مقالات

صيف ملتهب,, نحو خريف مضطرب!

جميل مطر/ مصر

“المدارنت”..
قضيت الأيام الأخيرة مستمعاً وقارئاً ومناقشاً زملاء أعزاء وأكفاء حول قرار محكمة العدل الدولية الحاكم بأن “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) ارتكبت جرائم حرب خلال عدوانها على شعب غزة.
توصلت مع بعضهم إلى اقتناع بأن “إسرائيل” ما كانت لترتكب ما ارتكبته وأمعنت في ارتكابه، وأن المحكمة ما كانت لتنعقد وتناقش وتصدر قرارها، ما كان يحدث هذا أو ذاك، وغيرهما كثير لو لم تقع تطورات وأحداث بعينها خلال فترة غير قصيرة من الزمن. أعرض في السطور التالية وبإيجاز لبعض هذه التطورات والأحداث التي حصلت على اتفاق عام بين أهل الفكر لكونها كانت وراء الواقعتين، واقعة العدوان “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) المتوحش وواقعة انعقاد محكمة العدل حتى توصلها لقرارها ووقائع أخرى حفل بها زماننا.
أبهرتنا أمريكا في وقت مبكر بابتكار نظام دولي مؤسس على قواعد. عشنا عقوداً نراقب التزامها بتعهداتها. كانت أقل تنكراً لتعهداتها وهي في مكتمل عنفوانها في ظل النظام ثنائي القطبية، ثم كانت ولا تزال، أشد تنكراً منذ آلت إليها الهيمنة في نظام دولي أحادي القطبية.
فقدت أمريكا جلّ انبهارنا، عندما تولى أمرها زعماء، لم يراعوا أنهم في الأصل، ملتزمون في علاقاتهم بالآخرين قواعد وقيم، وأنهم إنما حصلوا على انبهارنا لاعتقادنا بأنهم أهل لقيادة العالم. راح الظن بنا إلى اعتبارهم أقل ظلماً وعنصرية من قادة بريطانيا العظمى التي خلفت لنا خلال انسحابها، أسوأ ما في تركتها الاستعمارية. خلفت لنا في قلب الشرق الأوسط وللعالم دولة وعقيدة، كلاهما عابر لحدود دول الجوار والدول بشكل عام وللقارات الخمس، وكلاهما مؤسس على قواعد وأساطير من وراء التاريخ. بريطانيا العظمى خلفت لنا وللعالم، “إسرائيل” والصهيونية.
توقفنا طويلاً، أثناء المناقشة وتبادل الرأي أمام تصريح للرئيس الأمريكي (جو بايدن) موجه لكل الدنيا، قال: «أنا صهيوني، وإن كنت غير يهودي الديانة». توقفنا مرة ثانية وباندهاش شديد ونحن نشاهد أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، يهبط من الطائرة في أول زيارة له للشرق الأوسط فـي أعقـاب انطـلاق الحـرب “الإسرائيليـة” (الإرهابيـة الصهيونيـة) علـى غـزة، يعلن للملأ وعلى وجهه ابتسامة لم نفهم مغزاها في حينها أنه، وهو اليهودي، قادم بهذه الصفة في مهمة رسمية إلى منطقة الصراع العربي/ “الإسرائيلي”.
للحق كان هناك في أمريكا السناتور اليهودي برني ساندرز، بذل جهداً صادقاً في تحذير حكومة بايدن من عواقب الاستسلام لمنظمة «أيباك» وللهجة التحدي في التصريحات الرسمية الأمريكية. بدا العالم لعديد الناس يساق بجيش “إسرائيل” وقنابل أمريكا وأموالها ومجلسيها التشريعيين إلى مذبحة كبرى تعقبها حسب درس التاريخ حرب عالمية ثالثة.
يهمنا أن نعرب عن ثقتنا في أن إسرائيل كانت واعية تماماً لحقائق أخرى لا تقل جلاءً ووضوحاً، أهمها حقيقة انحدار الغرب عموماً، ولم يتأخر الغرب نفسه بممارساته وخلافاته في تأكيد هذا الظن:
(أ) حين عادت فرنسا تجدد دعوتها لأوروبا بالسعي للاستقلال وبناء قوتها الذاتية.
(ب) من ناحية أخرى صار النهوض الآسيوي يحتل المساحة المتزايدة الاتساع في رقعة أو خريطة الإمكانات الثقافية والتكنولوجية والاقتصادية.
(ج) من ناحية ثالثة، فاجأتنا دول أوروبية بموقف الداعم لقرار محكمة العدل الدولية خروجاً عن الإجماع المتوقع من جانب المجموعة الغربية. هذا دليل جديد على أن دولاً غربية متزايدة العدد تعيد تقييم مواقفها وسياساتها الخارجية.
(د) من ناحية رابعة، منذ تجلى للعالم بأسره وبخاصة للدول الآسيوية والإفريقية أن الغرب، بقيادة أمريكا أخطأ خطأً جسيماً في تقديراته لقوة روسيا واحتمالات الزيادة في الدعم الصيني لها واتساع نفوذهما معا في إفريقيا وفي الشرق الأوسط.
(هـ) تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن إفريقيا تقترب من أن تستحق صفة حال القارة الحبلى بالثورة أو الفوضى أو بكليهما معاً. كانت مفاجأة مذهلة لنا ولإسرائيل والعالم كله قرار دولة جنوب إفريقيا رفع دعوى في محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد دولة إسرائيل متهمة إياها بارتكاب جريمة إبادة ضد شعب فلسطين في قطاع غزة.
(و) نحن الآن نتجاوز الشهر الثامن ولم يتوقف القصف يوماً واحداً على أهل رفح والنازحين إليها. الإبادة مستمرة.
(ز) نعم، نحن في عام يتصادف واستعدادات في روسيا على قدم وساق بهدف عسكرة اقتصاد روسيا تمهيداً للتصدي لاحتمالات حرب أوسع حيزاً بأسلحة أحدث وربما نووية وبجنود أمريكيين وبريطانيين بادعاء أنهم مدربون وليسوا من أفراد عاملين في جيش بلادهم. إن حدث هذا التطور فنحن مع اقتراب نهاية العام نكون قد اقتربنا، نحن وغيرنا، من حالة الحرب العالمية، وفلسطين أحد ساحاتها.
تبقى الأيام شاهدة. أثبت الشعب الفلسطيني حقه وجدارته وعظمته. نجح فيما فشل فيه كثيرون واستعاد وبفخر كبير حق الشعوب جميعاً في الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي. خمسون عاماً والمسيرة مستمرة ولا سلام عند أي أفق في أي مرحلة من مراحل المسيرة. مسيرة تدور حول نفسها في دوائر مفرغة خلقت في كل بلد عربي جماعات من المستفيدين من استمرارها، وكانت النفق الذي دخل منه مئات الألوف من المستوطنين ليحتلوا ما تبقى من فلسطين تحت سمع وبصر عالم منبهر بصمود المسيرة. في حرب غزة انكشف زيف المسيرة. لن تعود آمنة ولا مفيدة.

المصدر: “الخليج” الإماراتية
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى