غزّة والواقع السوري.. السكون غير المبرر!
خاص موقعيّ “المدارنت” و”ملتقى العروبيّين”
كان الشعب السوري وقواه الحية، على طول المدى، ومع تمظهر أي حدث ما في الأراضي الفلسطينية المحتلة ينبري مباشرة للتحرك نصرة للفلسطينيين، ففي شهر نيسان/ إبريل من عام 2002 وعندما كان العدوان “الإسرائيلي” يجري فصولًا على مخيم جنين في الضفة الغربية، حيث القصف والمجازر بحق الشعب الفلسطيني، من قبل العدو “الإسرائيلي”.
في حينها كان نشطاء المعارضة السورية في دمشق، يتجمعون بالآلاف وبشكل يومي، يعتصمون أمام مقر مفوضية الأمم المتحدة بدمشق، في أول شارع أبو رمانة في العاصمة السوري، نصرة لأهل فلسطين، ومن أجل وقف ذاك العدوان الهمجي الذي حرك الشارع السوري والعربي، ومن أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وإحراج دول (الممانعة والمقاومة) التي صمتت في حينها، كما هي تصمت اليوم عن كل ما يجري في قطاع غزة، ولم تنفذ شعاراتها أو تتحرك بالضرورة لوقف المجازر وزودًا عن أهل فلسطين.
كانت ترتكب بحق شعب فلسطين المجار تلو المجازر، وكانت هناك هبات شعبية كبيرة وكثيرة من أجل ذلك، ليس في الساحة السورية فحسب، بل في معظم ساحات الوطن العربي الكبير. أما اليوم فحال العرب أنظمة وشعوبًا لا يخفى على أحد، وبعد أكثر من تسعة أشهر، من الحرب العدوانية “الإسرائيلية”، حرب الإبادة ضد شعب فلسطين، في غزة والضفة، وكل هذه العدوانية والهمجية التي لم يعرف التاريخ مثالًا لها، لا حراك ولا أي تحرك جدي، وهي مسألة تدعوا للقلق ولطرح الكثير من التساؤلات عن سر ذلك، في وقت نرى فيه العالم الغربي والشرقي، في الشوارع كما في الجامعات، يخرج بعشرات الآلاف، بل بالملايين من الناس الرافضين للحرب، ومن أجل وقف هذه الحرب العدوانية الظالمة ضد شعب أعزل، ومحاصر منذ سنوات طوال.
من حقنا أن نتساءل بملء الفمّ، ما سرّ ذلك التقاعس والترهل وعدم الفاعلية الشعبية في الساحات؟ ونخص بالذكر والتخصيص هنا حيثيات الواقع الشعبي السوري، هذا الشعب الذي طالما كان في حالة اندماج وتساوق وانسجام جواني، مع كل مسارات وكل متغيرات الوضع الفلسطيني في آلامه وآماله، كما كانت القضية الفلسطينية وعلى الدوام والاستمرارية، قضيته المركزية وعلى طول المدى، وضمن معظم تلافيف ومنعرجات الوضع الفلسطيني الصعب منذ ما يزيد عن 75 عامًا من عمر القضية والمسألة الفلسطينية.
نحن ندرك تماماً ماهية وضع النظام السوري، نظام بشار الأسد، وتموضعه وخياراته المعروفة، داخل أتون حلف ومحور (الممانعة والمقاومة) وانتهاجه طريق إيران/ الملالي، واستراتيجية (الصمت الاستراتيجي) وكذلك متفرعات ما يسميه (الصبر الاستراتيجي) ومن ثم ركن شعار (وحدة الساحات) على الرف حاليًا وإلى حين آخر، باعتبار أن إيران هذه الدولة التي تقود المحور المذكور، لم تقرر بعد، ولا يبدو أنها بصدد أن تقرر الدخول والولوج في حرب مفتوحة أو معركة ضد إسرائيل، أو ضد داعميها الأمريكان.
بالضرورة فإن صمت النظام السوري على ما يجري في قطاع غزة، وكذلك امتناعه عن الرد على كل حالات القصف “الإسرائيلي”، التي لم تتوقف ضد مواقع الميليشيات الإيرانية المتمركزة في معظم الجغرافيا السورية، والتي يزيد عديدها عن 120 ألفاً، كوفئ هذا الصمت من قبل الرئيس الأميركي (جو بايدن) بامتناعه عن التوقيع على القانون المزمع، بخصوص التطبيع مع النظام السوري، وبالتالي، معاقبة كل من يطبع معه كما كان مفترضًا.
ولعل هذه المكافأة المميزة والملفتة، كانت (الحنجلة) كبداية للرقص، وارتدادات هذا المسار الجديد/ القديم، حيث يدرك الأميركان و”الإسرائيليّين” معهم، أن هذه النظم الرسمية العربية، حتى لو ادعت أنها الدول المقاومة والممانعة، فهي بالنتيجة ليست أكثر من دول ذات سمة وظيفية، خَبِرها الغرب والشرق وكذلك خبرتها شعوبها أيضًا، تبحث عن مصالح أنانية براغماتية سلكتها ومازالت، من أجل تثبيت سلطاتها، ودولتها الأمنية، وشبيحتها، وكل آليات بقائها في الحكم والسلطة، وكان وما يزال آخر همّها هو الإندراج في سياقات نصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، أو مواجهة دولة الاحتلال الصهيوني عسكريًا أو سياسيًا.
لكن المشكلة الأهم هي النظر إلى واقع الشعب السوري، وقواه المعارضة بكافة تلوينات الطيف السياسي، التي ما تزال عاجزة ومتعاجزة، ويبدو انها راحت تغط في سبات، ونوم عميق، واكتفت بالفرجة عما يجري في قطاع غزة وفلسطين، ولم يعد يحركها واقع الحرب والعدوان “الإسرائيلي”، وحرب الإبادة التي تتعرض لها غزة والضفة الغربية، وباتت هذه المعارضة السورية في كليتها، بكل أسف في وضعية المتفرج كما هي حال الأنظمة العربية تمامًا. وقد يقول قائل:
إن القمع والمذابح التي ارتكبها النظام السوري طيلة 13 عامًا ونيّف من حربه المعلنة والهمجية ضد الشعب السوري الذي ثار ضد طغيانه واستبداده منذ 15 آذار/ مارس 20211، هو ما جعل من المعارضة السورية الداخلية في حالة سكون وصمت وسبات شتوي، وأيضًا في حالة لا جدوى ولا فاعلية، وخلقت أوضاعًا ساكنة وصامتة، من ملامح ديناميات الفرجة، التي ترافقت وتساوقت مع ارتفاع نسبة القمع الكبرى، التي تعرض لها وما يزال يتعرض لها الشعب السوري على مدى أكثر من عقد من الزمن، مما أنتج ثقافة الخوف، في جمهورية الكبتاغون والخوف كما تسمى، وأن الحالة المعيشية وضنك حيوات السوريين وقلة سبل العيش، وتوجه السوريين نحو مزيد من الفرار من تحت حكم النظام السوري الفاشيستي، نحو ما هو خارج سوريا، بأي شكل، وأي طريقة ولون، بعد أن غدت سوريا (التي كانت وطن الخير والعطاء)، على يد نظام بشار الأسد دولة فاشلة، بكل ما للكلمة من معنى، اقتصادًا وسياسة واجتماعًا، حيث غدا الانسان السوري غير قادر عل الوفاء بمتطلبات الحياة، وقوت يومه، هذا الشعب السوري بينما يرى أن دخله لم يعد يكفيه أكثر من بضعة أيام قليلة، ما انفك يعيش حياته، بدون دواء ولا كهرباء ولا غذاء.
وإذا كان كل ذلك أضحى واقعًا صحيحًا ومعاشًا، لكن السؤال يبقى قائمًا: هل يمكن أن يمنع كل ذلك السوريين ومعارضتهم الرسمية، عن الخروج سلمًا للتعبير عن تضامنهم مع أهلهم في غزة والضفة؟ وهل يبرر واقعهم الصعب والمر المعاش ذاك الصمت المطبق وقلة الحيلة، كما يصمت نظام بشار الأسد، عن قول الحق تجاه شعب وأهل قطاع غزة، حتى لو كانت هناك خلافات في السياسة والخيارات، بينهم وبين حركة حماس والجهاد الإسلامي، وخياراتهما بالتحالف مع إيران ومشروعها وأخطاره على المنطقة برمتها؟