مقالات

عمر حرب.. اعتصم الصمت ورحل في زمن شحّ العمالقة!

القيادي الناصري الراحل عمر حرب

“المدارنت”..
كتب ناشر ورئيس تحرير “مناشير” الزميل أسامة القادري، على صفحات موقعه:
ترجل “بو حسين” عمر حرب عن صهوة الحياة وصخبها، رحل أحد أبرز القادة الميدانيين في النضال القومي والوطني، رحل بصمت مطبق ودامع على ما أصاب الوطن العربي من تشظي، وارتدادات صدعت ما تبقى من الكرامة على طول الخط البياني للقضية الفلســطينية.
“بو حسين”، منذ عرفته في أوائل التسعينيات، كان بمثابة “المفكرة القومية والوطنية الصلبة” كما ثوابته المغروسة في جوف الكرامة.
نهلت من مَعينَه ما تيسر لي معه من لقاءات لإغناء كتاباتي ودراساتي من ذاكرته الحاضرة قلّ نظيرها عند رفاق النضال، كان حريصاً لعدم الخلط بين العواطف والمواقف الثابتة، وعدم الإنزلاق إلى الشخصنة والمصلحة الأنية، وعندما يقترب من سرد تاريخه النضالي لا يتردد بهدوئه ورصانته في ذكر رفاقه من قياديّي الحركة الوطنية وجبهة المقاومة، ليؤكد أن القضية ليست دينية بقدر ما هي قضية الهوية والكرامة، كان يسارياً حتى العظم في نضاله، وتبنّي مطالب العمال والفلاحين، وقومياً عربياً ناصرياً شرساً حتى النخاع وإسلامياً مجرداً من التمييز، ولا ينتمي الى فرقة دائماً قبلته فلسـطين.
رحل عمر حرب، وعيناه شاخصتان على فلســطين والمشروع الصهيوني التوسعي، كان خائفاً أن تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة اللاعودة إلى جذور القضية، مرحلة تقسيم المنطقة وفق الإملاءات “الإسرائيلية”، وعرض قوتها كأمر لا منازع له.
كثيراً ما كان يعتبر الإعتصام بالصمت أنجح من الثرثرة على مشارف النزاعات الداخلية، ظلّ عنيداً واقفاً شامخاً، من دون أن ترميه أهوال الرياح، ومن دون أن تلوثه الأنانية والمصالح الشخصية، بقي كما عاصرناه وعاصروه من قبلنا “شيخ الطيّبين والأوادم والكف النظيف والقومي الصلب”.
في الكثير من المقالات وتوثيق الأحداث، كان حريصاً أن لا يلغي أحداً، وأن لا يقدم نفسه وحزبه على باقي القوى والفصائل التي قاتلت “اسرائيل” ومشروعها الإحتلالي.
عمر حرب، الذي ودعه البقاع وكل البقاعيين، كان أباً حنوناً لكل أبناء جيلي من الذين عاصروه وعرفوه ونهلوا من معينه.
أذكر منذ سنتين، عندما عُرضت صورة لمقاتلي حزب “الإتحاد الإشتراكي العربي” في ذكرى معركة خلدة، وهم على دبابة “اسرائيلية”، قنصوها من “الإسرائيليين” في معركة خلدة، على أنهم مقاتلين لـ”حزب الله”، قصدته للإستفسار عن هذه الصورة، فوجدتها معلقة في مكتبته، فأشار إليها مفنداً أسماء الشباب، وقال لي: “ما أخشاه ان لم تكن سهواً، أن يزوّر التاريخ وتطمس الحقيقة”، بسهولة جداً استحضر ذاكرته بتفاصيل التفاصيل، كيف واجهوا الإحتلال في “الكورال بيتش” في خلدة، وقنص دبابات للعدو، إلى حين محاصرة العاصمة.
فعلاً صداقة الأخ بو حسين، تعطي كل من عرفه جرعة من العزة والمروءة..
كنت تعرفت إليه في آواخر الثمانينيات وأنا بعمر يافع، اعجبت بشخصيته القوية وملامح الصلابة والرصانة، واعجب بيساريّتي القادمة من مدرسة (أمين عام “منظمة العمل الشيوعي” الراحل) محسن ابراهيم، ما جعلني استثمر اللقاءات به بالانصات إلى مداخلاته، وتدوين ملاحظات لمناقشتها.
وفي منتصف التسعينيات، كان لنا كـ”منتدى ثقافي جنوبي” في البقاع، نشاط مشترك في قاعة مركز حزب “الإتحاد الاشتراكي العربي” في تعنايل، لمواجهة مشروع التطبيع حينها، فاخترنا السيد العلامة محمد حسن الأمين ود. صابر القادري إلى جانبه، ليحاضروا عن مخاطر التطبيع ومحرماته، لم يخف اعجابه الكبير بالعلامة السيد محمد حسن الامين وبوطنيته الصافية وثقافته المنفتحة.

منذ ذاك التاريخ، كلما التقيته يثير في داخلي الشغف العروبي، ويستنهض فينا الكرامة، بنهفات عن خفة دمّ “أبو خالد محسن ابراهيم”، بوصفه له القائد الشيوعي الناصري المتأصل بالعروبة.
عمر حرب وداعاً.. لروحه السلام ولذويه ولكل من عرفه خالص العزاء..

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى