عداء العروبة المستحكم!
“المدارنت..
درجت كتابات عربية كثيرة، على نسبة العداء المستحكم الذي تكنه قوى النفوذ الأجنبي الإقليمية والغربية للعرب، وهويتهم الجامعة، إلى الإسلام، بما كان له من تأثير ودور حضاري وتاريخي في تكوين الأمة العربية، وبلورة شخصيتها القومية ذات المميزات الموضوعية الفاعلة..
والحقيقة، ان عداء قوى النفوذ الأجنبي، سواء الإقليمي أو العالمي, للعرب سابق على الاسلام؛ ولكنه تضاعف مرات ومرات بعد الإسلام لما شكله من تأثير واضح وتغيير جذري في وضع النظام العالمي الذي كان سائدا آنذاك؛ فارضًا نموذجه الفريد من نوعه والمتميز أخلاقيا وحضاريا عما سبقه من نظم دولية وعما لحقه أيضا من نظم غربية مادية لا إنسانية؛ شكلت ولا تزال ما يسمى النظام العالمي، وترجمته الراهنة في العولمة الرأسمالية المتعجرفة..
ولعل عداء هذه القوى جميعا للعرب، كجماعة بشرية متميزة؛ وللعروبة كهوية قومية لهم؛ تقبع خلفه جملة من العوامل والأسباب نجملها كما يلي:
# الموقع الإستراتيجي المميز والفريد من نوعه الذي يقع فيه الوطن العربي الكبير.. فهو بحق قلب العالم جغرافيا وعقدة مواصلاته وتواصله.. فمن البحر الأحمر والخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط ،وما فيهما من مضائق تربطهما بالعالم الآخر الغربي والشرقي، سواء بالمحيط الأطلسي، بوابة الغرب والعالم الجديد، أو بالمحيط الهندي، بوابة الشرق القديم والجديد.. ومن دون هذه المضائق (باب المندب وهرمز وجبل طارق)، ينقطع التواصل العالمي بين الشرق والغرب، وبين كل قارة مع غيرها من العالم.. فضلا عن المواقع الإستراتيجية لما فيهما من جزر..
# ثم أضافت قناة السويس، التي تصل البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، زيادة في الأهمية الإستراتيجية للمنطقة العربية، لما وفرته من إتصال مباشر بين اوروبا والغرب بأفريقيا وآسيا..
ولأهمية هذا الموقع الإستراتيجي للمنطقة، فقد تعرضت لغزوات كثيرة فيما قبل الإسلام، من قبل القوى الإمبراطورية السائدة آنذاك.. فمن الغزو الروماني، الذي إحتل قسما كبيرا من المنطقة إلى الإمبراطورية البيزنطية، التي تقاسمت احتلال المنطقة مع الإمبراطورية الفارسية، ردحًا من الزمن غير قصير مرورًا بالإغريق، الذين إحتلوا مصر وأسسوا مدينة الإسكندرية..
جميع هذه القوى، تطلعت إلى إحتلال المنطقة العربية، بمجرد إمتلاكها هي لقوة عسكرية وأطماع إستعمارية ولمجرد تمتع المنطقة بموقع إستراتيجي فريد.. بخاصة، وان المنطقة عرفت محاولات كثيرة للتحرر عن الإمبراطوريات الحاكمة، فقامت دول وممالك وبرزت شخصيات عالمية مرموقة حكمت حتى تلك الإمبراطوريات..
# الغنى الحضاري والتنوع الثقافي لكل الأقوام والشعوب التي سكنت في المنطقة العربية قبل الإسلام.. ففيها ظهرت كل حضارات العالم القديم.. وفيها ذلك التنوع الثقافي والمدني الذي لم تعرف البشرية مثيلا له في تلك الأزمان.. كان إختراع الحروف واللغات الأبجدية والفنون والقانون والشرائع والهندسة والعمارة المبهرة، وسوى ذلك كثير من أنواع المعارف التي بهرت العالم الآخر، وجعلت المنطقة محط أنظاره وأطماعه، فتسابقت قواه الامبراطورية على غزوها وإحتلالها والإستفادة من علومها وثقافتها.. الاديان والرسالات السماوية جميعها نزلت في المنطقة العربية وبلغات أبنائها.. فزادت في تنوع شخصيتهم وغزارة ثقافتهم وقيمهم الإيمانية مما زاد في أطماع القوى الكبرى في بلادهم.
# الاسلام: كان الاسلام العامل الرئيسي في تحرير كل أراضي العرب، ودولهم من كل القوى الأجنبية المحتلة. حررها فوحدها، فتعربت بما وفره لها من مناخ حرّ للتفاعل الحضاري والجدل الاجتماعي المفتوح والمتواصل.. اكتسبت جميعها لغة القرآن العربية، بمن فيها الجماعات التي لم تدخل الإسلام، فبقيت يهودية أو مسيحية محتفظة بحريتها الدينية، ولكنها تعربت فأصبحت جزءا من النسيج الاجتماعي المتماسك للأمة العربية الوليدة. شاركت في صنع حضارتها وعلومها ومعارفها متمتعة بكل حقوقها الدينية والمدنية والاجتماعية..
وقد أطاحت دولة الإسلام العربية بكل القوى الإمبراطورية السائدة، وبنت نظاما عالميا من نوع جديد يتميز بنموذجه الأخلاقي المتماسك المتكامل المتين؛ وبنموذجه الاجتماعي – الاقتصادي التعاوني الذي لم يكن معروفا من قبل.. فكان هذا النموذج الذي شكلته الدولة العربية الإسلامية ببعديه:
الأول: الأخلاقي، والثاني: الاجتماعي والاقتصادي؛ السبب الأهم في عداء العالم الغربي ذي الدوافع الاستعمارية والمنطلقات المادية، لهذه الأمة الجديدة ودولتها التي حكمت العالم ثمانية قرون متتالية متصلة فكانت قبلة لكل أحرار العالم؛ وحقدا عليها وتآمرا من كل ذوي النزعات الاحتلالية والرغبات الاستعمارية والمنطلقات الفردية والأنانية والمادية.. ولما بلغت امتدادات الدولة العربية إلى قلب أوروبا والعالم الغربي؛ فقد استنفرت كل قواه العنصرية الطامعة، فشنت غزوات عديدة ضد الوطن العربي تحت ستار شعارات دينية زائفة، تخفي أطماعا استعمارية عدائية حاقدة، فكانت حروب الفرنجة (المسماة صليبية زورا) التي امتدت قرابة قرنين من الزمن، واستنزفت طاقات الأمة وشتتت جهودها، فصرفتها لفترة عن النمو والتقدم وكانت سببا في عذابات كثيرة وأثمان باهظة إلى أن اندحرت..
# كان النظام العالمي الذي أنشأته القوة الغربية الصاعدة بعد إندحار الدولة العربية في الأندلس؛ ولا يزال يشكل نقيضا نوعيا للنموذج العربي الذي أقامه الإسلام.. نقيضا له في كل أبعاده الأخلاقية والإنسانية والإقتصادية.. وهو يقوم على منطلقات وأسس فكرية مادية فردية إستهلاكية لا ترعوي بأيّ قيمة أخلاقية أو حتى إنسانية.. وهو الأمر الذي يجعل من الإسلام عدوا دائما لها لما يمثله من قيم ومفاهيم مناقضة لكل منطلقاته.. يكفي أن نسوق مثالا إقتصاديا واحدا لندرك خلفيات وأبعاد العداء الرأسمالي الغربي للإسلام.. فالنموذج الغربي قائم على الربا والربح دون قيود من حلال أو حرام ؛ فيما الإسلام يحرم الربا قطعيا ونهائيا، بالنص القرآني الواضح؛ تحريما لا مجال للتخفيف منه أو تجميد مفاعيله أو الإلتفاف عليه.
# كما أن الإسلام يحرض أبناءه دائما على رفض الظلم والتعسف والاستغلال والإحتكار ويحضهم دائما على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فلا يمكن لمسلم مؤمن أن يتعايش مع قيم النظام الرأسمالي المادية اللا إنسانية واللا أخلاقية ولا يحق له السكوت عليها أصلا إن كان مؤمنا حقا..
# الإنتشار العربي والإسلامي الواسع في كل أنحاء العالم بما فيه مجتمعات الغرب ذاته.. ولما كان المسلمون ولو لم يكونوا عربا، يتطلعون دائما إلى العرب لتعلم لغتهم وتدارس قرآنهم ومعرفة تاريخهم؛ فقد غدا تفاعلهم مع أبناء الوطن العربي أمرا مخيفا لكل أعداء العرب.. بمن فيهم مسلمون غير عرب دفعتهم نزعاتهم الشعوبية للتعامل مع القوى الإستعمارية لتدمير العرب وقمع تطلعاتهم التحررية والوحدوية.. ولعل ما يزيد في هلع أعداء العرب من وحدتهم وتحررهم؛ أن المسلمين المنتشرين في العالم، وكثير منهم من أبناء العروبة، سوف ينهضون وتتعزز مكانتهم ويتعاظم دورهم وتأثيرهم في المجتمعات التي يعيشون فيها؛ ليشكلوا مركز ثقل حضاري ونموذجا متمايزا عن قيم ومفاهيم تلك المجتمعات؛ إذا ما نهض العرب وشكلوا قوة واحدة ناهضة متحررة.. وهذا ما يهدد النموذج الغربي المادي في داخله.. وهو ما يزيد من نقمته وحقده على العرب وسعيه الدائم للسيطرة عليهم..
6/ الموارد الطبيعية العظيمة الأثر والحيوية والنفع للعالم المعاصر كله، وللحياة الحديثة بكل أبعادها.. وهي تحديدا كل موارد الطاقة بدءًا من البترول والغاز، وحتى الشمس والماء والهواء وصولا إلى المعادن الثمينة والمواد الخام..
ففي أرض الوطن العربي الكبير النسبة الأكبر والأهم من كل موارد الطاقة التي تشكل عصب الحياة الحديثة التي لا غنى لها عنها أبدا..
لهذا كله إستحكم العداء للعرب؛ مادة الإسلام البشرية وحاملي لوائه وناشريه..حتى بات العداء للإسلام مقترنا بالعداء للعرب؛ والعداء للعرب مقترنا بالعداء للإسلام.. ولهذا يقف العالم الإستعماري الغربي ومعه العالم الشعوبي الإقليمي؛ موقفا متماثلا إن لم يكن متحالفا لتدمير الوجود البشري العربي وسحق كل محاولة لتحرره ونهضته ووحدته وتقدمه.. ولهذا زرعوا دولة الكيان الغاصب في فلسطين لتكون أداتهم المشتركة وقاعدتهم في السيطرة على البلاد ومحاربة كل بناء إيجابي فيها بل وزرع كل أنواع الشقاق والفتنة والتشتت والسلبية والفساد والضياع؛ خوفا من ذلك اليوم الموعود المخيف:
تحرر الامة العربية ووحدتها.. وهو يوم لا بد آت مهما طال الظلام وكبر الثمن وتعددت المحاولات.. وكما يستجمع أعداء العرب كل قوتهم لدحر فلسطين؛ فإن أحرار فلسطين والعرب يدحرونهم يوما بيوم بصمودهم الرائع ومقاوماتهم الباسلة في كل ميادين الصراع والحياة.