مقالات

عام على أول غزو روسي للوطن العربي..!

الكاتب العربي الراحل محمد خليفة/ سوريا

“المدارنت”..

روسيا تـوسع حربهـا.. وتـزيـد حشـودها برا وبحرا وجوا
خمس قـواعد روسية مـعـدة لإقامة دائـمـة!
إما رضوخ الشعب السوري للأسد.. أو تهديم وتقسيم سوريا
روسيا حامية العلويين .. وايران مهندسة (سوريا المفيدة)
الحلف الروسي/ الايراني قوي ويضع الشرق الاوسط بين فكي كماشة

في مثل هذا اليوم قبل عام بدأت القوات الروسية النظامية للمرة الاولى حملتها العسكرية على المناطق الخارجة على سلطة نظام الاسد في سوريا, بما فيها من سكان مدنيين وفصائل معارضة مسلحة. ودخل هذا اليوم التاريخ كعنوان محدد لغزو روسيا لأول بلد عربي, وللشرق الاوسط, ولأول بلد تهاجمه خارج (الفضاء السوفياتي), ولأول حرب تخوضها روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي, ولأول حرب بهذا المدى الزمني منذ حربها الخاسرة في افغانستان عام 1990.
لهذه الاسباب تعتبر حرب روسيا في سورية حدثا دوليا فاصلا له ما قبله وله ما بعده. فقد أدخل الأزمة السورية طورا جديدا, ومتاهة لا نهاية لها حتى الآن, ووضع الاطراف المحلية والاقليمية والدولية المتورطة والمعنية بالصراع, وكذلك النظام الدولي والامم المتحدة أمام أزمة معقدة وامام تحد خطير, اعتبرها كثيرون الاخطر والأكثر كلفة انسانية منذ الحرب العالمية الثانية.
ولا بد من التنويه أن الغزو الذي مرت عليه سنة كاملة, لم يكن بداية التورط الروسي في سوريا, بل بداية التدخل العلني المباشر فقط. أما التدخل الفعلي فبدأ منذ بداية الثورة, بوقوف موسكو خلف بشار الاسد, وحمايته من القانون الدولي, والمجتمع الدولي (استعمال الفيتو اربع مرات في مجلس الامن), وفتح مخازن السلاح المتقدم له, وإرسال خبراء عسكريين ليساعدوا الاجهزة السورية في عملياتهما العسكرية, وغير ذلك من صور الدعم التي تشكل في المحصلة تورطا فعليا وشاملا في جرائم الاسد.
أما التورط الذي حدث في نهاية ايلول/ سبتمبر فجاء نتيجة كتحرك طوارئي لحماية نظام الاسد بعد هزائمه المتلاحقة, بخاصة تحرير ادلب, وسيطرة داعش على تدمر, وفشل الايرانيين في محاصرة حلب, والتهديد الذي شكله الثوار للمناطق العلوية في الساحل بعد تحرير منطقة كسب, فرأى المستشارون الروس أن النظام وشيك السقوط إذا لم يحصل على مساندة عاجلة, ودعم هذا الاستنتاج الايرانيون, وزار الجنرال قاسم سليماني موسكو متوسلا التدخل السريع.
في الايام الاولى للغزو صرح الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية أن المهمة محددة بأربعة شهور, وهدفها دعم (الجيش السوري) بمواجهة المتطرفين, ودعم مسيرة الحل السياسي، وعندما انتهت الشهور الاربعة كانت القوات الروسية تتهيأ لأعنف حملة على ريف حلب الشمالي التي استمرت طوال شباط/ فبراير وأسفرت عن تهجير مليون سوري خارج بلادهم.
وفي 14 آذار/ مارس 2016 تكرر التضليل فأعلن الكرملين البدء بسحب قواته لاعطاء دفعة للحل السياسي عشية مفاوضات جنيف 3 بين النظام والمعارضة, وتم فعلا سحب عشرات الطائرات قبل أن يتبين انه فصل جديد من الخداع.
في كل الاحوال لم يتنبأ أحد من المراقبين بأن تمتد (المهمة المحدودة) عاما كاملا, ولكن هاهو العام الاول ينتهي والقوات الروسية في ذروة جاهزيتها تدمر وتقتل بلا توقف, وها هو الاكاديمي الروسي نيكولاي كورانوف في معهد (تشاتهام هاوس) ينبئنا بأن القوات الروسية باقية عاما آخر. وهذا القول تعززه الوقائع وتصريحات القادة الروس, فوزير الدفاع أكد مؤخرا أنهم سيرسلون المزيد من القوات الجوية والبرية والبحرية, وحاملة طائرات الى المتوسط, وصواريخ أكثر تطورا ( X38), وطائرات هليوكبتر ومقاتلات (SU33, وميغ 29) وسفن حربية وسفن وامداد, اضافة الى انها استقدمت صواريخ SS400 المضادة للطائرات الاستراتيجية, وهم يدفعون بمزيد من المقاتلين, وصل منهم ثلاثة آلاف الى منطقة السفيرة جنوب حلب. وأما الحشد البحري الحربي في المتوسط فهو أول (ارمادا)  روسية من نوعها في التاريخ في المتوسط.
وعلى صعيد مواز, تبين البيانات الرسمية توسيع الروس لقواعدهم على الارض وانشاء قاعدة جديدة في مدينة جبلة اضافة لقاعدتي طرطوس واللاذقية, وقاعدة برية في شرق سوريا قرب القامشلي, وقاعدة رادارات في تدمر للتجسس على كل دول الشرق الاوسط.
في ضوء هذه المعلومات والتقديرات يتضح أن الغزو, والوجود الروسي في سوريا ومياهها واجوائها لهما أهداف أبعد كثيرا مما أعلن عنه, وأبعد من سوريا، والشرق الاوسط. ولذلك يتعين علينا استجلاء المخططات الروسية مجددا:
ما الاسباب والاهداف الحقيقية للتدخل العسكري المباشر..؟
وماذا حقق في سنته الاولى..؟
وما هي التوقعات بشأنه في العام الثاني..؟
اهداف معلنة واخرى مخفية
راجع كثير من المحللين تقديراتهم لأبعاد الغزو الروسي في ضوء الحقائق التي أظهرتها التطورات . وعلى سبيل المثال ساد الاعتقاد على نطاق واسع بأن أسباب التدخل هي:
1 – تآكل قوة نظام الاسد العسكرية واحتمال سقوطه, وسيطرة المعارضة على الدولة, وخسارة روسيا مصالحها الاستراتيجية في سوريا.
2 – تصاعد قوة المنظمات الاسلامية الاصولية في هذا البلد بشكل يهدد الامن الروسي بسبب قدرتها على الوصول للقوقاز ووسط آسيا.
3 – تراجع قوة روسيا على الصعيد الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

أما الاهداف فهي:
1 – تثيبت نظام الاسد وتأهيله ليشارك في مفاوضات التسوية السياسية مع المعارضة من موقع قوة.
2 – توسيع روسيا لنفوذها في الشرق الاوسط وتعويض خسائرها التي منيت بها طوال اربعة عقود ( 1972 – 2015 ).
3 – تعزيز مكانة روسيا الدولية.
أما الآن وبعد عام من التدخل , فاتضح أن للروس رزمة اهداف أوسع وأبعد:
1- السيطرة على سوريا كاملة والتحكم بمصيرها نهائيا, وهناك شبهات على التوجه لتقسيمها, لتوفير حماية دائمة للعلويين, وانشاء كيان كوردي توأم.
2 – رفض أي حل سياسي يثبت مشاركة المعارضة في الحكم لأن روسيا تشاطر الاسد وايران الرأي بأن ذلك سيكون على حساب النفوذ الروسي/ الايراني, وسيقود لانتقال سورية الى الفلك الغربي, كما حصل في ليبيا.
3 – اعادة ترميم نظام الاسد من داخله, وتأهيله ليكون نسخة من نظام بوتين الذي يسميه المحللون (الديمقراطية الموجهة, أو السيادية) وترويجه في المنطقة كنموذج عالمي مضاد للديمقراطية الغربية, لتلعب روسيا دور الحامية للانظمة الديكتاتورية الخائفة من الديموقراطية.
4 – ترسيخ موقع روسيا الاخير على ساحل المتوسط.
5 – السيطرة على الشرق الاوسط, وملء الفراغ الذي احدثه انسحاب اميركا المستمر من المنطقة, ولعب دور الحليف الحامي لدوله بديلا عن أميركا وبريطانيا وفرنسا.
6 – التأثير على أسواق وأسعار النفط والغاز عالميا بالضغط على دول الخليج العربية المصدرة.
7 – انشاء حلف اقليمي روسي/ ايراني يتحكم بمصير الشرق الاوسط ويقصي نفوذ الغرب تدريجيا.
 8 – مساومة الغرب على القبول بالتوسع الروسي في اوكرانيا والقرم.
9 – تهديد أوروبا, وخلق الأزمات لها, والضغط عليها لرفع عقوباتها عنها.
10 – توسيع نطاق المواجهة مع الناتو لمساومته على الابتعاد عن حدودها.

الحصيلة في العام الاول:
ماذا حققت روسيا من غزوها..؟
الواقع أن روسيا حققت الكثير من المكاسب والاهداف, وما زالت تحقق بقوتها الغاشمة دون حساب لمعاناة الشعب السوري التي سببتها له مع ايران ونظام الاسد, ونتيجة التجاهل الدولي, بخاصة امريكا, وقد حملت صحيفة واشنطن في افتتاحيتها يوم 30 آب/ اغسطس الماضي اميركا وبريطانيا وفرنسا المسؤولية عن مقتل ربع مليون سوري لعدم تدخلها الفعال في الوقت المناسب عام 2012 أو 2013 وفتحها المجال لروسيا لترتكب ما تشاء وفق اجندتها الخاصة. وقد أثبتت منظمات الامم المتحدة وعشرات المنظمات الحقوقية الدولية افراط روسيا وايران, فضلا عن قوات الاسد في استعمال القوة والاسلحة المحرمة وارتكاب عشرات الجرائم الدولية الكبرى من دون ىد فعل حازم من الطرف الآخر مما سمح باتهام ادارة اوباما بالتواطؤ المتعمد. ويمكننا الاشارة الى بعض مكاسب روسيا المحققة خلال العام الاول, مع التمييز بين هذه المكاسب في الساحة السورية, والشرق الاوسط, والساحة الدولية:

أولا – الساحة السورية
نجحت موسكو بتثبيت حليفها بشار الاسد (حتى الآن) بعد أن كان نظامه على وشك الانهيار . وعززت جيشه المنهك بقوة جوية فعالة تمتلك أحدث أنواع الاسلحة الجوية والصاروخية, بما فيها صواريخ كروز والقنابل والاسلحة المحرمة. كما وفرت له بواسطة ايران 60 الف مقاتل شيعي – على الاقل – (حسب ديلي ميل البريطانية) للقتال على الارض, مما سمح للاسد بكبح تقدم الثوار, واستعادة 2% من الاراضي المحررة من يد المعارضة.
ومع أن المساحة قليلة نسبيا ولكنها ذات اهمية استراتيجية تتعلق بالمناطق الحساسة الثلاث: العمق العلوي في الساحل, ومدينة حمص بما فيها تدمر ذات الموقع الاستراتيجي وسط البلاد, ومحيط دمشق العاصمة. وروسيا قادت بنفسها عملية اسقاط وافراغ مدن داريا والمعضمية والغوطة اخيرا, وفاوض ضباطها الثوار مباشرة. ويعتقد محللون أنه كان في صميم اهداف الغزو الروسي منذ بدايته توفير الحماية للمناطق العلوية, وما يزال هذا الهدف قائما حتى ولو تطلب تقسيم سوريا, واقامة كيان خاص للعلويين, حسب الخطة الروسية (ب) التي تعني تقسيم سوريا, واقامة (سوريا المفيدة ) حسب مصطلحات الاسد, التي تضم الساحل وحمص ودمشق. وستحظى مسألة حماية العلويين بتعهد روسي دائم في المستقبل, وهذا هو مغزى المعاهدة التي تنظم وجود القواعد الروسية في اللاذقية وطرطوس وجبلة, وهي معاهدة مفتوحة بلا أجل محدد, ولا امكانية لاي سلطة سورية انهاءها من جانب واحد!
وبموازاة الكيان العلوي خصصت روسيا أكثر من ثلث عملياتها الحربية للسيطرة على شمال حلب بمحاذاة تركيا, ووثقت تحالفها مع صالح مسلم وقواته الذي يقاتل لاقامة كيان كوردي على امتداد الشمال للسيطرة على الحدود مع تركيا بعد تهجير السكان العرب , وربط اجزائه بين اقصى الشرق والساحل. ويمكننا اعتبار الكيان الكوردي بمثابة الشقيق التوأم للكيان العلوي, وكل منهما يحتاج الآخر, وهو مبرر التحالف الثلاثي الروسي – العلوي – الكوردي الظاهر. وحسب الاكاديمي الروسي كورانوف الذي سبقت الاشاره له فإن بوتين يغذي طموح الاكراد والعلويين للانفصال ! ويرعى المشروعين لتضمن روسيا (وايران) مواقع استراتيجية دائمة في سوريا, انطلاقا من رؤية بوتين البعيدة: (من يسيطر على سوريا يسيطر على الشرق الاوسط, ولا امكانية لأن تصبح روسيا دولة عظمى بدون السيطرة على الشرق الاوسط).
 لهذه الاسباب تشرف روسيا بنفسها حاليا على معركة حلب جويا وبريا, وأرسلت ثلاثة الاف جندي الى جنوب حلب, ويقود جنرالها سيرغي سيفركوف جميع القوات السورية والشيعية التابعة لايران لاسقاط حلب التي اعتبرتها الدوائر العالمية العمود الفقري للثورة, وقالت صحيفة لوموند الفرنسية عنها إن من يسيطر عليها يسيطر على سورية. ويعتبر الكرملين أنه بدون السيطرة على حلب فإن الغزو الروسي سيفشل, وهي التي ستحسم المعركة وتعطي بوتين ادعاء النصر وحسم المعركة على كل الاصعدة الاستراتيجية والدولية.
ومن الواضح الآن أن روسيا منذ قررت التدخل العسكري وضعت في ذروة اهدافها افشال الخطة الدولية لايجاد حل سياسي, وافشال المفاوضات التي راهنت عليها دول الغرب والامم المتحدة والاطراف العربية والاقليمية, ثم فرض الحل العسكري واجبار المعارضة وحلفاءها على قبول شروطها, وتثبيت النظام السابق بعد تحسين مظاهره وإعادة تأهيله وصياغة سوريا جديدة وفق معادلة تضمن مصالح روسيا وايران الى امد طويل. وإذا لم تنجح في تحقيق هذه الاجندة يتم الانتقال الى الخطة البديلة (ب) لتقسيم سورية بإنشاء كيانين تحت الحماية الروسية – الايرانية, بصورة مشابهة لنموذج العراق وتعميمه الى بلدان اخرى.

ثانيا – على الساحة الاقليمية
 نجحت روسيا في العام الاول من تدخلها بتعزيز تحالفها مع ايران في سوريا والمنطقة كعامل مكمل لدورها ووجودها, وتثبيت تحالفهما, وكان لافتا أن تطلق روسيا صواريخها الاستراتيجية من بحر قزوين بعد ايام من بداية حربها, مرورا عبر الاجواء الايرانية, وفي الشهر الماضي استخدمت القواعد الايرانية لمواصلة حربها السورية, وفي اواخر العام الماضي أنشأت مركز عمليات مشتركا مع ايران والعراق وسوريا لتبادل المعلومات العسكرية. واعتمدت روسيا طوال الوقت على المقاتلين الايرانيين والشيعة, وبدون هذا الدور ما كان لعمليتها تحقيق شيء لأن قوات الاسد منهارة ولم تعد قادرة على القتال البري.
ومن ناحية ثانية استطاعت روسيا ترويض واحتواء تركيا, بعد معركة عسكرية – سياسية استغرقت حوالي تسعة شهور استعملت فيها الورقة الكوردية لتهديدها, فاضطرت انقرا لمصالحة موسكو بشروطها, حتى أن مجلة نيوزويك حذرت (28-8) بعد مصالحة اردوغان وبوتين من سقوط تركيا في احضان بوتين جراء اخطاء ادارة اوباما. ومن الواضح الان أن تركيا خففت معارضتها السابقة لبقاء الاسد في السلطة تحت سيف التهديد الروسي. وذهب محللون الى أن بوتين نجح في شق حلف الناتو, وربما يستطيع دفع انقرا للانسحاب منه, لتنضم لحلفه الاقليمي مع ايران وبعض الدول العربية, بسبب سلوك امريكا واوروبا المتعالي مع تركيا وعدم تفهم حاجاتها.
وتدخل بوتين في سوريا وتحالفه مع ايران أجبرا أنظمة عربية كثيرة كانت تقليديا حليفة لامريكا الى التقرب من الدب الروس المتحفز درءا لتهديداته وكسب وده بعد أن اصبح طرفا فعالا في شؤون المنطقة. ونتيجة ذلك زار زعماء عرب كثر موسكو وعقدوا صفقات اقتصادية وعسكرية واستراتيجية, وطلبوا منها الحماية, لا في مواجهة الغرب فقط.. بل وفي مواجهة شعوبهم ايضا على غرار موسكو بدلا من واشنطن التي لم تتدخل لحماية مبارك وزين العابدين!.
ونجح الكرملين في تسويق اسلحته التي اثبتت فعاليتها في الحرب السورية, ما رفع روسيا فجأة للمرتبة الثانية في قائمة الدول المصدرة للسلاح, وابرمت عقودا ب 55 مليار دولار خلال العام الحالي! وتوصلت لاتفاقيات تتعلق باستراتيجيات النفط والغاز مع الدول العربية, وخاصة السعودية.
وفي نفس السياق يستعد بوتين لاحداث انقلاب دبلوماسي عالمي بسعيه للعب دور في تحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين وعقد قمة بين نتنياهو وعباس بضيافته, وقمة أخرى لمصالحة اردوغان والاسد (إذا نجح !).. إلخ.
 ويحاول بوتين لعب دور (اسلامي) ظهرت بوادره في مؤتمر غروزني (من هم اهل السنة والجماعة؟), وهو مؤتمر سياسي صرف هدفه ايجاد مرتكزات دينية وثقافية للدور الروسي في العالم الاسلامي, وتحسين صورة موسكو, كمرجعية اسلامية قريبة من العواصم التقليدية للاسلام.

ثالثا – على الساحة الدولية
حققت موسكو بعض المصالح والمكاسب على الساحة الدولية نتيجة تدخلها في سورية . فهي تحاول استعادة مركزها كقطب دولي يوازي القطب الامريكي في تقرير مصائر العالم, وشريك في معالجة الازمات الدولية. وكان هذا الهدف القومي في مقدمة طموحات بوتين منذ وصوله للحكم كمرشح للمؤسسة العسكرية – الامنية عام 2001 . وتعترف الدوائر الغربية بأن بوتين احرز تقدما على هذا الطريق, ولكنه ما يزال بعيدا عن استعادة المجد السوفياتي الزائل, أو امجاد القياصرة الغابرة, ورأت إحدى الصحف البريطانية في سياسة روسيا التوسعية في سوريا بدأت تعطي نتائج عكسية على صعيد العلاقة مع الغرب, وقد تعزلها وتعيدها الى خانة الدول المعادية, حتى أن هيلاري كلينتون شبهت بوتين بهتلر.
وتحاول روسيا اتباع سياسة الصدام بالقوة مع الغرب, من دون العودة للحرب الباردة وتتحاشى الدخول في سباق تسلح مع امريكا لأنها لا تقوى عليه اقتصاديا وعسكريا. وتبقى سياستها هذه في اطار الدفاع, وتحسين المواقع.
وقد اظهرت سياسة بوتين رغبته بالتفاهم مع واشنطن في اكثر من مجال, وخاصة سوريا. وفي آخر لقاء له مع الرئيس اوباما في مطلع الشهر الحالي حاول بوتين المساومة على سوريا بالحصول على اعتراف بمكاسبه في اوكرانيا والقرم ولكن اوباما رفض بشكل قاطع, لأن سياسة حلف الناتو التي وضعتها قمته الاخيرة في بولونيا الشهر الماضي تقوم على استمرار محاصرة روسيا, وعدم التساهل مع شراهتها للتوسع في دول الجوار, أو في الشرق الاوسط.
وتنبغي الاشارة إلى أن الكرملين استعمل غزوه لسورية وسياسة البطش واستعراض العضلات وتهجير ملايين السوريين من بلادهم ودفعهم للزحف الى اوروبا بهدف واضح هو خلق المشكلات الامنية والاستراتيجية للاتحاد الاوروبي لتأزيمه واضعافه, كوسيلة ضغط عليه واجباره على التفاوض معه حول مجمل العلاقات والمصالح, ويفرض عليه الاذعان لسياسته في اوكرانيا وجورجيا.. وأطماعه الشرهة في البلطيق.

المصدر: مجلة “الشراع” اللبنانية، الصادرة في 30-9-2016
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى