كاظم الساهر.. الفنان والإنسان
كتب صادق الحسن/ العراق
خاص “المدارنت”..
ظهر مؤخراً الفنان كاظم الساهر، في لقاء “تلفزيوني” مع مقدمة البرامج المصرية منى الشاذلي، وكالعادة، أثارَ ظهور الفنان موجة من الجدل والانقسام في “الميديا” العراقية، خصوصاً من قبل «كارهي» كاظم الساهر، فهم يتحيّنون الفرص للطعن به وبوطنيته، بمناسبة ومن دون مناسبة.
يتجاوز كاظم الساهر، كونه علامة فارقة في الغناء العراقي والعربي، يراه الفنان العراقي «أحمد نعمة»، امتداد لعمالقة الغناء العربي، مثل فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ويراه معجزة موسيقية في زمن قلّت فيه المعجزات، يتجاوز كاظم كل هذه الصفات، لأنه إنسان صاحب إرادة ومحب ومحترف لعمله، بالإضافة إلى أن نجاحه وتفرّده هو درس مجاني يعطي الحافز للشباب، من أجل الاستلهام من مسيرته وطريقته في المثابرة والاحتراف في عمله، ونجاحه في صقل موهبته.
أصرَ الساهر، على الصعود والتجديد وتكوين لون غنائي خاص به، على الرغم من الصعوبات التي واجهته، لم يشتكِ ولم يولول، بل عمل واجتهد حتى وصل الى ما وصل إليه، أما من يحاولون التقليل من قيمته من نقاد وفنانين، ومن حاولوا فتح جبهة معارك فنية معه، فقد تعامل الساهر معهم بصمت، هكذا تصرّف عندما هاجمه نبيل شعيل، وهكذا تصرف عندما لمّح محمد عبده إلى التقليل من قيمة صوته، ومثله تعامل مع جورج وسوف وغيرهم.
شاهدت أغلب اللقاءات التلفزيونية والصحافية مع كاظم الساهر، وطوال كل هذه الفترة لم أسمع منه حديثاً يقلل فيه من قيمة فنان عربي آخر ولو بشكل تلميحي، فهو متواضع وخلوق لدرجة عالية، قبل بداية شهرته الواسعة، وفي لقاء مع تلفزيون دولة الكويت، ذكر الساهر أنه لحن من فترة مجموعة من القصائد للشاعر السوري نزار قباني، وعندما طلبت منه مقدمة البرنامج أن يسمعها مقطعاً من تلك القصائد، اعتذر الساهر بأدبه المعروف، لأنه لا يمكن أن ينشر تلك الألحان في وسائل الإعلام، قبل الاستئذان من صاحب القصيدة، هذا هو كاظم الساهر، الخلوق والمهني باحترافية، لا وقت للساهر للخوض في حياة الآخرين، والردّ على من يحاول فتح معركة فنية معه، فهو متفرغ لفنه وإبداعه، ليتحفنا كل فترة بمجموعة من الأغاني فيها من التجديد اللحني والموسيقي الكثير.
منذ بداية ظهوره، كانت علامات النبوغ الموسيقى باديةً عليه، بدأ مع الأغاني الشعبية التي كانت خروجاً عن نسق الغناء العراقي السبعيني “برِتمه” البطيء، كانت أغاني شعبية بإيقاع سريع وراقص، مثل «عبرت الشطّ» و«غزال» و«لدغة الحیة» وغيرها، كانت مرحلة شكل فيها كاظم الساهر، ثنائي مع الشاعر عزيز الرسام، تكللت وتوجت بالقصيدة الغنائية الطويلة الملحمية «لا یا صديقي» التي تعتبر أطول أغنية عراقية، أعادت المستمع العربي إلى ذكريات الأغاني الكلاسيكية لأم كلثوم، أبدع فيها الساهر جملاً موسيقية رائعة.
حقق كاظم الساهر، فتحاً كبيراً في تلحين القصائد، وأحدث فيها نقلة موسيقية هائلة، فكاظم الساهر، ليس مطربًا وملحنًا فقط، بل هو موسيقار متميز، لحن أجمل القصائد لنزار قباني، وهي قصائد صعبة التلحين، مثل «زيديني عشقاً» و«مدرسة الحب» و«الحب المستحيل»، وعندما طلب الساهر من نزار قباني، تلحين قصيدة «التحديات» أخبره قباني أن هذه القصيدة يصعب تلحينها وغنائها، لكن الساهر استطاع تلحينها بأروع ما يكون.
يمتلك كاظم الساهر، طاقة تعبيرية هائلة في صوته، فهو يستطيع تأدية الغناء بمختلف الطبقات؛ جواب وقرار، نجح الساهر، في توظيف هذه الطاقة بذكاء وثقافة موسيقية عالية، فاختار لها النصّ واللحن المناسب، ليقدم لنا أجمل الاغاني العاطفية والرومانسية، أغاني عن الحب والوطن والغربة والصداقة.
يبقى كاظم الساهر، إنساناً محترفاً وصادقاً ومتواضعاً، ترفّع عن المهاترات وابتعد عن الضجيج، ويبقى موسيقياً ملهماً وعلامة مضيئة في تاريخ الغناء العربي، قدم أغاني ستبقى عالقة في ذاكرة المستمع العربي، وتبقى مسيرته الاحترافية الغنائية الطويلة وطريقته بالنجاح والصعود، وصناعة أسمه، ملهمة لكل شاب يسعى إلى النجاح والتميز والتفرد بعمله.