عصا ترامب السحرية..!
“المدارنت”..
فيما تشتد المنافسة بين المرشحين للرئاسة الأميركية، مع اقتراب موعد الانتخابات، يبدو أن مرشح الحزب الجمهوري الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يفتش عن تلك العصا السحرية التي يعتقد أنها ستساعده في الوصول إلى سدة الحكم، وهي مغازلة اللوبي اليهودي، فاللوبي المؤيد لإسرائيل يتمثل في المؤسسات المؤثرة التي تعمل بنشاط على توجيه السياسة الخارجية الأمريكية بما يحقق مصالح إسرائيل، وهو ليس حركة واحدة تمتلك مرجعية أو قيادة واحدة، وإنما تضم في إطارها الأفراد والجماعات التي تعرف بالصهاينة المسيحيين، ومن أبرز هذه الكيانات لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية التي تعرف اختصاراً بـ«أيباك».
أما أهم أهداف هذا اللوبي، فهو تقديم الدعم المادي والعسكري والسياسي لإسرائيل.
وفي كتابهما «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية»، يصف كل من جون ميرشايمر وستيفن والت، وهما محاضران جامعيان، اللوبي اليهودي بأنه تحالف واسع بين الأفراد والمنظمات التي تعمل بنشاط لتوجيه السياسة الأمريكية الخارجية إلى اتجاه مؤيد لإسرائيل، لكنهما يركزان على التأثير السلبي لذلك في السياسة الأمريكية الخارجية ومصالح أمريكا، وأن إبقاء علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل حجر الزاوية في السياسة الأمريكية يثير السخط في العالم العربي والإسلامي، ويهدد مصالح الولايات المتحدة حسب قولهما.
دونالد ترامب يبدو أنه مصر على التلويح بما يعتقد أنها عصاه السحرية للوصول إلى البيت الأبيض، حيث قال إن أي يهودي يصوت لصالح المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس «لا بد من فحص رأسه للتأكد من سلامة عقله».
كما استعان ترامب بالشعار الذي تم غرسه في العقل الغربي بعد الحرب العالمية الثانية وهو«معاداة السامية»، ففي فعالية لمكافحة معاداة السامية أقيمت في واشنطن قال ترامب: إنه إذا خسر الانتخابات الرئاسية، سيكون الشعب اليهودي مسؤولاً إلى حد كبير، محذراً من أن إسرائيل «ستمحى من الوجود» خلال عامين عندئذ.
وأشار الرئيس الأمريكي السابق إلى أن لديه ابنة يهودية وصهراً يهودياً وأحفاداً يهوداً في مسعى لجذب الأصوات اليهودية. وأضاف: «رغم كل ما فعلته، حصلت فقط على 29% من أصوات اليهود في الانتخابات الأخيرة. تُظهر الاستطلاعات أنني الآن وصلت إلى 40%. وهذا يعني أن 60% سيصوتون لشخص يكره إسرائيل».
وبغض النظر عن مدى واقعية ما قاله ترامب أو عدمها، فإنها تعكس تلك المسلمة التي تؤكد أن المتسابقين للرئاسة الأمريكية يتسابقون ويتنافسون في دعمهم لإسرائيل وأمنها بشكل كبير في محاولة منهم لاستمالة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الذي يرجح فوز أي من المرشحين الذي يدعمه.
اللافت في تصريح الرئيس الأمريكي السابق هو تحذيره من أن إسرائيل ستمحى من الوجود خلال عامين إذا خسر الانتخابات. وهذه الجملة تفجر جملة من الأسئلة أهمها أن بقاء إسرائيل مرهون باستمرار الدعم الأمريكي لها.
ويبدو أن دونالد ترامب أصاب كبد الحقيقة في هذه الجملة تحديداً، لأن من يراجع تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي ينوف عمره عن خمسة وسبعين عاماً، لا بد أن يلمس ومن دون عناء تلك الحقيقة بأن إقامة إسرائيل في عام 1948، إنما كانت مشروعاً استعمارياً غربياً صرفاً، وأن إسرائيل ليست سوى قوة ذات دور وظيفي للمشروع الاستعماري الغربي في المنطقة، وأنه لولا الدعم الغربي عامة والأمريكي بخاصة، لما استمر الصراع طيلة هذه السنوات الطويلة، ولما استطاعت إسرائيل أن تواصل احتلالها للأرضي العربية، وأن تُمعن في تحدي المجتمع الدولي وتنتهك كل المواثيق والأعراف الدولية، وأن تضرب بعرض الحائط بكل القرارات الدولية وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية وغيرها الكثير من المؤسسات والمنظمات الدولية.
أخيراً، لا بد من القول إنه رغم هذه الحقيقة إلا أن ما يجري يشير إلى أن تبدلاً ولو طفيفاً طرأ على الرأي العام الغربي الشعبي والأمريكي خاصة، بعد المجازر وجرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة واعتداءاتها المتكررة على الفلسطينيين والعرب عامة، كما أن الدعم اللامتناهي الذي توفره الولايات المتحدة لإسرائيل قد لا يكون عاملاً قوياً كما كان دائماً في الانتخابات الأمريكية، لاسيما مع تراجع شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو داخل أمريكا، وهو ما أكدته صحيفة «جيروزاليم بوست»، موضحة أن مركز«غالاب» المختص باستطلاع الرأي، أجرى عدة استطلاعات حول شعبية نتنياهو منذ عام 1997.
وأظهر الاستطلاع أن 48% من الأمريكيين المشاركين رافضون لأداء نتنياهو، وكانت أكبر نسبة معارضة عند الأمريكيين الديمقراطيين بنسبة رفض 86% لنتنياهو، ولذلك ليس من الممكن الجزم ما إذا كانت عصا ترامب السحرية ستنجح هذه المرة في إيصاله إلى البيت الأبيض أم لا، لكن المؤكد أن سقوط ترامب في الانتاخابات الأمريكية سيؤثر في مصير نتنياهو أيضاً.