ما الذي يحمي «سوريا الجديدة» من “إسرائيل”؟!
“المدارنت”..
صعّدت “إسرائيل”، منذ إعلان سقوط نظام (الطاغية المخلوع) بشار الأسد وفراره من دمشق في 8 كانون أول/ديسمبر الماضي، أشكالا من التدخّلات العسكرية العنيفة والتصريحات السياسية الفظة وغير المسبوقة في الشؤون السورية، كان آخرها أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو ووزير الحرب (الإرهابي الصهيوني) يسرائيل كاتس، مساء السبت الماضي، الجيش الإسرائيلي بالاستعداد للدفاع عن قرية جرمانا على المدخل الجنوب شرقي لدمشق «إذا أقدم النظام على المساس بالدروز» في جرمانا، الضاحية القريبة من دمشق (تقريبا ستة كيلومترات من وسط العاصمة).
يمثّل هذا تطوّرا أكثر خطورة على تصريحات سابقة أطلقها نتنياهو قبل أيام طالب فيها ما سمّاه «القوات الإرهابية التابعة لأحمد الشرع» بـ«إخلاء كافة عناصرها من الشريط الحدودي» في ثلاث محافظات، السويداء ودرعا والقنيطرة، مؤكدا أن جيشه لن يترك منطقة جبل حرمون التي قام بالاستيلاء عليها في نهاية العام الماضي بعد سقوط نظام الأسد، وما تبعه من توغّلات عسكرية تحت مسمى «المنطقة العازلة».
تظهر الأجندة الإسرائيلية للتعاطي مع سوريا سعيا إلى تفكيك البلاد وإبقائها ضعيفة عبر الضغوط العسكرية المتواصلة، وإعلان الوصاية والحماية على مكوّنات دينية وإثنية، واستخدام نفوذها لدى الإدارة الأمريكية للإبقاء على القيود السياسية والاقتصادية على النظام الجديد.
ينتظم ذلك ضمن الأجندات التوسعية الإسرائيلية المعلومة والتي تصعّد الضغوط على السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، بدءا من فرض «مناطق عازلة» وإعلانات التمركز فيها «لفترة طويلة» ووصولا إلى إعلان احتلالات أبدية، وانتهاء بخطط التطهير العرقي في غزة والضفة.
إضافة إلى المساعي الآنفة والأهداف فإن لحكومة نتنياهو «مآرب أخرى» تهدف إلى إعلان نفسها قوة كبرى في المنطقة لا تستثني من إمكانيات عدوانها أي دولة عربية. يتَضح ذلك في تراجعها عن اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة «حماس» وتضمينها لـ«معبر صلاح الدين» ـ فيلادلفيا (الذي يفترض أن يكون ضمن السيادة المصرية) في هذه المناطق، وصولا إلى تصريحات مسؤوليها العدائية ضد مصر، والسعودية، وقطر.
تباينت ردود الفعل في سوريا على تصريحات نتنياهو، فشهدت محافظات جنوب سوريا مظاهرات ووقفات شعبية تحتج على التصريحات، لكنها شهدت أيضا إعلان تشكيل «المجلس العسكري في السويداء» الذي تشكل بتنسيق مع «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أمريكيا، وأدى ذلك إلى انتقادات حادة من فصائل محلية وبعض القوى الدينية والنشطاء تتهمه بـ«استنساخ نموذج قسد الانفصالي».
أهم ردود الفعل على ما يجري جاء من الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط الذي قال في مؤتمر صحافي، أمس الأحد، إن إسرائيل تريد استخدام الطوائف لمصلحتها وتفتيت المنطقة، وأن «الذين وحدوا سوريا أيام سلطان باشا الأطرش لن يستجيبوا لدعوات نتنياهو» (في إشارة إلى الدروز الذين لعبوا دورا كبيرا في الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين في عشرينيات القرن الماضي مما ساهم في استقلال البلاد).
تمثّل إسرائيل، ضمن السياق المذكور، تحديا كبيرا لدول وشعوب المنطقة، فهي القوة النووية الوحيدة، وهي دولة تصاعد بعد أحداث غزة انفلاتها الفظيع من القوانين الدولية، كما أنها تحظى بغطاء من إدارة دونالد ترامب الأمريكية، التي تظهر ميلا هائلا لممارسة القوة والهيمنة وإعادة الممارسات الإمبراطورية، وتكريس نفوذ الدول القوية وتعنيف الدول الضعيفة.
يظهر هذا، أكثر ما يظهر في سوريا، حيث تواجه السلطة الجديدة مخاطر شديدة، كونها ما تزال تحت عقوبات اقتصادية تشلّ اقتصادها وسياستها، وتواجه قوى داخليّة مدعومة أمريكيا، وإسرائيليا، وإقليميا.
تواجه هذه المخاطر، والتدخلات الإسرائيلية الصريحة، مساعي النظام السوري الجديد في إعادة تركيب الدولة والمجتمع والسياسة والاقتصاد، وفي هذه المناطق بالذات، تكمن المسؤولية الكبيرة، التي تقتضي حلولا عميقة تؤمن مشاركة وطنية أشمل لكل الفئات والمكوّنات والإثنيات، وتقوم بتسويات سياسية كبرى تجترح عقدا سياسيا واجتماعيا جديدا، وهذا هو الأمل الوحيد لسوريا والسوريين في الإبقاء على البلاد، وحمايتها من الأخطار الداخلية والخارجية.