عربي ودولي

شهادات من “رفح” المنكوبة.. مدينة دمرها الاحتلال وجعلها غير قابلة للحياة البشرية!

“المدارنت”..
تعيش مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، واقعا أليما، بفعل الحرب والتدمير الكبير والممنهج الذي قامت به قوات جيش الاحتلال، على مدار أكثر من ثمانية أشهر متتالية من الاجتياح البري، عندما قامت قوات الاحتلال بشن عملية برية كبيرة، خلفت دمارا طال أكثر من 60% من مساحة المدينة، وجعلها غير قابلة للحياة البشرية.
وأشار تقرير طويل أعده المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إلى ما تعانيه المدينة التي لا تزال إسرائيل تحتل حدودها الفاصلة عن مصر “محور فيلادلفيا”، من كارثة إنسانية متجددة، نتيجة الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر، الذي حوّل معظم أحيائها إلى أكوام من الركام، في مشهد يعكس حجم الدمار الهائل الذي لحق بالمدينة وسكانها خلال “حرب الإبادة الجماعية” التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
وعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، ما تزال قوات الاحتلال تواصل هجماتها العسكرية، وتسيطر على ما يقارب 60% من مساحة المدينة، سواء بتمركز الآليات أو السيطرة النارية، وتستهدف المدنيين العزل بالقصف وإطلاق النار، مما يسفر يوميًّا عن وقوع المزيد من القتلى والجرحى، ما يجعل المدينة غير صالحة للحياة البشرية، حيث دمرت البنية التحتية والمرافق الأساسية، وسط غياب شبه تام للخدمات الصحية والمساعدات الإنسانية الكافية، فيما يستهدف القصف وإطلاق النار الإسرائيلي العائدين لتفقد منازلهم، في حين يواجه الناجون من القصف والتشريد خطر الموت جوعًا أو مرضًا مع تشديد الحصار غير القانوني ووقف دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع منذ تاريخ 2 مارس الجاري.

قتلت في المطبخ
وعرض التقرير حوادث قتل تعرض لها سكان المدينة بعد دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، واستعرض حادثة السيدة هناء حسنين (47 عاما)، وتعمل معلمة في مدرسة لـ “الأونروا”، وقتلت داخل منزلها في الحي الإداري، على بعد حوالي 800 متر من الشريط الحدودي مع مصر جنوب مدينة رفح، في 21 فبراير 2025.
وذكر زوجها رأفت الغوطي،  الذي يعمل حكيماً في مستشفى غزة الأوروبي في مدينة خان يونس في شهادته عما حدث في ذلك اليوم “عدت إلى منزلي مع زوجتي وأبنائي الأربعة بعد مرور أسبوعين من توقيع وقف إطلاق النار، وكنت نازحاً عند أقارب زوجتي في مخيم البريج وسط قطاع غزة طوال الهجوم البري في رفح، بعد عودتنا قمنا بتنظيف المنزل وأجرينا فيه تصليحات بسيطة وسريعة جراء تعرضه للحرق والتدمير الجزئي”، وأضاف “خلال تواجدنا كنا نسمع صوت إطلاق النار من دبابات الاحتلال على مدار ساعات النهار والليل”، وتابع “في حوالي الساعة 10:00 صباح يوم الجمعة 21/2/2025، شاهدت زوجتي تسقط على الأرض أثناء تواجدها في المطبخ في الطابق الأول داخل منزلنا، توجهت مسرعاً نحوها ولاحظت أنها فاقدة وعيها ولا تظهر عليها أي علامات حيوية”.
حاول الزوج عمل تنفس صناعي لزوجته، غير أنها لم تستجب لمحاولات الإنقاذ، ويقول الزوج “حملتها ونزلت بها إلى الشارع ووضعتها في سيارة جاري وتوجهنا إلى مستشفى غزة الأوروبي، ومن خلال فحوصات الأطباء وصور الأشعة، تبين إصابتها بعيار ناري دخل في الصدر واستقر في القلب وهو ما تسبب في نزيف داخلي واستشهادها”.

استهداف الأطفال وقت اللعب
أما الطفل محمود أبو حرب (17 عاماً)، فقتل وهو فوق سطح منزل عائلته بجوار صالة السلام، جنوب الحي الإداري في مدينة رفح، على بعد حوالي 700 متر من الشريط الحدودي مع مصر جنوب مدينة رفح، في الثاني من مارس، ويقول عمه ممدوح في افادته عن الحادثة، إنهم عادوا إلى المنزل الذي تعرض لتدمير وأضرار،  بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وإنه شرع مع شبان من العائلة بتنظيفه لافتا إلى أنهم كانوا بعد عودتهم للمنزل يسمعون صوت إطلاق نار متقطع من قوات الاحتلال. في حوالي الساعة 10:30 صباح ذلك اليوم كان كل من ابن شقيقه، وابن عمه محمد، وسباك يعملون على صيانة خزانات المياه فوق سطح المنزل، وقال “أثناء ذلك، تعرضوا لإطلاق النار من طائرة مسيرة (كواد كابتر)، كانت تحلق فوق الملعب البلدي القريب، ما أدى إلى إصابة ابن أخي محمود بعيار ناري في بطنه، واستشهد فور نقله إلى المستشفى”، وفي تلك الحادثة أصيب ابن عمه والسباك.
أما الطفلة تالا أبو شاويش (13 عاما)، فقد عرضتها الإصابة بنيران الاحتلال بعد التهدئة إلى الإصابة بالشلل، فقد أصيبت برصاص أطلقته طائرة “كواد كابتر”، شلت الجانب الأيسر من جسدها، وذلك خلال وجودها أمام منزلها في مخيم رفح (الشابورة) الواقع على بعد حوالي 1500 متر من الشريط الحدودي مع مصر، في يوم 26 فبراير الماضي.
ويقول والدها حمادة أبو شاويش، إنه بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة، توجه إلى منزله في المخيم، الذي يعد من  المناطق الآمنة وفق الخرائط التوضيحية لاتفاق وقف إطلاق النار، وإنه في ذلك التاريخ كانت ابنته تلهو مع الأطفال على باب المنزل، ويضيف “فجأة وبدون سابق إنذار، سمعت صوت انفجار كبير، وسمعت صوت صراخ الأطفال، ثم توالت أصوات عدة انفجارات أخرى، ولكنها أقل قوة، وتبين لاحقاً بأن مصدرها هو طائرات (كواد كابتر) الإسرائيلية التي ألقت عدة قنابل على مناطق متفرقة في المخيم، فنزلت مسرعاً إلى الشارع المقابل لمنزلي وشاهدت ابنتي تالا ملقاة على الأرض ووجهها ورأسها مغطى بالدماء”.

دمار كبير
هذا وقد كشف اتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب الجزئي لقوات الاحتلال الإسرائيلي من المدينة، عن حجم الدمار الهائل والصادم الذي لحق برفح، حيث لم يتمكن السكان من التعرف على أماكن منازلهم أو الوصول إليها أو معرفة الشوارع والمرافق العامة، حيث تبين أن قوات الاحتلال ومن خلال التدمير والتخريب طوال 8 أشهر من اجتياحها للمحافظة، كانت تهدف إلى جعل رفح مدينة غير قابلة للحياة، حيث طال التدمير وفق التقديرات الأولية لبلدية رفح، 52 ألف وحدة سكنية بين تدمير كلي وجزئي، علمًا أنه لا يزال من المتعذر حصر الأضرار بشكل نهائي ودقيق، لأن قوات الاحتلال لا تزال تتمركز في مساحات واسعة من رفح، إضافة لاستمرار عمليات التدمير والقصف، وقد تواصلت عمليات التدمير بالرغم من وقف إطلاق النار.
وبسبب التدمير الكبير وعمليات إطلاق النار، لم تعد المؤسسات الدولية والإغاثية للعمل وتقديم خدماتها للسكان في رفح، بسبب خطورة الوضع الأمني وعدم توفر الحماية لموظفيها، حيث لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تسيطر على حوالي 60% من مساحة محافظة رفح سواء بالتمركز خارج الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ومصر أو بالسيطرة النارية، فيما يقدر حجم الدمار والخراب في المحافظة بما يزيد عن 60% في المنازل والمؤسسات والبنى التحتية والمرافق العامة والمساجد والشوارع، حيث دمرت 5 أحياء والمخيم تدميراً كلياً، وفي الأحياء الأخرى يتراوح التدمير ما بين 40% إلى 80%، وحاليا يعيش نازحو المدينة تحديات وصعوبات كبيرة أهمها مشكلة عدم توفر مياه الاستخدام المنزلي والمياه الصالحة للشرب ونقل النفايات، فيما يوصف الواقع الصحي في المدينة بأنه “كارثي للغاية”، بسبب عدم توفر أي خدمات صحية تقريباً.

“القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى