كي لا يُفرَض علينا الدخول في عصرٍ “إسرائيلي” جديد..!
خاص “المدارنت”.. بين كل مصطلحات الشماتة واخواتها، على ماجرى منذ عام في قطاع غزة، وما لحق بالساحة اللبنانية من دمارٍ، وتهجيرٍ، وقتلٍ، وإسالة دماءٍ… لا سيّما بعد حادثة تفجير أجهزة البيجر، واللاسلكي، في 17 و 18 من شهر أيلول المنصرم، وبين كل مُتطلبات الصمود، والخطاب القائم على الثوابت، وتحفيز مختلف أشكال المواجهة، ومنع الانهيار من الداخل، لا مناص اليوم من تسجيل بضعة ملاحظات، قد تزعج البعض، ويقبلها الآخر على مضضٍ، غير أن البلد يبقى هو صاحب الأولوية في تبني هذا الموقف، وذاك.
ويبقى الشعب اللبناني، بكل مكوّناته، المرجع الأول والأخير في تكوين الرأي العام الواحد الموحد إزاء ما جرى ويجري. ولا يمكن بعد اليوم، تجاهل إرادته، وإملاء القرارات الخارجية عليه بالقوة، أو بغيرها، بعيدًا عن عواطف الانتماءات المذهبية، والطائفية، والمناطقية، والخارجية، والخاصة، التي تتحمل القسم الأكبر من معاناة اللبنانيين، الذين تراهم اليوم يتقاذفون الأسباب بين هذا المكوّن، وذاك…
ومن أسَّسَ لاستقرار البلد وأمنه أكثر من الآخر، ومن يتحمل أوزار الانزلاق إلى الهاوية، ومن يمتلك الحقيقة والمصداقية من عدمها، ومن يملك الجرأة على النطق بالحقائق كاملةً، من دون الخروج، أو التمرُّد على بيئته، ومن هو ذاك الحيادي الموضوعي ليقنعنا بوجهة نظره، أو من يمثل هذه الأيام، والكل دخل في لعبة التخوين، والتحريم، وإلقاء المسؤولية على الآخر، من دون رفةٍ عينٍ، أو وازعٍ من ضميرٍ، أو نقدٍ ذاتيٍّ داخليٍّ، أو في أضعف الإيمان امتلاك الحدود الدنيا من ثقافة الاعتذار.
لسنا هنا، وفي هذه العجالة، في وارد صبّ الزيت على النار المشتعلة، ولا نسمح لأنفسنا في إعطاء الدروس، وإدخال البلد في جدالٍ عقيم، سُمِيَ يومًا بالجدل «البيزنطي»، نسبةً لحكام بيزنطة، يوم داهمهم الرومان، فلم يتوافقوا على مواجهته، وأمضوا أيامهم ولياليهم في كيفية ذلك، إلى أن دُخِلَ عليهم، وقُتِلُوا شر قتلة… إننا اليوم في أمسِّ الحاجة لموقفٍ وطنيٍّ شاملٍ مُوحدٍ، ينتشلنا من مستنقعات الموت المنتشرة على كل أراضي لبنان، فلم يعد من خيمة أمان وطنية، تُظلّل هذا البلد، وتمد إليه يد النجاة سوى أبنائه، في وقت ابتعاد القريب عنَّا، وتنصَّل البعيد من مُلامسة مآسينا، ولو بالتضامن اللفظي، أو المَعْنوي على الأقل، مذكّرين الجميع أن المطلوب بعد الانتهاء من قطع هذه الرؤوس، وتلك، هو الالتفات إلى كلِّ من يتفرج على مسرحية الدم المتنقلة في لبنان فلا يبالي…! وكأنه أمام سردية عدوٍّ حنونٍ يُدافع عن أمنه واستقراره، وليس مغتصب يقضم من حاضرنا قدر المستطاع، ومن وجودنا وبقائنا، بعد أن استنفذ كل ما لدينا من نسغ حياة طوال وجوده جاثمًا على أرض فلسطين، منذ العام 1948،.
هذا، إن لم نحتسب ما سبق ذلك من استنزافٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ، بشريٍّ ووجوديٍّ، يسعى العدو اليوم إلى استكماله، لنضع كل مقومات مستقبل الأمَّة بين أياديه، بصفتنا « الغوييم »، المُلحقين به، لا الأقوام القائمة مصالحه معهم ندًّا لندٍّ، تمهيدًا لإدخالنا عصرًا جديدًا، يحمل كل مُقوِّمات الاسْتلاب، وإخضاع رقاب حكامنا قبل شعبنا، من المحيط إلى الخليج، إلى سيطرة المستعمر الجديد، القادم إلينا بثوب التكنولوجيا والحداثة الإلكترونية غير المسبوقة، وما جرى في غزة، ومستلحقاته في لبنان، ليس سوى مقدمةً لأدخالنا جميعًا في عصرٍ « اسرائيليٍّ » جديدٍ يلخص كل عصور الاستعمار والإمبريالية، التي مرت على بلادنا منذ وعد بلفور، واتفاقية سايكس ــ بيكو التي نخشى أن نترحم عليها غدًا.. .