لبنان وسوريا.. تشابك المسارات الانتقالية في مرحلة التحولات الكبرى!
“المدارنت”..
زلزال سياسي هذا الذي آلت اليه سريعاً الاستشارات النيابية الملزمة وفقاً لما يقتضيه الدستور، لاختيار رئيس لحكومة لبنان، وكان هذا أول اختبار يواجهه الرئيس المنتخب حديثاً جوزف عون، ويتضح في ضوئه حجم المدى المعطى له داخلياً وخارجياً للسير بمضامين خطاب القسم الذي تلاه حال انتخابه، والذي شدّد فيه على مرجعية الدولة وحدها في احتكار السلاح، وعلى تصحيح علاقات لبنان مع الدول العربية، وعلى احتضان كل منكسر في الداخل اللبناني ووجوب التركيز على أولويات استرجاع الأرض وعدم تجدد الحرب وإعادة الإعمار، أضف للعناوين المحلية التي من أبرزها حقوق المودعين لدى المصارف.
بخلاف ما كان راجحا إلى أيام خلت، لم يتم تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بهذه المسؤولية، وتمكنت المعارضة من تزكية اسم القاضي نواف سلام رئيس محكمة العدل الدولي، الذي ارتبط اسمه في العام الأخير بطلب ملاحقة رئيس الحكومة “الإسرائيلية” (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه (الإرهابي الصهيوني) يوآف غالانت، بتهمة الضلوع بجرائم إبادية ضد الشعب الفلسطيني.
انهارت بسحر ساحر حظوظ ميقاتي وكل مرشح آخر، ونال سلام أكثرية واسعة من النواب المؤيدين له وبنتيجته جرى تكليفه بمهمة ليست سهلة: تشكيل حكومة في البلد الذي لم يخرج تماما من الحرب الإسرائيلية عليه، طالما أن وقف إطلاق النار ينتهي في أواخر هذا الشهر، ويحتاج تجديده لوضع أكثر وضوحا، يترجم بانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق الحدودية التي تحتلها أو من خلال نشر الجيش جنوب الليطاني وتفكيك مواقع “حزب الله” في تلك المنطقة.
يأتي هذا الاستحقاق الداخلي اللبناني في لحظة مفصلية بالنسبة إلى هذا البلد كما بالنسبة إلى المشرق العربي ككل.
فالبلدان، سوريا ولبنان، يجتاز كل واحد منهما مرحلة انتقالية، وإن بشروط مختلفة. إنما في الحالتين، هذه المرحلة الانتقالية ناتجة عن تراجع حاد في النفوذ الإيراني، بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على حزب الله، وفي إثر انهيار نظام بشار الأسد في سوريا. في الوقت نفسه، الحالة اللبنانية تختلف عن الحالة السورية.
في لبنان، إطار دستوري لعملية التحول. إطار يتضمن أكثر من نقطة بحاجة إلى إعادة ايضاح، إنما يمكن الانطلاق منه. وفيه مؤسسة عسكرية وصل من هو على رأسها مرة جديدة إلى الكرسي الأول. في سوريا، الحسم كان جذريا أكثر، حيث انهار النظام الدموي لآل الأسد بشكل هزلي في آخر المطاف، إنما هذا يعني أن المرحلة الانتقالية هي التي يتوجب عليها إيجاد دستورها وليس هناك دستور يضبطها بالحد الأدنى سابق عليها كما في نموذج لبنان.
أيضاً، الخاسر في سوريا كان خاسرا بشكل مطلق. ما عاد له مكان لا في عملية مصالحة ولا في مؤتمر وطني، ولا يعني ذلك أن التعددية الثقافية والسياسية والمناطقية في سوريا لا ينبغي أن تبحث عن الصيغة الواقعية المثلى لتنظيم نفسها في إطار مجتمع ودولة.
أما في لبنان، فحزب الله تعرض لأكبر عملية تنكيل بقياداته وكوادره وتدمير للمناطق التي له الكلمة الفصل فيها، إنما لا يزال الحزب، والثنائي الذي يجمعه بحركة الرئيس نبيه بري، وشبكة حلفائه، في موقع تشكيل قوة ضاغطة.
في الوقت نفسه، يبدو أن الحزب دخل باكراً في تشنج مع العهد الرئاسي الجديد على خلفية تكليف سلام، ورفع ورقة الطعن «بميثاقية» هذا الخيار ما دام لم ينل موافقة الكتلتين الشيعيتين في البرلمان، والسؤال الذي يطرح نفسه هو عن استراتيجية الحزب لمواجهة تحديات المرحلة الحالية، هل ثمة بالفعل استراتيجية الآن أم ردات فعل غير مدروسة بعيدا عن مصارحة الذات والآخرين عما حصل وما هو حاصل؟