صحيفة عبرية: “الإسرائيليون” يعتبرون أن في قطاع غزّة 59 “إنساناً”!
“المدارنت”..
كل رسائل الاحتجاج ضد الحرب تستحق التقدير؛ جميع هذه الرسائل جاءت متأخرة، وجبانة. إرسالها قد يولد انطباعاً بأن 59 شخصاً فقط يعانون الآن في قطاع غزة، وكأنه لا أحد حولهم، وكأنه لا يوجد 50 ألف قتيل أو عشرات آلاف الأطفال الأيتام والمصابين بالصدمة والمعاقين، أو 2 مليون نازح معوزين لكل شيء. ليس 59 مخطوفاً، الأحياء والأموات، الذين دماؤهم أسمى، وحريتهم أغلى من أي شيء.
حسب الرسائل، المخطوفون ضحايا الحرب. ومن يقرأ الرسائل الشجاعة، يقرأ نظرية الأخلاق الإسرائيلية المشوهة والانتقائية، حتى في أوساط أفضل الأشخاص. الأمر الفظيع الموجود بين السطور، أنه إذا تم تحرير المخطوفين (فقط إذا تم عزل نتنياهو)، حينئذ يمكن مواصلة سفك الدماء في القطاع بدون عائق. لأن الحرب حرب عادلة في نهاية المطاف.
في الوقت الذي يفرح فيه كثيرون من هذه الرسائل، ثمة إصابة بالصدمة لعدم وجود أي رسالة تطالب بإنهاء الحرب في المقام الأول بسبب جريمة ضد الإنسانية. مصير المخطوفين يجب أن يصدم كل إسرائيلي وكل إنسان، لكن عندما يكون التركيز عليهم فقط، مع تجاهل معاناة 2 مليون شخص آخر، عندها لا يمكن ملاحظة هذه الأخلاق القومية المتطرفة، “الدم الإسرائيلي وحرية الإسرائيليين فوق الجميع”.
من الواضح أن كل الشعب يهتم بمصير أبنائه قبل كل شيء. ولكن إدارة الظهر للضحايا الذين تسببنا بهم، عندما يدور الحديث عن حجم كبير كهذا، تبدو أمراً يثير اليأس. لا يمكن أن يوقع شخص صاحب ضمير حقيقي على هذه الرسائل. بعض الرسائل دفعت ضريبة كلامية على شاكلة ذكر ضحايا قطاع غزة لرفع العتب الأخلاقي. الطيارون ذكروا “مدنيون أبرياء”، بدون تفسير من هم، ربما قصدوا سكان الغلاف. الكُتاب استجمعوا الشجاعة وكتبوا “مس غير متزن بسكان غزة”، و”مس فظيع بأبرياء”، كما هو جدير. ولكن يبدو أن لديهم دافعاً لإنهاء الحرب: مصير المخطوفين.
المظليون الـ 2000 ورجال سلاح المشاة والـ 1700 جندي مدرعات، والـ 1055 طياراً وطواقم طيران، وحتى الـ 200 جندي “تلبيوت”، الذين هم من خريجي كل وحدات الجيش تقريباً، كتبوا ووقعوا. هددهم قادة الجيش بالإقالة. وهكذا أضافوا بعداً دراماتيكياً مصطنعاً للاحتجاج الصغير.
بعد ذلك، استيقظ الفنانون والمهندسون بعد سنة ونصف على الفظائع والصمت. يجب إنهاء الحرب لإنقاذ المخطوفين، قص ولصق. احتجاج حذر ومحسوب، لا يدور الحديث فيه عن رفض الخدمة فقط، أو عن مد يد شجاعة إلى داخل النار. من صاغوا الرسائل عرفوا بأنهم إذا وضعوا الضحايا الفلسطينيين على رأس الأجندة، فإن جزءاً كبيراً من الموقعين سيرفضون التوقيع.
الموقعون محقون. فالحرب يجب وقفها لإنقاذ المخطوفين. ولكنه ليس السبب الوحيد، أو حتى الرئيس، بل يجب وقفها أولاً بسبب ما تفعلونه لمليوني إنسان، غالبيتهم الساحقة من الأبرياء والعاجزين. لا يجب وصف المعاناة أو مقارنة معاناة بأخرى لفهم ذلك.
المخطوفون وأبناء عائلاتهم يعانون معاناة غير إنسانية يجب أن تتوقف على الفور. وفي الوقت نفسه، يجب الصراخ بنفس القوة ضد قتل الصحافيين والطواقم الطبية (هنا يجب الإشادة برجال طواقم طبية إسرائيلية، بينهم أطباء، صرخوا)، وضد قصف المستشفيات والمدارس، وتهجير الناس من مكان إلى مكان كأحجار اللعب، وضد التدمير الشامل الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي بلا هدف أو حق. يموت في القطاع 59 مخطوفاً إسرائيلياً، يجب تحريرهم على الفور. خلافاً للرأي السائد في إسرائيل، هم ليسوا وحدهم الذين يموتون في قطاع غزة والذين يجب إنقاذهم من المعاناة على الفور.