كم هي وقحة مطالبة “إسرائيل” بحماية الدروز وهي تجوّع مليونيّ إنسان في غزّة!
“المدارنت”
أحياناً، ترفض العيون تصديق الحروف التي تلمع أمامها. وزير الخارجية جدعون ساعر يطالب المجتمع بـ“القيام بدوره في الدفاع عن الأقليات في سوريا، وبالتحديد الدروز. من النظام وعصاباته الإرهابية، وألا يتجاهل الأحداث القاسية”. كان لوقاحة إسرائيل شهرة كبيرة منذ زمن، ولكن يبدو أن جرأتها لم تصل قط إلى هذا المستوى. وزير الخارجية يطالب العالم بالتدخل من أجل أقلية يقمعها نظام دولة أخرى، وفي الوقت نفسه يعمل رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان منذ فترة: نتنياهو يصدر تعليمات، وزامير يأمر بالضرب، وكاتس يهدد برد “شديد”، والجيش الإسرائيلي يقصف دفاعاً عن المضطهدين الدروز.
ليس لوزير خارجية إسرائيل أي حق أخلاقي في أن ينبس ببنت شفة عن قمع شعب أو أقلية، خصوصاً دعوة العالم للهب لحمايتهم. إسرائيل، التي تغض النظر عن أوكرانيا، والتي غضت النظر عن الحرب الأهلية في سوريا، ليس لها حق في دعوة العالم للنظر. غياب وعي قيادة إسرائيل يحطم الأرقام القياسية كلها. عندما يتحدث ساعر عن نظام قمع وعصابات إرهاب، فعليه التحدث في المقام الأول عن بلاده. ليس في العالم دول كثيرة يزدهر فيها نظام القمع وعصابات الإرهاب مما في إسرائيل. نظام الاحتلال السائد هنا هو من أكثر الأنظمة وحشية في العالم، وعصابات الإرهاب، “المستوطنون”، تنكل بأبناء شعب آخر. كيف ترد إسرائيل على الدعوات التي تطالب العالم بأن يهب للدفاع عن الشعب المضطهد هنا؟ هي تصرخ وتقول: هذه لا سامية.
كيف تقبل إسرائيل تدخلاً عسكرياً لدولة أو أي جسم آخر يهب للدفاع عن الشعب المضطهد؟ وهذا بالضبط ما قالته الدول العربية في السابق، وما يقوله حزب الله والحوثيون الآن، إنهم يتدخلون ضد إسرائيل لحماية الفلسطينيين. مثلما يطلب الدروز الآن أن تأتي إسرائيل للدفاع عن إخوانهم، فإن الرأي العام في الدول العربية يطالب الحكومات بالتدخل لصالح إخوانهم الذين يقعون تحت نير الاحتلال الإسرائيلي. وماذا عن الإخوة العرب في إسرائيل، الذين قتلوا في غزة وسوريا ولبنان؟ هل فكرت إسرائيل يوماً في الدفاع عن نفسها؟ وفي لبنان حرضت الكتائب. عندما طلب الرسام من حيفا، عبد عابدي، إنقاذ شقيقته التي ولدت في البلاد من مخيم اليرموك في سوريا، رفضت إسرائيل ذلك. ولكنها تقصف لـ “حماية الدروز”.
تخيلوا فرنسا تقصف المستوطنات لأنها تعتبرها أوكار إرهاب يخرج منها مخربون يهود يعتدون على الفلسطينيين. أي صراخ سيكون هنا؟ وفوق كل ذلك يحلق التهكم. إسرائيل لا تهتم بمصير الدروز في سوريا، بالضبط كما أنها لا تهتم بمصير ضحايا النظام السابق في سوريا، وبعد سن قانون القومية، فمن الواضح أن الحكومة لا تبالي حتى بحقوق الدروز في إسرائيل. إن التجند من أجل دروز سوريا ليس إلا استخداماً ساخراً من أجل مهاجمة سوريا في ضعفها، وربما هو غمز للأعضاء الدروز في الليكود. بدلاً من منح فرصة للنظام الجديد، ها هي إسرائيل تدق ضده طبول الحرب. هذه هي اللغة الوحيدة التي تتحدثها في السنوات الأخيرة، الضرب والقصف والتفجير والقتل والتدمير بقدر الإمكان وفي كل مكان.
إذا كانت إسرائيل تريد عدالة في أي مكان في العالم، فالأفضل لها أن تبدأ ببيتها، حيث المظالم الصادمة والجرائم ضد الإنسانية آخذة في الازدياد. حتى طلبها للمساعدة الدولية أثناء الحريق في القدس الأسبوع الماضي، في الوقت الذي تمنع فيه إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة منذ شهرين تقريباً، بدا طلباً وقحاً. لم يكن على العالم الاستجابة لها. فالدولة التي تجوع مليوني شخص، لا يحق لها الحصول على أي مساعدة من المجتمع الدولي، حتى عندما تهدد بلداتها حرائق الغابات.