“محاكم تفتيش” //الحشد الشعبي// في العراق
كتب صادق الحسن/ العراق
خاص “المدارنت”..
نفذت مديرية أمن الحشد الشعبي، خلال أيام الزيارة الاربعينية، مجموعة من عمليات الاعتقال بحق مجموعة من المواطنين في المحافظات الجنوبية، كانت الحجة التي أوردتها مديرية أمن الحشد الشعبي، بشأن الاعتقال، هي بسبب تخطيط هذه الجماعات لتنفيذ عمليات إرهابية، خلال الزيارة الأربعينية، وعن ارتباط هذه الجماعات بحزب البعث.
هذه حجج واهية وكاذبة، الغرض منها إستغلال عاطفة الناس، حيث يستخدم حزب البعث (العربي الاشتراكي – المحرر) كبعبع لإخافة المجتمع، وهذه سياسية تستخدمها الدولة منذ سنوات، فكلما شعرت بأزمة داخلية، رفعت شعار عودة حزب البعث، وتقوم بنشر أخبار كاذبة عن نشاطات يخطط لها حزب البعث.
لكن اللافت أن الأشخاص الذين تم اعتقالهم هذه المرة هم من كبار السن، أغلبهم تجاوز سن السبعين، ومن بين الذين اعتقلهم مديرية أمن الحشد الشعبي مؤخراً شخص يدعى «إقبال دوحان»، وهو أكاديمي يحمل شهادة الدكتوراه، ويعمل مدرّسًا في كلية المستقبل الجامعية، وكذلك هو شيخ عشيرة المرمض ووجه إجتماعي معروف في مدينة الديوانية، إقبال دوحان البالغ من العمر ثمانين عاماً، خرج بعد اعتقاله بأيام، وعليه علامات تعذيب شديد تعرض له أثناء الاعتقال، مما أدى إلى وفاته بعد يومين من خروجه من المعتقل السري لمديرية أمن الحشد.
ثم نفذت مديرية أمن الحشد عملية أخرى، ولكن هذه المرة اعتقال 44 شخصاً، ادعت هيئة الحشد الشعبي في بيان لها، أنهم يمثلون جماعات “دينية منحرفة”، ولم توضح كيف هم جماعات منحرفة! ومن يحدد هذه الجهة منحرفة أو لا؟! فكل جهة دينية تعتقد أنها على حق وغيرها منحرفة، وكل رجل دين يعتقد أنه على الحق وغيره منحرف، لكن واجب الدولة بأجهزتها المختلفة أن لا تنحاز الى أيّ من هذه الأطراف، وتمنع اعتداء بعضها على البعض الآخر.
وبصرف النظر عن المخالفة القانونية التي تمنع هيئة الحشد من ممارسة هكذا نوع من الاعتقالات، بحسب القاضي رحيم العكيلي، وبحسب النائب في البرلمان سجاد سالم، فإن هيئة الحشد قوة عسكرية لا يحق لها اعتقال أي مواطن تحت أيّ مبرر، أقول بصرف النظر عن الناحية القانونية، فإن هكذا ممارسات تعد سابقة خطيرة، تؤسس لنوع من الإرهاب الفكري والعقائدي، والأخطر، أن الأمر مرَّ وسط صمت إعلامي من قبل الناشطين والمنظمات الحقوقية في العراق.
وفي البحث عن أسباب الاعتقال، نجد أن المستهدفين هم جماعات دينية شيعية داخل المذهب الواحد، لا يتبعون للمرجعيات الدينية الكلاسيكية في النجف وقم (مثل مرجعيات السيستاني وخامنئي والفياض وبشير النجفي وغيرهم)، بل يتبعون رجال دين آخرين، مثل رجل الدين محمود الحسني الصرخي، او جماعات شيعية تدعو أساساً الى عدم اتّباع رجال الدين في النجف، وترك ما يسمى “بالتقليد”، المعروف في الأعراف الشيعية، مثل جماعة اليماني وجماعات مهدوية أخرى.
وبهذا فإن الحشد الشعبي، عندما يتدخل بعقائد الناس، وينحاز الى رجل دين على حساب آخر، وينفذ اعتقالات بحجة الإنحراف عن الدين، لا يكون مجرد جهاز أمني عسكري مثلما يدّعي المدافعين عنه، بل هو جهاز ميليشياوي ديني لا ينتمي إلى عصر الدولة الوطنية الحديثة والجيوش النظامية، بل ينتمي إلى عصر ما قبل دولة المواطنة الحديثة، كما كانت محاكم التفتيش المسيحية في أوروبا في العصور المظلمة، عندما كانت تفرض نمط ديني معيّن، وتعتقل وتحرق الناس بدعوة الإنحراف عن الدين، وبالتالي، فإن الحشد الشعبي ليس جهازاً مستقلاً، بل هو أداة وسيف في يد جهة دينية محددة، مسلّط على رقاب الآخرين لتأديبهم، وإعادتهم بالإكراه إلى حظيرة الجهة الدينية التي يدافع عنها الحشد الشعبي.
التضييق على الحريات الدينية أمر مرفوض، ومبدأ حرية الفكر والعقيدة والإيمان مبدأ أصيل لكل مواطن لا يجوز التنازل عنه، ولا يحق لأي جهة أن تعتدي على الجهة الأخرى، وتفرض عليها عقيدة بالإكراه، ولا يجوز الصمت عن هذه الممارسات والانتهاكات، فدائرة تهمة “الإنحراف الديني” ستتوسع، لتشمل كل من يختلف سياسياً مع الحشد الشعبي.
سبق للدولة أن قامت في شهر نيسان الماضي، بهدم جوامع الصرخيّين، وعندما مرّ الأمر من دون أستنكار شعبي وإعلامي واسع، ها هي ممارسة التضييق على الحريات الدينية تتوسع لتشمل فئات أخرى. لسنا في عصر محاكم التفتيش، ليمر هذا الأمر بشكل عادي، يجب أن تكون لمنظمات حقوق الإنسان وقفة جادة، لفضح هذا الإرهاب الفكري الذي تمارسه هذه الجماعات الدينية المتخلفة.