بيت أنور السادات في الجيزة، ومعه حقيبتان من حجمين مختلفين، معبأتين بأوراق ووثائق جلبها من مكتب سامي شرف، وزير شؤون الرئاسة، الذي اعتقل في أحداث أيار/ مايو 1971. تصوّر مروان أن وثائق الرئاسة في «منشية البكري» قد تغري الرئيس الجديد بقراءتها، أو اعتبارها «هدية ثمينة» تستوجب الامتنان والشكر، لكن السادات قال ساخطًا: «لن أقرأ البلاوي دي.. اقرأها أنت يا محمد، وإن كان فيها حاجة مهمة قل لي».. «خدها إنت بتحب الورق القديم، وعندك صبر لتقرأ، أما أنا فلا صبر عندي عليه». وبالفعل، أخذت الحقيبتان لكني لم أفحص محتوياتهما إلا بعد أن تركت (صحيفة) “الأهرام”، وتوافرت لي فرصة كي أراجع وأبحث.
وفي نفس الصفحة يقول هيكل: كان السيد سامي شرف، قد جرى العمل في أسلوبه على أن يسجل بخط يده ما يسمع فىي التليفون من أيّ مسؤول، حتى لا يضيع من تفاصيله شيء عندما يعرض على الرئيس، إذا كان فيها ما يتطلب العرض، وفي بعض المرات فإن سامي شرف كان يبعث بأصول ما كتبه بخط يده، وفي لحظتها للأهمية ما فيه، ثم تعود تلك الأصول وعليها تأشيرة برأي أو إشارة برفض أو قبول، وأحيانا بعلامة استفهام.
المؤلف في الفصل الثاني يكشف عن الدور الذي لعبه سيّد قطب في إعدام خميس والبقري، اللذين قادا إضراب عمال “كفر الدوار”، حيث إن سيّد قطب كان المدني الوحيد الذي كان يسمح له بحضور بعض جلسات “مجلس قيادة الثورة”، فقد كتب قطب مقالًا في العدد 15 من جريدة «الأخبار»، أغسطس 1952 بعنوان: «حركات لا تخيفنا»، حثّ فيه “مجلس قيادة الثورة” على ألا يتورعوا عن إبادة العمال المتظاهرين في مدينة “كفر الدوار”، وأنّ الثورات يجب أن تحرِق خصومها، وتصفّي كلّ من يقف فى طريقها.
ينتقل إمام بعد ذلك الى اعتراف سيّد قطب، الذي قال: إن حادث المنشية لم يكن تمثيلية كما يقال، وإنما كان من تدبير المخابرات الأمريكية، فسيّد قطب في اعترافه يقول «أرجح من استقراء الأحوال ومن خطة الأستاذ فؤاد جلال، وكيل جمعية الفلاح، أنها أمريكية».
الكتاب يكشف ضمن ما يكشف عن العلاقة الوطيدة التى تربط تنظيم “الإخوان” (المسلمين) بالشيعة، حيث يكشف الكاتب عن أن الشيعة العراقيين نجحوا في إطلاق سراحه والإفراج عنه سنة 1964، بوساطة من الرئيس العراقى آنذاك (الراحل) عبد السلام عارف، بعد الحكم عليه بالسجن 15 عاما عام 1954، في قضية محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية، والتي قضى منها عشر سنوات.
يكشف إمام عن أنه تقابل في عام 96 مع الدكتور فريد عبد الخالق، الذي كان السكرتير الشخصي لمرشد “الجماعة”، كما كان آخر من التقى بسيّد قطب، قبل إعدامه بثلاثة أيام، وفي اللقاء الأخير اعترف قطب لفريد، بأنه تعرّض للخديعة من قبل العناصر التي ورطته في التنظيم. نفس الكلام أكده اللواء فؤاد علام، وكيل مباحث أمن الدولة الأسبق، الذي قال إنّ محمّد فريد عبد الخالق حدّثه شخصيّا، وقال له: إنّ سيّد قطب أخبرهُ مُشافهةً في السِّجن مُصرّحًا بأنّه أخطأ.